• Post on Facebook
  • Twitter
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

حول الترخيص بالكذب

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1015
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

حول الترخيص بالكذب
زَعَمَ الفادي المفترِي أَنَّ الإِسلامَ يُرَخِّصُ في الكذبِ ويُحَلِّلُه، ويَدْعو
المسلمينَ إِلى أَنْ يَكْذِبوا..
وأَوردَ آيتَيَن، ليسَ فيهما أَدْنى إِشارةٍ إِلى ذلك:
الأوِلى: قوله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) .
لَتَحدَّثُ الآيةُ عن عَدَمِ مؤاخذةِ المسلمينَ باللَّغْوِ في أَيْمانِهم، وهي اليمينُ
التي تَخرجُ من أفواهِهِم بدونِ تَعَمُّدٍ وقَصْد، كقولِ أَحَدِهم: لا وَالله، وبَلى
والله.
ثُم تُبَيِّنُ كفارةَ اليمينِ المنعقدة، إِذا حَنَثَ فيها صاحبُها.
ولا تتحدثُ عن الكَذِب!.
الثانية: قولُه تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ) .
لا تَتَحَدَّثُ الآيةُ عن الكَذِب، وإنما تُشيرُ إِلى رخصةِ إِباحةِ النطقِ بكلمةِ
الكفر، لمن كانَ مُكْرَهاً، مع أَنَّ الأَوْلى أَنْ لا يَنطقَ بها، حتى لو أَدّى ذلك
إِلى قَتْلِه.
وقد سَبَقَ أَنْ ناقَشْنا هذه الفكرةَ مع الفادي  .
 تحليل إنكار الله
جاء فى سورة النحل: أن الإكراه على الكفر مع اطمئنان القلب بالإيمان؛ يجوز. وهذا لا يصح لأنه ليس من الأمانة أن يزور الإنسان فى عقيدته.
الرد على الشبهة:
إن الضرورات تبيح المحظورات. وهذا موجود بكثرة فى التوراة وفى الإنجيل ومن ذلك: ما جاء فى الإصحاح الثالث عشر من سفر الملوك الأول أن رجلاً من رجال الله جاء إلى مدينة " بيت إيل " وتنبأ عليه. وقال له الملك ادخل إلى بيتى لأعطيك أجرة؛ فأبى بحجة أنه أمر من الله أن يعود مسرعاً. وكان نبى شيخ ساكناً فى بيت إيل. فأتى إليه بنوه وقصّوا عليه قصة رجل الله. فقال لهم: دلونى على الطريق التى رجع منها. فلما لحقه قال له: ارجع معى لتتقوت. فأبى. فقال له النبى الشيخ: " أنا أيضاً نبى مثلك. وقد كلمنى ملاك بكلام الرب قائلاً: ارجع به معك إلى بيتك. فيأكل خبزاً ويشرب ماء. كذب عليه. فرجع معه وأكل خبزاً وشرب ماء [1مل 13: 17 - 19] .
فقد استعمل الحيلة فى إرجاعه و " كذب عليه "
وفى الأناجيل والرسائل أن بولس كان ذا لسانين وذا وجهين.
فإنه لما ردوه للسياط، كذب وقال: إننى رومانى الجنسية وقد ولدت حرًّا [أعمال 22: 28] وقال: أنا رجل يهودى من سبط بنيامين [رومية 11: 1] . ولما مثل أمام رئيس الكهنة وضربه على فمه قال له بولس: " سيضربك الله أيها الحائط المبيض " ولما شتمه بهذا القول وفى التوراة أنه لا يجوز شتم رئيس الكهنة وَوَجَّه إليه اللوم على مخالفته للتوراة. قال بولس: لم أكن أعرف أيها الأخوة أنه رئيس كهنة؛ لأنه مكتوب: رئيس شعبك لا تقل فيه سوءا [أع 23: 1 - 5] ، [خروج 22: 28] .
وفى التوراة أن الإكراه على كسر حكم من أحكام الشريعة يسقط العقاب على كسر الحكم. فإن الفتاة العذراء المخطوبة لرجل، إن وجدها فى الحقل وأمسكها الرجل واضطجع معها؛ يموت الرجل الذى اضطجع معها وحده " وأما الفتاة فلا تفعل بها شيئاً. ليس على الفتاة خطية للموت، بل كما يقوم رجل على صاحبه ويقتله قتلاً. هكذا هذا الأمر، إنه فى الحقل وجدها؛ فصرخت الفتاة المخطوبة فلم يكن من يخلصها " [تث 22: 26 - 27] .
وفى الإنجيل ينصح المسيح تلاميذه بالحذر من الناس فيقول: " ها أنا أرسلكم كغنم فى وسط ذئاب. فكونوا حكماء كالحيات، وبسطاء كالحمام. ولكن احذروا من الناس " [متى 10: 16 - 17] . اهـ (شبهات المشككين) .

