• Post on Facebook
  • Twitter
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

حديثُ القرآن عن المسيح - عليه السلام -

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1021
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

حديثُ القرآن عن المسيح - عليه السلام -
تحدَّثَ القرآنُ عن المسيح عيسى ابنِ مريمَ - عليه السلام - كما تَحَدَّثَ عن غيرِه من الرسل، وكان حَديثُه عن أُولي العزمِ من الرسلِ أَكثرَ من حديثِه عن غيرِهم.
وأُولو العزمِ من الرسلِ خمسةٌ هم: نوحٌ وإِبراهيمُ وموسى وعيسى ومحمدٌ،
عليهم الصلاةُ والسلام.
وقد كَذَبَ الفادي المفترِي عندما قالَ: " إِنَّ الذي ذَكَرَهُ القرآنُ عن
المسيحِ يَفوقُ ما ذَكَرَهُ عن سائرِ البَشَر، بمنْ فيهم محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - أَلا يُشيرُ هذا إِلى تَفَرُّدِ المسيحِ عن سائرِ البشر؟
وهذا ما يقولُه الإِنْجيلُ عن لاهوتِ المسيح ".

إِنَّ ما ذَكَرَهُ القرآنُ عن محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - أَكثرُ مما ذَكَرَه عن عيسى - عليه السلام -، وكذلك ما ذَكَرَهُ عن إِبراهيمَ وموسى - عليهما السلام - أَكثرُ مما ذَكَرَهُ عنه.
أولاً: مثل عيسى كمثل آدم:
أَخْبَرَ اللهُ أَنَّ مَثَلَ عيسى كَمَثَلِ آدم - عليه السلام -.
قال تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) .
خَلَقَ اللهُ آدمَ - عليه السلام - من تراب، ثم نَفَخَ فيه من روحِه، وقالَ له: كُنْ إِنساناً حَيّاً، فكانَ إِنْساناً حَيّاً..
وهكذا عيسى - عليه السلام -، أَرادَ اللهُ أَنْ يَخْلُقَه بدونِ أَبٍ، فأَمَرَ
جبريلَ - عليه السلام - أَنْ يَنفخَ روحَه في مريم - عليها السلام - فَفَعَل، وقالَ الله لعيسى: كُنْ إِنساناً حَيّاً في رَحِمِ مريم، فكانَ كما أَرادَ الله.
فلا غَرابةَ في خَلْقِ عيسى - عليه السلام - بدونِ أَبٍ، كما أَنه لا غَرابةَ في خَلْقِ آدمَ بدونِ أَبٍ أَو أُمّ.
ولكنَّ هذا الكلامَ لم يُعْجب الفادي المفترِي، ولذلك اعترضَ على الآيةِ
بقولِه: " ونحنُ نَقولُ: إِنَّ آدَمَ مِثْلُ المسيحِ في أَنه أَبو الجِنْسِ البشريِّ ووكِيلُه
ونائبُه، ولكنَّ آدمَ بمعصيتِه جَرَّ ذريتَه جَميعاً للهَلاك.
أَمّا المسيحُ فهو أَبٌ ووكيلٌ ونائبٌ جَديدٌ للمؤمنين به، الذين مَنَحَتْهُم كفارتُه وعملُه النيابيُّ وطاعتُه خلاصَهم، ولهذا قالَ الإِنجيل: آدمُ الذي هو مِثالُ الآتي ".
أَمّا أَنَّ آدمَ - عليه السلام - أَبو البشر فهذا متفقٌ عليه، لأَنه أَوَّلُ مخلوقٍ من البشر.
وأَمّا أَنّ عيسى المسيحَ - عليه السلام - أَبو البشرِ فهو أَمْرٌ مَرْفوض، لأَنه وُلدَ بعدَ آدمَ بفترةٍ طويلة، تَزيدُ عن مئاتِ الآلافِ من السنين.
ولقد كانَ الفادي وأَهْلُ ملَّتِه مُغالين مُبالغين عندما اعْتَبَروا عيسى - عليه السلام - أَباً للبشر، ووكيلَهم ونائباً عنهم، لدرجةِ أَنْ
فَداهم بنفسِه، وجَعَلَ دَمَه كفارةً لذُنوبهم، وتَخْليصاً لهم!! وقد سبقَ أَنْ ناقَشْنا الفادي في موضوعِ الكفارةِ والفداءِ والخلاص.
ويُخَطِّئُ الفادي الآيةَ، لأَنها شَبَّهَتْ عيسى - عليه السلام - بآدمَ: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) .
فهو يَرى أَنَّ خَلْقَ

عيسى ليسَ كخلْقِ آدم، قال: " أَمّا تَشبيهُ المسيح بآدَم، بما يُفيدُ أَنَّ المسيحَ
مخلون كآدمَ بأَمْرِ الله، فهذا خَطَأ..
لأَنَّ المسيحَ ليس بكائِنٍ من كلمةِ الله، بل هو ذاتُه كلمةُ اللهِ الأَزليّ، الذي تَجَسَّدَ من مريمَ العذراء، وظَهَرَ بينَ الناسِ ليخلَصَهم.. ".
يَرى الفادي أَنَ آدمَ - عليه السلام - خُلِقَ بكلمةٍ من الله، وكُلُّ بَشَرٍ خُلِقَ بكلمةٍ من الله، إِلّا المسيحُ - عليه السلام -، فإِنه ليسَ مَخْلوقاً بكلمةٍ من الله، وإِنما هو كلمةُ اللهِ ذاتُها، التي يَخْلُقُ بها الناس، وهي كلمةٌ أَزليةٌ غيرُ مَخلوقة، وَجَّهَها الله ُ إِلى مريم، وتجسَّدَتْ هذه الكلمةُ في عيسى!!.
ومعنى هذا الكلامِ أَنَّ عيسى ليسَ مخلوقاً، وإِنما هو أَزَليّ، والأَزَلِيُّ
هو الله، لأَنَّ كُلَّ ما سوى اللهِ مَخْلوق، فإِنْ لم يكنْ عيسى مخلوقاً، وإِنْ كانَ أَزَلِيّاً، فسيكونُ إِلهاً، لأَنَّ الموجودَ إِمّا أَنْ يكونَ مَخلوقاً حادِثاً، وإِمّا أَنْ يَكونَ أَزَليّاً خالِقاً، فإِنْ لم يكنْ مَخْلوقاً حادِثاً كان أَزَلِيّاً خالقاً!!.
إِنَّ جملةَ الفادي السابقةَ تأليه منه لعيسى - عليه السلام -.
وقد أَدانَ اللهُ الذين أَلّهوا عيسى - عليه السلام - وكفَّرَهم، وذلكَ في قولِه تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) .
ثانياً: وضوح حديث القرآن عن المسيح:
كانَ القرآن واضحاً صريحاً في تقريرِه خَلْقَ عيسى كخلقِ آدمَ - عليه السلام -، وَوَجْهُ الشَّبَهِ بينَهما أَنَ كُلّاً منهما خُلِقَ بكلمةِ اللهِ الأَزلية، التي خَلَقَ بها باقي المخلوقين، وهي كلمةُ " كُنْ " التكوينية: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) .
ورغْمَ تقريرِ القرآنِ الواضحِ بشأنِ خَلْقِ عيسى - عليه السلام -، وأَنه عبدُ اللهِ ورسولُه، إِلَّا أَنَّ الفادي اتَّهَمَهُ بالتناقض.
قال: " ويقولُ القرآنُ في المسيحِ

