• Post on Facebook
  • Twitter
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

الذنوب بين الاستغفار والتكفير والفداء

بواسطة |   |   عدد القراءات : 925
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

الذنوب بين الاستغفار والتكفير والفداء
وَعَدَ اللهُ المؤمنين أَنْ يُكَفِّرَ عنهم الصغائرَ إِن اجْتَنَبوا الكبائر.
قال تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) .
وجاءَ في صفاتِ المؤمنين الفائزين قولُه تعالى: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) .
وأَثارت الآيتانِ اعتراضَ الفادي، واعتبرَهما من مبادئِ القرآنِ الخاطئة،
لأَنَّهما تَتَعارضانِ معَ مَبدأ " الفِداء " عند النَّصارى، وسَجَّلَ اعتراضَه وتخطئتَه
بقولِه: " ونحنُ نسأل: هل من المعقولِ أَنْ يَغفرَ اللهُ أَو القاضي لمذنبٍ ارتكبَ
السرقةَ لأَنه تجنَّبَ القتْلَ؟
يؤكّدُ الكتابُ المقَدَّسُ لنا أَنه لا غُفرانَ بغيرِ الفادي المسيح، الذي قالَ عنه القرآنُ: (آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا) ، فالإِله القُدّوسُ العادلُ لا يَمنحُ الغفرانَ للخاطئ بدونِ كَفّارَة، ولا يَصفحُ عنه بدونِ فِداء!
إِنَّ الغفرانَ بغيرِ حساب استهتارٌ بصفاتِ اللهِ القُدّوسَةِ الكاملة، فالعَدْلُ
يَطلبُ قِصاصَ الخاطئ، والرحمةُ تَطلبُ العفْوَ عنه، وإِجابةُ أَحَدِ المطلَبَيْنِ تَعني
تَعطيلَ إِحدى الصفتَيْن! ".
لا يُصَدِّقُ الفادي المفترِي القرآنَ في وَعْدِه غفرانَ الصغائرِ باجتنابِ
الكبائر، مع أَنه وَعْدٌ قرآنيٌّ صريح، يَجزمُ به المؤمنُ ويَفرحُ له، لأَنه وَعْدُ اللهِ الذي لا يُخلفُ الميعاد.

