حول إعطاء المؤلفة قلوبهم
حول إعطاء المؤلفة قلوبهم
أَجازَ الإِسلامُ إِعطاءَ المؤلَّفةِ قُلوبُهم من الزكاة، وَوَرَدَ هذا في قولِه
تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) .
وذَهَبَ الفادي إِلى تفسيرِ البيضاويِّ ليُثيرَ الشبهاتِ على المؤلفةِ قلوبُهم.
قال: فَسَّرَها البيضاويُّ بقوله: " المؤلفة قلوبهم ": قومٌ أَسْلَموا ونيتُهم ضعيفةٌ فيه، فَيَسْتَألِفُ قُلوبَهم..
أَو هم أشرافٌ قد يَترقبُ بإِعطائِهم ومراعاتِهم إِسلامَ نُظرائِهم.
وقد أَعطى رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عيينةَ بنَ حِصْن والأَقرعَ بنَ حابس والعباسَ بن مرداس لذلك.
وقيل: هم أَشرافٌ يُسْتَألَفون على أَنْ يُسْلموا، فإِنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يُعطيهم..
والأصحُّ أَنه - صلى الله عليه وسلم - كان يُعطيهم من خُمُسِ الخُمُس،
الذي كانَ خاصَّ مالِه، وقد عَدَّ منهم مَن يُؤَلِّفُ قَلْبَه بشيءٍ منها على قتالِ
الكفارِ ومانعي الزكاة..
وقيل: كان سهمُ المؤلَّفَةِ لتكثيرِ سَوادِ الإِسلام، فلما أَعزه اللهُ وأَكثرَ أَهْلَهُ سقط.
ذَكَرَ البيضاويُّ ثلاثةَ أَصنافٍ من المؤلَّفةِ قلوبُهم الذين يُعْطَوْنَ من الزكاة:
1 - منهم من دَخَلوا في الإِسلام، لكنَّ نيتَهم في الإِسلامِ ضعيفة،
فيُعطونَ من الزكاةِ لتتألَّفَ قلوبُهم، ويتقوّى إِيمانُهم، ويَثْبُتوا على إسلامِهم.
2 - ومنهم مَنْ هم أشرافٌ في أَقوامِهم، فيُعْطَوْنَ من الزكاةِ طَمَعاً في
إِسلامِهم وإِسلامِ أَتْباعهم.
3 - ومنهم مَنْ يُرْجى منه قِتالُ الكافرين ومانِعي الزكاة، فيُعْطَوْنَ من
الزكاةِ للاستفادةِ منهم ومن قُوَّتِهم.
وذَكَرَ البيضاويُّ قَوْلاً آخَرَ يَرَى أَنَّ المؤلَّفَةَ قلوبُهم أُعْطوا من الزكاة، لما
كانَ المسلمونَ قَلائل، وكانَ الإِسلامُ ضعيفاً، فلما أَعَزَّ اللهُ الإِسلامَ والمسلمين لم يَعودوا يَحتاجونَ إِلى تأليفِ قُلوبِ الناس، وبذلك سَقطَ سهمُ المؤلَّفَةِ قلوبُهم من الزكاة!.
وقد اعترضَ الفادي على هذا، وجَعَلَ عنوانَ اعتراضِه مُثيراً، هو " تَحليلُ
الإِغراءِ بالمال ".
وقالَ في اعتراضِه وتشكيكِه: " ونحنُ نسأَلُ: هل يُبيحُ الدينُ الإِغراءَ بالمالِ للدُّخولِ فيه؟
وهل يُؤْجَرُ النّاسُ ويُرْشَوْنَ لِيُهَدِّدوا ويَقْتُلوا الذينَ
لا يَرغبونَ فيه؟
وهل هذا المالُ يُعْتَبَرُ زكاةً وصدقة، أَمْ يُعتَبَرُ رشوةً ومفسدة ".
إِنَّ إِعطاءَ المؤلَّفَةِ قلوبُهم نَصيباً من الزكاةِ ليس رشوةً لهم، ولا إِغراءً
لهم بالمال، ولا اسْتِئْجاراً لهم ليَقْتُلوا الآخَرين، إِنما هو تأليفٌ لقلوبِهم،
وترغيبهم للإِقبالِ على الإِسلام، وتقديمُ هديةٍ ماليةٍ لهم، وهذه الهديةُ لمصلحةِ
الإِسلامِ والمسلمين.
وإِنَّ اللهَ الذي شَرَعَ هذا الحكم، وأَذِنَ للمسلمينِ أَنْ يُعْطوا المؤَلَّفَةَ قلوبُهم، جُزءاً من زَكَواتِهم، يَعلمُ أَثَرَ المالِ في النفوس وتغييرِ مواقِفِها، وترسيخِ وتَثبيتِ قناعاتِها، ولذلك أَذِنَ بإِعطاءِ المؤلفَةِ قلوبُهم من الزكاةِ، لتثبيتِ الإِيمانِ في قلوبِهم.
ثم إِنَ هذا التشريعَ ليسَ للوجوب، وإِنما هو للإِباحَة، ويُمكنُ أَنْ يَتَوَقَّفَ
المسلمون عنه أَحياناً، ولذلك ذَهَبَ بعضُ العلماءِ إِلى توقيتِه بأَيَّامِ الإِسلامِ
الأُولى، حيث كان المسلمونَ ضُعفَاء، أَما بَعْدَما انتصرَ المسلمونَ وانتشرَ
الإِسلامُ فلم تَعُدِ الحاجةُ قائمةً لتأْليفِ قلوبِ الناس، فأَسْقَطوا سهمَ المؤلَّفَةِ
قُلوبُهم، قالوا: لا نَحتاجُ إِلى تأليفِ قلوبِهم، فمن شاءَ فلْيُؤْمن، ومَنْ شاءَ
فليكْفُرإ!.