كَلاماً متناقضاً.
تقولُ سورةُ المائدة: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) .
وَوَرَدَ في سورةِ الزخرف: (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) .
وفي الوقْتِ نفسِهِ توجَدُ آياتٌ أُخرى تُشيرُ إِلى لاهوتِ المسيح، كشخصٍ
غريبٍ وعَجيب بين البشر، وتُعطيهِ أَعظمَ الأَلْقاب، التي لم تُعْطَ في القرآنِ
لغيره ".
إِنّ الفادي يَفتري على القرآن عندما يَتهمُه بالتناقضِ في حديثِه عن
عيسى - عليه السلام -، وهو الذي لم يُحْسِنْ فهمَ حديثِ القرآن!.
ومن أَرادَ أَنْ يَعرفَ حديثَ القرآن عن عيسى - عليه السلام -، وأَنْ يَتَعَرَّفَ على شخصيتِه من خلالِ القرآن، فعليهِ أَنْ يَجمعَ الآياتِ التي تحدثَتْ عنه من مختلفِ السُّور، وأَنْ يَنظرَ فيها مجتمعة، وأَنْ يَجمعَ بينها، ويستخرجَ دلالتَها.
ومعلومٌ أَنه لا تَعارُضَ ولا تَناقُضَ في آياتِ القرآن.
عيسى - عليه السلام - خَلَقَهُ اللهُ بدونِ أَب: وخَلَقَ روحَه بكلمتِه التكوينية، " كُنْ "، وأَمَرَ جبريلَ أَنْ يَحملَ روحَه المخلوقَة، وأَنْ يَتَوَجَّهَ إِلى مريمَ العذراء، وأَنْ يَنفخَ تلك الروحَ فيها، فحملَتْ مريمُ بعيسى بأَمْر الله، وكانَ حملَ معجزةٍ بأَمْرِ الله، وبعدَ ولادةِ عيسى بلحظاتٍ كَلَّمَ أُمَّه، وبعدَ ذلك كَلَّمَ قومَها، فهو عبدُ اللهِ ورسولُه، وهو كلمتُه التكوينيةُ " كُنْ "، والروحُ التي فيه روحٌ من عندِ الله، وهو خَيْرُ مَنْ يُقَدِّمُ نفسَه، عندما كَلَّمَ قومَ أُمَّه بعدَ ميلادِه.
قال تعالى: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) .
وقد وَقَفَ الفادي أَمامَ كلماتٍ قرآنيةٍ وَرَدَتْ في حديثِ القرآنِ عن

عيسى - عليه السلام -، واستشهدَ بها على عقيدةِ أَهْلِ مِلَّتِه في المسيح، وحَرَّفَ مَعْناها ودلالتَها، وهذه الكلماتُ هي:
1 - المسيح كلمة الله:
ذَكَرَ القرآنُ أَنّ عيسى - عليه السلام - كلمةُ الله.
قال تعالى: (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) .
وقال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) .
وفهمَ الفادي الآيتين فَهْماً خاطئاً، قال: " كلمةُ اللهِ: هذا الاسْمُ الكريمُ
لا يَصِحُّ أَنْ يُسَمّى به مخلوق، فهو خاصّ بالمسيح، انفردَ به عن سائرِ البشرِ
والملائكة ".
يُصَرخُ الفادي بأَنَّ عيسى ليس مخلوقاً، لأَنه سُمِّيَ باسمٍ لا يُطْلَقُ على
المخلوقين، فلا يَجوزُ لأَيِّ مخلوقٍ من البشر والملائكةِ أَنْ يُسَمّى " كلمةَ الله "، وبما أَنَّ المسيحَ سُمِّيَ كلمةَ الله، فهذا يَعني أَنه ليسَ مخلوقاً، وإِذا لم يكنْ
مَخْلوقاً كان خالِقاً، لأَنَّ الموجودَ إِنْ لم يكنْ مَخْلوقاً كان خالِقاً، وهذا يؤكِّدُ
إِيمانَ الفادي وأَهْلِ مِلَّتِه بأَلوهيةِ عيسى وأَزليتِه!.
وزعْمُهُ أَنَّ " كلمةَ الله " لم تُطلقْ على غيرِ المسيح في القرآنِ كَذبٌ
وافتراء، وهو يَعلمُ أَنه كاذبٌ مفترٍ، لأَنه يَعلمُ أَنَّ " كلمةَ الله " في القرآنِ أُطلِقَتْ على غير المسيح.
ذُكِرَتْ " كلمةُ الله " في مقابلِ " كلمةِ الذين كفروا "، وذلكَ في سياقِ الحديثِ عن نصرِ اللهِ رسولَه محمداً - صلى الله عليه وسلم - في رحلةِ الهجرة.
قال تعالى: (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) .