وهذا من رحمةِ اللهِ بالمؤمنين، فهو يَعلمُ أَنه لا بُدَّ للمؤمنِ أَنْ يَضعفَ
ويَزِلَّ ويُخطئَ ويُذْنِب، وهو غيرُ معصومٍ من الأَخطاءِ والذنوب، وبما أَنَّه
يتجنبُ الكبائر، كالقتْلِ والزّنى والرِّبا والسرقةِ والخَمْر، فإِنَّ اللهَ يَغفرُ له
الصغائرَ اللَّمَم، التي يُلِمُّ بها بدونِ قَصْدٍ أَو تَعَمّد، كالكلمةِ الخَطَأ، والنظرةِ
الخَطَأ، والموقفِ الخَطَأ، والشعورِ الخَطَأ، على أَنْ يعترفَ بذنْبِه ويُسارعَ إِلى
التوبةِ والاستغفار، ويُتبعَ السيئاتِ الحسناتِ لتَمحوَها وتَذهبَ بها..
قالَ تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) .
هذا المبدأُ القرآنيُّ لا يُعجبُ الفادي المفترِي، واعْتَبَرَه لا يتفقُ مع العقلِ
والمنطق، ومنطقُه العقليُّ يُقَرِّرُ أَنَّ اللهَ القُدّوسَ العادلَ لا يَغفرُ للمخطئ بدونِ
كَفّارَة، ولا يَصفَحُ عنه بدونِ فِداء! وإِذا ظَنَّ المسلمُ أَنَّ اللهَ يُمكنُ أَنْ يغفرَ له
بدونِ فداءٍ أَو كفارةٍ فهذا استهتارٌ منه بالله، لأَنَّ اللهَ العادلَ لا يَرحمُ بدونِ
قِصاص، ولا يَغفرُ بدونِ كَفارةٍ أَو فداء.
وهل يَقْتُلُ المذنبُ نَفْسَه لتكونَ كَفارة؟!
وهل يَسفكُ دَمَه ليكونَ فداء؟!..
لا داعي لذلك، فقد فَدى اللهُ ذُنوبَ المذنبينَ السابقينَ واللاحقينَ بابنِه الفادي المسيح، الذي أَذِنَ لليهودِ أَنْ يَقْتُلوهُ ويَصْلبوه، ليكونَ قَتْلُه كفارةً لذنوبِ المذْنبين جميعاً، ويكونَ دَمُه المسفوكُ على الصليبِ كفارةً لجميعِ الذنوب!!.
وعلى المذنبينَ والعصاةِ والمخطئين أَنْ يَفْرَحوا ويَطمئنوا، فاللهُ فَداهم
بابنِه الفادي، وروحُ الفادي كفارةٌ لذنوبهم، ولا يُطْلَبُ منهم شيءٌ! لا توبةٌ ولا استغفار، ولا اجتنابٌ للكبائر، ولا تَرْكٌ للصغائر، ولا دَفْعٌ للكفارات!!
ليَعْمَلوا ما شاؤوا من الذنوبِ الكبيرةِ والصغيرة ولا يخافوا، فالمسيحُ الفادي
فَداهم وفَدى ذنوبَهم بنفسِه!.
اعتبرَ الفادي المفترِي القرآنَ مخطِئاً عندما دَعا المسلمين إِلى تَجَنُّبِ
الكبائر، وإِلى فعْلِ الحسنات، وإِلى التوبةِ والاستغفار، هذا كلُّه لا داعيَ له،
والبركةُ في المسيحِ الفادي، الذي فداهم بنفسه!!.

واستشهدَ الفادي المفترِي على هذا الفداءِ العجيبِ بالقرآن، حيثُ أَخْبَرَ
أَنَّ اللهَ جعلَ المسيحَ آيةً ورحمة.
قال تعالى: (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) .
فالمسيحُ رحمةٌ من اللهِ للناس، لأَنه فَداهم بنفسِه، ورضيَ أَنْ يُقْتَلَ ويُصْلَبَ ليخلِّصَهم من ذنوبهم!!.
وهذا فهمٌ خاطئ وتفسيرٌ منحرفٌ للآية، فاللهُ أَخبرَ أَنه سيجعلُ المسيحَ - عليه السلام - آيةً منه للناس، لأَنه خَلَقَه بدونِ أَب، وبغيرِ الطريقةِ المعتادةِ للولادةِ والنَّسْل، فكانَ خَلْقُه ونُمُوُّه في رَحِمِ أُمّه آيةً دالَّةً على وحدانيةِ اللهِ وقدرتِه.
واللهُ جعلَه رحمةً منه للناس، وليستْ رحمةُ الناسِ به لأَنه فدى الناسَ بدمِه،
وقُتِلَ وصُلِبَ من أَجْلِهِم، فهذا لم يَحْصُل، وهو الآنْ حَيّ في السماءِ..
إِنما هو رحمةٌ لهم بنبوتِه ورسالتِه، وبالإِنجيلِ الذي أَنزلَه اللهُ عليه ليكونَ هدىً للآخَرين.
وكلُّ رسولٍ أَرسلَه اللهُ رحمةً للذينَ أُرسلَ إِليهم.
ولهذا خاطَبَ اللهُ رسولَنا محمداً - صلى الله عليه وسلم - بهذا، فقالَ له: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) .
وأَكَّدَ الفادي فِكْرَه الكنسيَّ في جعْلِ قَتْلِ عيسى وصَلْبِه - كما يَفهمُ
النَّصارى - توفيقاً بين عَدْلِ اللهِ في القصاصِ ورحمتِه بالعفو!
قال: " والمسيحيةُ تَكشفُ الستارَ عن حكمةِ اللهِ المطْلَقَة، فعن طريقِ قُدرةِ اللهِ غيرِ المحدودة جاءَ التّجَسُّدُ، وعن طريقِ الصلبِ جاءَ التوفيقُ بين عدلِ اللهِ الكاملِ ورحمتِه الكاملة.
قالَ الإِنجيل: " إِنَّ الناموسَ بموسى أُعْطيَ، أَما النعمةُ والحقّ فبيسوعَ
المسيحِ صارا.. " أيوحنا: 1/ 17، ".
إِننا نرفضُ هذا الفكْرَ الكنسيَّ حولَ الخَلاصِ والتكفيرِ والفداء، لأَننا نؤمنُ
أَنَّ اللهَ عَصَمَ رسولَه عيسى - عليه السلام - من أَعدائِه، فلم يَقْتُلوه ولم يَصلبوه، فليسَ هناك قَتْلٌ ولا صَلْبٌ ولا فداءٌ ولا تكفير!!.
وهذا معناهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ عصى أَو أَذْنَبَ عليه أَنْ يَتوبَ إِلى اللهِ ويَستغفرَهُ،