فلا أَدري لماذا ذَكَرَ الفادي الآيتَيْن السابقتَيْن في اعتراضِه على الترخيص
بالكذبِ في الإِسلام.
وكتابُه كُلُّه خَصَّصَه لكشْفِ أَخطاءِ القرآن، فالآيَتانِ في
مَوْضوعٍ آخَر غير الموضوعِ الذي يتحدَّثُ هو عنه.
وزَعْمُ الفادي أَنَّ الإِسلامَ حَلَّلَ الكذبَ وأَباحَه، أَخَذَهُ من حديثِ
رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم.
قال: قالَ الربيعُ بنُ سليمان ...
عن أُمِّ كلثوم بنتِ عُقْبَة، قالَتْ: ما سمعتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرخصُ في شيءٍ من الكَذِبِ إِلّا في ثَلاث:
كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لا أَعُدُّه كاذِباً: الرجلُ يُصْلِحُ بينَ الناسِ، يقولُ القولَ ولا يُريدُ به إِلّا الإِصلاح، والرجلُ يَقولُ في الحَرْبِ، والرجلُ يُحَدِّثُ امرأَتَه، والمرأةُ تُحَدّثُ زَوْجَها ".
يُرَخِّصُ الحديثُ بالكذبِ في ثلاثِ حالات: في الإِصلاحِ بينَ الناس،
وفي الحربِ، وفي بعضِ الحديثِ بينَ الزوجَيْن.
ونَسَبَ إِلى الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - حَديثاً غَريباً، لم يَذْكُرْ مَنْ أَخْرَجَه من أَصحابِ السُّنَن، فقال: " وقالَ محمد: إِذا أَتاكم عَنّي حَديثٌ يَدُلّ على هُدى، أَو يَرُدُّ عن رَديّ فاقْبَلوه، قُلْتُه أَو لم أَقُلْه، وإِنْ أَتاكم عَنّي حديثٌ يَدُلُّ عَلى رَدِيّ، أَو يَرُدُّ عن هُدَى فلا تَقْبَلوه، فإِنّي لا أَقولُ إِلَّا حَقاً "!!.
وهذا حَديثٌ غامض، ومَعناهُ غيرُ واضح، وأَخشى أَنْ يَكونَ من وَضْعِ
الوَضّاعين!.
وقد اعترضَ الفادي على حديثِ الترخيصِ بالكذبِ في الحالاتِ الثلاث
بقوله: " أَلا تَفْتَحُ هذه الأَقوالُ البابَ للكذبِ على مِصْراعَيْه؟
وهل الأَخلاقُ الكريمةُ وصنعُ السَّلامِ يَقومُ على الأَكاذيب؟
وكيفَ يكونُ حالُ بيتٍ يكذبُ فيه الزوجانِ على بَعْضِهِما؟
وكيفَ يكونُ حالُ الأَبناءِ فيه؟..
يقولُ الإِنجيل: وأَمّا الزناةُ والسحرةُ وعَبَدَةُ الأَوثانِ وجميعُ الكذبةِ فَنَصيبُهم في البُحيرةِ بنارٍ وكبريتٍ، الذي هو الموتُ الثاني ".

واعتراضُ الفادي على الحديثِ مَرْدود، فَضْلاً عن أَنّه لا يَندرجُ ضمنَ
موضوعِ كتابِه الذي خَصَّصَهُ للحديثِ عن الأَخطاءِ في القرآن..
وزعْمُه أَنَّ الإِسلامَ يُبيحُ الكذبَ، ويُؤَدّي هذا إِلى فسادٍ أَخلاقي؟
افتراءٌ منه على الإِسلام!
فالإِسلامُ يُحَرِّمُ الكذبَ تَحريماً قاطعاً..
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِيّاكم والكذبَ
فإِنَّ الكذبَ يَهْدي إِلى الفُجور، وإِنَّ الفُجورَ يَهْدي إِلى النّار، وما زال الرجلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرّى الكذبَ، حتى يُكْتَبَ عندَ اللهِ كَذّاباً ".
وترخيصُ الكذبِ في ثلاثِ حالات: الإِصلاحِ، والحربِ، وبينَ
الزوجين، وهي ليست كذباً حقيقياً، وإِنما هي من بابِ " المعاريض ".
والمعاريضُ من بابِ التعريض، وهو أَنْ يتكلمَ الرجُل بكلامٍ غير صريح، فيفهمُ منه السامعُ شيئاً آخَرَ، وهذا من بابِ الفطنةِ وفصاحةِ الكَلام، كأَنْ تقولَ لمن دَعاكَ إِلى تناولِ الغداء: لقد تغدَّيْت.
فيفهمُ هو أَنك تغدَّيْتَ اليوم، لكنك تَقصدُ أَنك تغدَّيْتَ بالأَمس.
وقد دَعانا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلى استخدامِ المعاريضِ بقوله: " إِنَّ في المعاريض لمندوحةً من الكذب ".
فما وَرَد من الترخيصِ بالكذبِ في الحالاتِ الثلاث هو من بابِ
المعاريض، وليسَ من بابِ الكذب، فليس فيه ما يُعابُ عليه!!.
***

Powered by Vivvo CMS v4.7