كلمةُ الكفار: هي رغبتُهم وإِرادتُهم في محاربةِ الحَقِّ والقضاءِ عليه.
وكلمةُ اللهِ: هي إِرادةُ اللهِ فى نَصْرِ الحَق وهزيمةِ الباطل، وسُميتْ إِرادَتُه
سبحانه " كلمة "، لأَنها أَمْرٌ من اللهِ - عز وجل -، حيثُ يأمرُ بإنفاذِ قدرتِه وإرادتِه، وتحقيقِ علمه، فيكونُ ما أَرادَه سبحانه وأَمَرَ به.
قال تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) .
وقال تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا) ، وكلمةُ رَبّك: هي إِرادَتُه وأَمْرُه بنَصرِ بني إِسرائيل وإِهلاكِ أَعدائِهم.
فعبارةُ " كلمةِ الله " ليستْ خاصةً بالمسيحِ - عليه السلام -، إِنما أُطلقَتْ في القرآن على عيسى وعلى غيره.
ومعنى كون عيسى - عليه السلام - كلمةَ الله: أَنَّ اللهَ أَرادَ أَنْ يَجعلَ خَلْقَه معجزةً، عن غيرِ طريقةِ الخَلْقِ المعروفةِ المألوفة، عن طريقِ التزاوجِ والاتِّصالِ
والمعاشرةِ والإِخصاب! فأَنْفَذَ إِرادَتَه وخَلَقَ عيسى في رَحِمِ مريمَ العذراء.
وكان خَلْقُه بكلمتِه التكوينيةِ التنجيزية، التي تُحَوّلُ إِرادةَ اللهِ من صورتِها العلميةِ النظريةِ إِلى صورتِها العمليةِ الحادثة، التي تَمَّ بها إِيجادُ عيسى - عليه السلام -!.
وفَرْقٌ بينَ إِخبارِ القرآنِ أَنَ عيسى كلمةُ (الله) ، أَيْ أَنَّه خُلِقَ بكلمةِ اللهِ
وإِرادتِه، وبين كَلامِ الإِنجيلِ المحَرَّفِ أَنه كلمةُ الله: " في البدءِ كان الكلمة،
والكلمةُ كانَ عندَ الله، وكانَ الكلمةُ الله، هذا كانَ في البدءِ عندَ الله! ".
فالمسيحُ كلمةُ الله، أَيْ أَنه هو الله! كما سَبَقَ أَنْ صَرَّحَ الفادي بذلك، لأَنَّهُ
يعَتقدُ أَنَ الكلمةَ ليستْ مخلوقة، وإِنما هي أَزليةٌ مثلُ الله، ملازِمَةٌ لله، لا
تنفصلُ عن الله، وهذا هو الكفرُ الصريح.
وقد قاس الفادى الجاهلُ كلمةَ اللهِ على كلمةِ الإِنسان، فقال: " ولقد سُمّيَ المسيحُ كلمةَ الله، لأَنَّ كلمةَ الإِنسانِ هي منه، ومن مقوماتِ شخصيتِه، فهي صورةُ عَقْلِه وفِكْرِه، والمترجمةُ له، والمنفذةُ لسلطانِه وقوَّتِه..
فالمسيحُ هو ذاتُ كلمةِ الله، وهذا يُثبتُ لاهوتَه،

لأَنَّ كلمةَ الله من اللهِ وفي اللهِ منذ الأَزل.
وهل يُمكنُ أَنْ يكونَ قد مَرَّ وَقْتٌ على الله كان فيه بلا كلمة؟ ".
كلمةُ اللهِ في نظرِ الفادي وأَهْلِ ملته أَزَلِيَّةٌ ملازمةٌ لله، وهي اللهُ نفسُه:
" وكانَ الكلمةُ الله " كما وردَ في إِنجيلِ يوحَنّا، وبما أَنَّ عيسى كلمةُ الله فهو أَزليّ مثلُ الله، وليسَ مخلوقاً مثلُ المخلوقاتِ التي خَلَقَها الله..
وبما أَنَّ المسيحَ هو كلمةُ الله، وبما أَنَّ الكلمةَ هي الله، فإِنَّ المسيحَ هو الله!! وهذا ما يؤمنُ به الفادي وقومُه! وهذا هو كفر النصارى الذي أَدانهم اللهُ به، في قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) .
2 - المسيح روح من الله:
أَخبرَ اللهُ أَنَّ المسيحَ عيسى ابنَ مريمَ - عليه السلام - روحٌ من الله.
قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) .
وَوَقَفَ الفادي المفترِي الخبيثُ أَمامَ الآية، واستدلَّ بها على عقيدتِه
الباطلة! قال: " لم تكتفِ الآية ُ بنْعتِ المسيحِ بالرسالة، بل شهدَتْ أَنه كلمةُ الله.
ولكي لا نتوهَّمَ خلافَ المقصودِ باللفظِ " كلمةُ الله "، أَتْبَعَها بما يُزيلُ الشّكّ، وهو " وروحٌ منه "، لنفهمَ أَنَّ المسيحَ ليس مجردَ رسولٍ عادي، بل ابنٌ مرسَلٌ من أَبيه إِلى عالمِ الدُّنيا، كأَشعةِ الشمسِ المنبعثةِ إِلى الأَرضِ من الشمس!!
وما الفرقُ بين القول: إِنَّ المسيحَ نورٌ من نورِ إلهٍ حَقٍّ من إِله حق، والقول:
روحُ الله، أَو: روحٌ من الله؟
أَليسَ أَنَّه من ذاتِ اللهِ ومن جَوْهَرِه؟ ".
يُؤَكِّدُ الفادي على فكرتِه الباطلةِ وعقيدتِه المخالفةِ للحق، التي تقومُ على
أَنَّ المسيحَ جزءٌ ماديّ من ذاتِ اللهِ المادية!!.
إِنه يرى أَنَّ المسيحَ ليس مجردَ رسولٍ عاديٍّ! ومعنى هذا أَنه ليسَ رسولاً
بَشَراً، كباقي الرسلِ البشر!.