ليغفِرَ اللهُ له ذَنْبَه، وعليه أَنْ يجتنبَ الكبائرَ ليكُفِّرَ اللهُ له الصغائر، وعليه أَنْ
يُكْثِرَ من الحسناتِ التي تُذْهِبُ السيئاتِ.
وقد اعترضَ الفادي المتحاملُ على القرآنِ في تقريرِه أَنَّ الحسناتِ يُذْهِبنَ
السيئات، واعتبرَ هذا لا يَتفقُ مع عدلِ الله، ولا يُريحُ ضميرَ المسلمِ العاصي.
لِنقرأْ قولَه العجيب: " أَمّا قولُ القرآن: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) ، فهو لا يتفقُ مع قَداسةِ اللهِ وعَدْلِه، ولا يُعطي الضميرَ راحةً ولا سَلاماً
ولا شعوراً بفَرَحِ الغفران ".
وهذا تَوَقّحٌ من الفادي على القرآن، وتخطئةٌ صريحةٌ له، واتهامٌ له بأنه
لا يَتفقُ مع عدلِ اللهِ وقداستِه، ولا أَدري لماذا؟!
أَليس اللهُ الرحيمُ هو الذي قضى أَنْ تُذْهِبَ الحسناتُ السيئاتِ؟ !
وماذا في ذلك طالما أَنه أَمْرُ اللهِ وقَضاؤُه؟!
وهو الفَعّالُ لما يُريدُ سبحانه..
أَليس اللهُ هو العزيزُ الغفور، الذي يَغفرُ لمن يشاء؟
أَليس اللهُ هو التوَّابُ الذي يَتوبُ على عبادِه التّائبين؟
لماذا يَدَّعي المفترِي أَنَّ هذا كلَّه لا يَتفقُ مع عدلِ الله؟!.
وادَّعى الفادي المفترِي أَنَّ مفهومَ الذنبِ والتوبةِ والاستغفارِ في الإِسلام لا
تُعطي ضميرَ المسلمِ راحةً ولا سَلاماً ولا فرحاً..
وقد نَقَلَ أَقوالاً عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وأَصحابه، كأَبي بكرٍ وعمرَ وعلي - رضي الله عنهم -، تُعَبِّرُ عن ما كانوا يَعيشونَه من قَلَقٍ
واضطرابٍ واكتئابِ وإِحباط..
وهذه الأَقوالُ مكذوبةٌ لم تَصْدُرْ عنهم، أَو لعلَّ
بعضَها صَدَرَ عنهم لَكنَّ الفادي المفترِي أَساءَ فَهْمَها وتأْويلَها وتفسيرَها.
***

Powered by Vivvo CMS v4.7