وهذا كلامٌ مرفوضٌ مردود؟
فعيسى - عليه السلام - رسول عاديّ كباقي الرسل، كلُّ
ما في الأَمْرِ أَنَّ اللهَ الحكيمَ خَلَقَه بدونِ أَب، وأَنطَقَه وهو في المهد، وهو في
هذا يَختلفُ عن باقي الرسل، وفي ما سوى ذلك هو رسول عاديٌّ كباقي
الرسل..
وشَبَّهَ القرآنُ خَلْقَ عيسى بخْلقِ آدم - عليه السلام -، ليُزيلَ استغرابَ النصارى من خَلْقِه بدون أَب.
قال تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) .
ونَظرةُ الفادي إِلى المسيحِ - عليه السلام - نظرة باطلة، إِنّه يرى أَنه " ابنٌ مرسَل من أَبيه إِلى عالمِ الدنيا ".
أَي أَنه ابْنُ الله، واللهُ أَبوه هو الذي أَرْسَلَه إِلى الدنيا!!
وهذا هو الكفرُ والشركُ بالله! وقد نفى القرآنُ أَنْ يكونَ لله وَلَدٌ.
قال تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ) .
وقال تعالى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) .
صلةُ عيسى باللهِ عندَ الفادي كصِلَةِ أَشعةِ الشمسِ بالشمسِ! وانظرْ ما
أَسْخَفَ هذا التشبيه، وما أَجهلَ مَنْ ذَكَرَه! أَينَ الشمسُ وأَشعتُها من اللهِ ورسولِه عيسى - عليه السلام -؟
الشمسُ كوكبٌ مخلوق مرئيٌّ في السماء، إِننا نرى الشمسَ
المخلوقةَ بعيونِنا، ونرى أَشعَّتَها المنبعثةَ منها.
وفردقٌ بين الشمسِ المخلوقة، وبينَ اللهِ الذي خلَقَها، إِن اللهَ لا يُمكنُ أَنْ يُرى بالعينِ المجردةِ في الدنيا، كما تُرى الشمسُ! وفَرْقٌ بينَ عيسى الذي خَلَقَه الله، وبينَ أَشعةِ الشمسِ المتولدِة عنها والمنبعثةِ منها! لأَنَّ هذه الأَشعةَ منفصلة عن الشمس انفصالاً ماديّاً مُشاهداً، فهل انفصلَ عيسى عن اللهِ انفصال الجزءِ الصغيرِ من الكُل الكبير؟.
إِنّ الفادي الكافرَ يرى أَنَّ عيسى انفصلَ عن اللهِ انفصال الجزءِ عن
الكُلِّ! لأَنَّه جُزْءٌ ماديٌّ صَغيرٌ من ذاتِ اللهِ الكبيرة! قال: " أَليسَ أَنه من ذاتِ اللهِ ومن جوهرِه " فهو يؤمنُ أَنَّ للهِ ذاتاً مادية، وجَوْهَراً وجوديّاً، يُمكنُ أَنْ يُحصَرَ وُيجَسَّمَ ويُحَدَّدَ، ويُمكنُ أَنْ يَنفصلَ عنه جزءٌ صغير، فيه روحٌ وحياة، اسْمُه المسيح.

وهذا كُفْرٌ بالله، وتجسيم وتَحديدٌ له، وتَجزئةٌ وتَقسيم له، وفَصلُ جُزْءٍ
منْه عَنْه!.
ولقد كانت الآيةُ دقيقةً في الإخبارِ عن المسيحِ - عليه السلام -: (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) .
وتكلَّمْنا عن معنى كون عيسى - عليه السلام - كلمةً في المسألةِ السابقة، ونُبَيّنَ هنا معنى قولِه تعالى: (وَرُوحٌ مِنْهُ) : فقد وَصَفَ اللهُ عيسى - عليه السلام - بأنه روحٌ من الله.
وفَرْق بعيد بين قولِه: روحٌ من الله، وقوله: روحُ الله.
لو قالَ: إِنه روحُ الله لكانَ المعنى أَنَّ لله روحاً مادية، كانَتْ فيه،
موجودةً داخِلَه، كما توجَد روحُ أَحَدِنا في كيانِه، ثم أَخرجَ اللهُ روحَه من
داخلِه وجَعَلَها عيسى، وهذا الكلامُ لا يَقولُه عاقل!.
عيسى - عليه السلام - "روحٌ من الله".
أَيْ خَلَقَ اللهُ روحَ عيسى - عليه السلام -، كما يَخلقُ روحَ أَيِّ إِنسانٍ آخَر، وهذا معناهُ أَنَّ هذه الروحَ غيرُ الله! وحَرْفُ الجَرِّ " مِنْ "
في الآيةِ للبيان، كما أَنه للابتداء.
أَي: الروحُ التي جعلَها اللهُ في عيسى - عليه السلام - هي روحٌ من عندِ الله.
حَرْفُ الجَرِّ " من " في قوله تعالى: (وَرُوحٌ منه) عند الفادي وأَهْلِ ملَّتِه
للتبعيض، أَيْ أَنها جزءٌ وبعفق انفصلَ عن الله ودَخَلَ مريم وصارَ عيسى! بينما هذا الحرفُ عند المسلمين للبيانِ والابتداء، كما وَضَّحْنا!.
3 - عيسى ابن من؟ :
عيسى هو ابنُ مريمَ - عليها السلام -، وذَكَرَ القرآنُ ذلك أَكثر من مَرَّة، وقد شاءَ اللهُ أَنْ يَخْلُقَه بدونِ أَب..
ولكنَّ الفادي الكافرَ يَقولُ: إِنَّه ابنُ الله.
قال: " انفردَ المسيحُ عن سائرِ البشرِ بولادتِه من عذراء! فلماذا تَميَّزَ عن سائرِ الأَنبياءِ بدخولِه عالَمَنا بهذه الطريقةِ المعجزيَّة؟.،.
إِنه كلمةُ الله وروحُ الله، حَلَّ في أَحشاءِ العذارء، وتَجسَّدَ وظهرَ بينَ الناسِ، آيةً ورحمةً للعالَمين ... فهو ابْن مَنْ أُمُّه؟
مريمُ..
ومَنْ أَبوه؟ الله.
(فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91) .

سَبَقَ أَنْ تكلَّمنا عن معنى كونِ عيسى كلمةَ اللهِ، وروحاًْ من اللهِ، والجديدُ
في كُفْرِ الفادي هنا أَنَّهُ نَصَّ على أَنَّ المسيحَ ابنُ الله: ْ " ومَنْ أَبوه؟
.. الله! ".
وأَرادَ بالبُنُوَّةِ البنوَّةَ الحقيقيةَ المادية، لأَنه قال: أُمّه مريمُ وأَبوهُ الله! وهذا
كُفْرٌ صريحٌ بالله، لادِّعاءِ أَنَّ له ابناً وولداً هو المسيح.
وقد كان القرآنُ صريحاً في رفْضِ كونِ عيسى ابناً لله، وكُفْرِ الذينَ جَعلوا
له وَلَداً، وإِنكارِ كونِ المسيحِ ابناً لله على وَجْهِ الخصوص.
قالَ تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) .
وقال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) .
ودَعا اللهُ النَّصارى إِلى التَّخَلّي عن فكرةِ التثليثِ وزَعْمِ كونِ ولدٍ لله.
قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) .
وبعدَ ما تحدَّثَتْ آياتُ سورةِ مريمَ عن قصةِ حَمْلِ مريمَ بعيسى وولادتِه
وكلامِه في المهد، عَقَّبَتْ على ذلك بنفي بُنُوَّتِه لله.
قال تعالى: (ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) .
4 - عيسى بدون دنب!
تحدَّثَ الفادي في المسألةِ الرابعةِ عن تميُّزِ المسيحِ عن باقي الرسلِ - عليه السلام -، وجَعَلَ عنوانَ الحديثِ: " قُدُّوسٌ بدونِ شَرٍّ ".
أَيْ أَنه لم يرتكبْ شَرّاً ولا ذَنْباً، في الوقتِ الذي ارتكبَ فيه الرسلُ الآخَرونَ الشرورَ والذُنوبَ والمعاصي والأَخْطاءَ! وبعدما أَوردَ آيةً قرآنية وحديثاً عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وكَلاماً لأَبي حامِد الغزالي

عن تميُّزِ عيسى عندَ ولادتِه بإِبعادِ الشيطانِ عنه، قال: " ونحنُ نسأَلُ:
ما سِرُّ هذه القداسةِ المطلقة والكمالِ الفائق؟
ولماذا لا يَذكرُ القرآنُ للمسيح خَطَأً كما ذَكَرَ لغيرِه من الأَنبياء؟
ولماذا لا توجَدُ في القرآنِ إِشارةٌ إِلى أَنَّ المسيحَ تابَ إِلى الله، ولا أَنَّ اللهَ تابَ عليه، ولا قَدَّمَ استغفاراً، ولا أَنَّ اللهَ غَفَرَ له، كما جاءَ عن سائرِ الأَنبياءِ والرسلِ؟
أَليس لأَنَّ المسيحَ ذاتٌ قدسية، وهو كلمةُ اللهِ وروحُه؟ ".
أَمّا أَنَّ اللهَ أَعاذَ عيسى - عليه السلام - من الشيطان، فهذا صَحيحٌ، لأَنه ذُكِرَ في القرآنِ وفي الحديث.
قالَ اللهُ - عز وجل - عن دُعاءِ أُمِّ مريمَ عند ولادتِها: (وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) .
واستجابَ اللهُ دعاءَها، فحمى ابنتَها مريمَ عند ولادتِها من الشيطان.
روى البخاريُّ ومسلمٌ عن أَبي هريرةَ - رضي الله عنه - عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: " ما مِنْ مَوْلودٍ يولَدُ إِلّا والشيطانُ يَمَسُّه حينَ يولَد، فيستهلُّ صارِخاً من مَسِّ الشيطانِ إِيّاه، إِلّا مريم وابْنها ".
ثم قالَ أَبو هريرة: اقرؤوا إِنْ شِئْتُم قولَه تعالَى: (وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) .
وأَمّا أَنَّ عيسى - عليه السلام - لم يرتكبْ معصيةً ولا ذَنْباً، فهذا صحيحٌ أَيْضاً، لأَنه عبدُ اللهِ ونبيُّه ورسولُه، فاللهُ عصمهُ من الأَخطاءِ والذُّنوبِ والمعاصي، ولم يَجعلْ للشيطانِ سُلْطاناً عليه!.
وأَمّا أَنَ الرسُلَ الآخَرين وَقَعوا في الأَخطاءِ والذنوبِ والمعاصي، فهذا
خَطَأٌ وباطل، فكما عَصَمَ اللهُ رسولَه عيسى، كذلك عَصَمَ باقي الأَنبياءِ
والمرسلين، ونَزَّهَهم من الأَخطاءِ والذنوبِ والمعاصي، واصْطَفاهم لنفسِه،
وصَنَعَهم على عينِه، فلم يكنْ للشيطانِ سَبيلٌ ولا سلطانٌ عليهم.
وأَخْطَأَ الفادي في اتهامِه للمرسلين: " ولماذا لم يَذْكُر القرآنُ للمسيحِ
خَطَأً كما ذَكَرَ لغيرِه من الأَنبياء؟ ".

والراجحُ أَنَّ القرآنَ لم يَذْكُرْ للأَنبياءِ أَخطاءً أَو ذُنوباً، إِنَّما ذَكَرَ بَعْضَ المآخذِ
التي أُخِذَتْ عليهم، وعاتَبَهم اللهُ عليها..
وهم لم يُخْطِئوا في تلك المواقف، ولم يُذْنِبوا في تلك الأَفْعال، وما صَدَرَ عنهم صواب، ولكنَّ اللهَ أَرشَدَهم إِلى ما هو أَوْلى، لأَنَّ اللهَ يُحِبُّ لهم الأَوْلى والأَفضلَ والأَصْوَبَ والأَكمل.
إِنَّ عيسى - عليه السلام - معصومٌ كَباقي الأَنبياء، وليسَ للشيطانِ سُلطانٌ عليه كباقي الأَنبياء، ولذلك لم يَعْصِ ولم يُخْطِئ ولم يُذنب، كباقي الأَنبياء.
5 - حول معجزات عيسى - عليه السلام -:
من مظاهِرِ كُفْرِ الفادي بالله، وجَعْلِه المسيحَ عيسى - عليه السلام - ابْناً لله، حديثُه عن معجزاتِه، التي تَمَيَّزَ بها عن باقي الأنبياء.
قال: " يَشهدُ القرآنُ للمسيحِ بقدرتِه المطلقةِ على إِتيانِ المعجزاتِ بصورةٍ ليس لها مثيلٌ بين سائرِ الأَنبياء " [ص 90] .
وهذا كَذِبٌ من المفترِي على عيسى - عليه السلام -، لأَنَّهُ نَسَبَ له القدرةَ المطلقةَ على إِتيانِ المعجزات، وهذا مَعناهُ أَنَّه هو الذي يَأتي بالمعجزاتِ ويَخْتارُها ويَصْنَعُها! وهذا خطأ كبير!!.
معجزاتُ الأَنبياءِ ليستْ من اختيارِهم، وإِنما هي من اللهِ وَحْدَه.
وقد كانَ القرآنُ صريحاً في تأكيدِ هذه الحقيقة، وجاءَ هذا في آياتٍ عديدة.
منها قولُه تعالى: (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) .
وقالَ تعالى: (وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) .
وليس هذا خاصّاً بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بل هو عامّ، يَشملُ جَميعَ الأَنبياءِ والمرسلين، ومنهم المسيحُ - عليه السلام -.
قالَ تعالى: (وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) .

ولما طَلَبَ الأَقوامُ السابقونَ من رسلِهم آياتٍ ومُعْجزاتٍ أَخبرهم رسلُهم
أَنَّ الآياتِ والمعجزاتِ بيدِ الله.
قال تعالى: (قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10) قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) .
فإِذا كان الرسُل جَميعاً يَعترفونَ أَنهم لا يُمكنُ أنْ يأتوا بالمعجزاتِ من
أَنفسِهم، لأَنَّ اللهَ وَحْدَه هو الذي يَأتيهم بها فكيفَ يَقولُ الفادي المفترِي بأَنه
كان للمسيحِ قدرةٌ مطلقةٌ على الإِتيانِ بالمعجزاتِ بصورةٍ ليس لها مَثيلٌ بين
سائرِ ألأَنبياء؟!
إِنَّ هذا افتراءٌ على القرآن، وكَذِبٌ على المسيحِ - عليه السلام -.
ولما تكلمَ الفادي على معجزاتِ المسيحِ - عليه السلام - في القرآن قَدَّمَ مجموعةً من الافتراءات، ونَسَبَها إِلى القرآن:
أ - زَعَمَ المفترِي أَنَّ القرآنَ نَسَبَ لعيسى - عليه السلام - العلمَ بالغَيْب، وذلك ليَخرجَ بنتيجتِه من أَنَّ المسيحَ إِله، لأَنَّ عِلْمَ الغيبِ خاصٌّ بالله، وبما أَنَّ عيسى يَعلمُ الغيبَ فهو إِله!! قال: " نَسَبَ القرآنُ له العلمَ بالغَيب، وذلك في قولِه: (وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) .
مع أَنَّ عِلْمَ الغيبِ خاصٌّ باللهِ وَحْدَه: (فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) ..
علْمُ الغيبِ خاصٌّ باللهِ وَحْدَه، ولا يَعلمُ أَيُّ مخلوقٍ شيئاً من الغيبِ، إِلّا
ما عَلَّمَهُ اللهُ إِياهء قال تعالى: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) ،
وقالَ تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) .
فعيسى - عليه السلام - لم يَعْلَمْ شيئاً من الغيبِ إِلّا ما عَلَّمَهُ اللهُ إِياه.
وكانَ من

معجزاتِه لبني إِسرائيلَ أَنه كانَ ينبئُهم ويُخبرُهم بما أَكَلوهُ من طعام، وما
ادَّخَروه في بيوتِهم من الطعام، وجَعَلَ ذلك دَليلاً على نبوَّتِه.
وهو لم يَعْلَمْ ذلك بنفسِه، لأَنه لا يَعلمُ الغيب، وإِنما أَعلمه اللهُ بذلك، وهو بدورِه أَنبأَهم به.
فاللهُ هو الذي عَلِمَ الغيب، واللهُ هو الذي أَعْلَمَه بالغيب!!.
وآتى اللهُ يوسفَ - عليه السلام - وهو في السجنِ مع الفتَيَيْن نفسَ المعجزة، وذَكَرَها القرآنُ في قوله تعالى: (قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) .
كان يوسفُ يخبرُ السجينَيْن اللذَيْن معه بنوعِ الطعام الذي سيَأتيهِما في السجنِ قبلَ تقديمِه لهما.
وهذا علمٌ بالغيب، لكنَّه لم يعلَمْه بنفسِه، إِنما أَعلمَه به الله، ولذلك صَرَّحَ بقوله: (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) .
ب - زعمَ المفترِي أَنَّ القرآنَ نَسَبَ لعيسى - عليه السلام - القدرةَ على الخلق، والخلقُ خاصٌّ بالله، وبما أَنَّ عيسى يَخلقُ خَلْقاً سويّاً فهو إِله، لأَنَّه لا خالقَ إِلّا الله.
قال: " ونسبَ القرآنُ للمسيحِ القدرةَ على الخلقِ.
قال: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ) ".
ومعلومٌ أَنَّ الخلْقَ خاصٌّ باللهِ وَحْدَه: (أَفَمَن يحلُقُ كمَن لَّا يَخْلُق) .
وزَعْمُ المفترِي مردودٌ عليه، وعيسى - عليه السلام - لم يَخْلُقْ شيئاً خَلْقاً حقيقياً ماديّاً، يوجِدُ فيه المخلوقَ الحيَّ من العَدَم، لأَنَّ هذا الخلْقَ خاصّ باللهِ وَحْدَه، ولا يُمكنُ أَنْ يَفعلَه عيسى - عليه السلام - ولا غيرُه، وقد جعلَه اللهُ دليلاً على وحدانيتِه.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ) .
وقد نَسَبَ القرآنُ الخلْقَ إِلى عيسى - عليه السلام -، لكنْ أَيُّ خَلْقٍ؟
وبإِذْنِ مَنْ كان يَتِمُّ الخلق؟
كان عيسى - عليه السلام - يَخلقُ الطيرَ من الطين، لكنْ بإِذن الله، وليس
بقدرتِه الذاتية.
قال تعالى: (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ) .

ما الذي كان يفعلُه عيسى - عليه السلام -؟
كان يَأخُذُ المادَّةَ الأَوليةَ التي خَلَقَها الله، يأخذُ حفنةً من الترابِ الذي خَلَقَه الله، ويأخُذُ إِناءً من الماءِ الذي خَلَقَه الله، ويَجبلُ الترابَ بالماءِ حتى يَصيرَ طيناً، ثم يأخذُ ذلك الطينَ، ويَشَكِّلُه على هيئةِ الطائر، ويُصَوّرُه على صورتِه، ويَجعُله تمثالَ طائِر، ثم ينفخُ فيه، ويطلبُ من اللهِ أَنْ يَبُثَّ فيه الروح، فيَجعلُ اللهُ فيه الروح، ويكونُ طيراً حيّاً.
فعيسى لم يَخْلُقْ في الطائرِ روحاً، ولم يَجعلْه حيّاً، إِنما اللهُ الذي فَعَلَ ذلك.
وبمعنى آيةِ سورةِ آلِ عمران السابقة قولُه تعالى: (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي) .
وقد نَصَّت الآيَتانِ من سورةِ آلِ عمران وسورةِ المائدة على أَنَّ وَضْعَ الروحِ في الطيرِ كان بإِذْنِ الله، فاللهُ هو الخالقُ في الحقيقة، وليس عيسى - عليه السلام -، فهو كانَ مجردَ سببٍ مادّيّ، يُشَكِّلُ ويُصوِّرُ ويَنفخ، والمسبِّبُ والمريدُ هو الله سبحانه.
ج - زَعَمَ الفادي أَنَّ القرآنَ نَسَبَ لعيسى - عليه السلام - القدرةَ على إِحياءِ الموتى! وإِحياءُ الموتى خاصّ بالله، وبما أَنَّ عيسى - عليه السلام - فَعَلَ ذلك فهو إِله، لأَنه نجحَ في فعْلِ شيءٍ خاص بالله!..
قالَ: " وَنَسَبَ القرآنُ له القدرةَ على شفاءِ المرضى وإِحياءِ الموتى.
قال: (وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ) .
وإِحياءُ الموتى خاصّ بالله: (وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) ".
وكما قُلْنا في خَلْقِه من الطينِ كهيئةِ الطيرِ نَقولُ في إِحيائِه الموتى، فاللهُ
هو الذي آتاهُ معجزةَ إِحياءِ الموتى..
أَيْ كانَ عيسى - عليه السلام - يَقِفُ أَمامَ الميت، ويَدْعو اللهَ أَنْ يُحييَه، ويَستجيبُ اللهُ له.
فالذي أَحيا الميتَ في الحقيقةِ هو الله، ولم يَكُنْ عيسى - عليه السلام - إِلّا سَبَباً.
وهذا ما أَكَّدَهُ القرآن، في قولِه عن هذه المعجزة.
قال تعالى: (وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ) .
وقال تعالى: (وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي) .
قالَ اللهَ لعيسى - عليه السلام -: إِنكَ ستُخرجُ الموتى بإِذْني.
فأَخْبَرَ عيسى - عليه السلام - بَني إسرائيلَ بذلك، وقال لَهم: أَنا سأُحيي الموتى بإِذْنِ الله.

6 - رفع عيسى - عليه السلام - إلى السماء:
وَقَفَ الفادي المفترِي أَمامَ حديثِ القرآنِ عن رفْعِ عيسى - عليه السلام - إِلى السماء، وأَساءَ فَهْمَهُ، واستدل به على عقيدتِه الباطلةِ في أُلوهيةِ المسيح! قال:
" يَشهدُ القرآنُ أَنَّ المسيحَ رُفِعَ من الأَرضِ إِلى الله، وهو حَيٌّ خالدٌ في السماء، فجاءَ في سورةِ آل عمران (55) : (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) .
وقد سَبَقَ أَنْ ناقَشْنا كلامَ الفادي حولىَ معنى الآية، وذَكَرْنا مَعْناها
الصحيح.
وقد أَلْقى اللهُ على عيسى - عليه السلام - النومَ، ورَفَعَهُ إِليه وهو نائم، والتَّوَفّي هنا تَوَفّي نَوْم وليس تَوَفّيَ مَوْت، وعيسى - عليه السلام - حَيٌّ الآنَ في السماء.
وهو ليس خالِداً في السماء، لأَنَّ اللهَ لم يَجعل الخلودَ لأَيّ مَخْلوقٍ من البَشَر، ولذلك أَخطأَ الفادي في قولِه: " وهو خالدٌ في السماء ".
كُلُّ المخلوقين سَيَموتون، حتى رسولُ اللهِ محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - سيموت، والوحيدُ المخلَّدُ الذي لن يَموتَ - في نظرِ الفادي - هو عيسى - عليه السلام -، وهذا دليل عندَه على أُلوهيتهِ!! قال: " وقيلَ عن محمدٍ: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) .
فلماذا انتصَرَ المسيحُ على المَوْت، وقد ماتَ الناسُ في كل جيل، وهو حَيّ خالد، وله الخُلْدُ، وله الرفعةُ والمجد؟ ".
صحيحٌ أَنَّ عيسى - عليه السلام - حَيّ الآنَ في السماء، بروحِه وجسمِه، ولكنَّه ليس مُخَلَّداً، ولنْ ينتصرَ على الموت، كما ادَّعى الفادي، وسيُنزلُه اللهُ إِلى الأَرض في آخرِ الزمان، وسَيموتُ مَوْتاً طبيعيّاً كما ماتَ البَشَر، ثم يُبْعَثُ معهم يومَ القيامة.
ونَصَّ القرآنُ على أَنَّ عيسى - عليه السلام - سَيَموت.
قال تعالى: (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) .
وقال تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159) .

7 - المسيحُ وجيهٌ في الدنيا والآخرة:
ذَكَرَ القرآنُ أَنَّ عيسى - عليه السلام - وجيهٌ في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) .
واستَخرجَ الفادي المفترِي من الآيةِ ما يتفقُ مع هواهُ من تَأليهِ
عيسى - عليه السلام -.
قال: " قال في تفسير الجلالين: " (وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) :
ذا جاه في الدُّنيا بسببِ النبوة، وفي الآخرةِ بسببِ الشفاعةِ والدَّرَجاتِ العُلا".
فلماذا يَخُصُّ القرآنُ المسيحَ بالوجاهةِ في الدنيا والآخرة؟ ".
لم يَخُصّ القرآنُ المسيحَ بالوجاهةِ في الدنيا والآخرةِ، كما ادَّعى
المفتري، وإِنَّما أَخبرَ أَنه وجيهٌ في الدنيا والآخِرة، والإِخبارُ بوجاهتِه لا يَعْني
اخْتِصاصَه بها.
فقد أَخبرَنا اللهُ أَنَّ موسى - عليه السلام - وجيهٌ عندَ الله.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) .
والشفاعةُ في الآخرةِ مَقامٌ محمود، خَصَّ اللهُ به أَشرفَ الخلقِ
محمداً - صلى الله عليه وسلم -.
قالَ اللهُ عنه: (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) .
ويوضِّحُ المرادَ بالمقامِ المحمودِ في الآخرة بأَنه الشفاعةُ، ما رواهُ -
البخاريّ عن أَنسِ بن مالك - رضي الله عنه - عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنه قالَ في حديثِ الشفاعةِ الطويل: " ...
يَجتمعُ المؤمنونَ يومَ القيامة، فيقولون: لو استشفَعْنا إِلى رَبِّنا، فيأتون آدمَ فيقولون: أَنتَ أَبو الناس..
فاشْفَعْ لنا عنْدَ رَبِّك، حتى يُريحَنا من مكانِنا هذا، فيقول: لستُ هُناكم ...
" إِلى أَنْ " يَأتوا عيسى - عليه السلام -، فيقولون: يا عيسى: أَنتَ عبدُ اللهِ ورسولُه، وكلمتُه أَلْقاها إِلى مريمَ وروحٌ منه، اشفعْ لنا عندَ رَبّك، فيقول: لستُ هُناكم، ولكن ائْتُوا مُحَمداً، عَبْدَاً غفرَ اللهُ له

ما تقدَّمَ من ذنبِه وما تَأَخَّر ...
فيَأتوني فأَنطلقُ، حتى أَستأذنَ على رَبّي، فَيُؤْذَنَ لي، فإِذا رأيتُ رَبّي وَقَعْتُ ساجداً، فيَدَعُني ما شاءَ اللهُ، ثم يُقال: ارْفَعْ رأْسَكَ، وسَلْ تُعْطَهْ، وقُلْ يُسْمَعْ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ ".
لم يَخُصّ اللهُ عيسى - عليه السلام - بالشفاعةِ كما ادَّعى المفْتري، إِنما خَصّ بها عبدَه ورسولَه محمداً - صلى الله عليه وسلم.
وارتكبَ الفادي المحَرّفُ جَريمةً نكراء، عندما حَرَّفَ معنى آيةٍ تتحدَّثُ
عن اللهِ رَبِّ العالمين، وجَعَلَها تتحدثُ عن المسيح - عليه السلام -..
قال: " جاءَ في سورةِ السجدةِ: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) .
تَذْكُرُ الآيةُ أَنَّ اللهَ هو الذي خَلَقَ السمواتِ والأَرضَ في ستةِ أَيام، وأَنه استوى على العرش، وتُبَيِّنُ أَنه لا يوجَدُ للناسِ وَلِيٌّ ولا شَفيع من دون الله ".
وقد ادّعى المفترِي أَنَّ الآيةَ خَصَّتْ عيسى - عليه السلام - بالشفاعةِ.
قال: " فلماذا لم يُعْطِ اللهُ سُلْطاناً لأَحَدٍ من البَشَرِ بالشفاعةِ إِلّا المسيح؟
أَليس لأَنه ابْنُ اللهِ المتجسِّدُ، والوسيطُ الوحيدُ بينَ اللهِ والناس؟ ".
آيةُ سورةِ السجدةِ لا تتحدَّثُ عن المسيحِ، وإِنما تتحدَّثُ عن الله، والهاءُ
في (مِنْ دُونِهِ) لا تعودُ على المسيح، وإِنما تعودُ على الله.
والمعنى: ليس للناسِ وليٌّ ولا شفيع من دونِ الله.
وذَكَرَ الفادي المفترِي الكافِرُ باللهِ عبارةً كافرةً فاجرة، جعلَ فيها المسيحَ
ابْناً لله: " أَليس لأَنهُ ابْنُ الله المتجسِّدُ ".
ويؤمنُ المؤمنونَ أَن اللهَ ليسَ له ابْن ولا صاحبة.
حتّى الجنُّ يؤمنون بذلك، وقد أَخْبَرَنا اللهُ عن إِيمانِهم بقولِه
تعالى: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) .
وكَذَبَ الفادي المفترِي عندَما قال: " والمسيحُ هو الوسيطُ الوحيدُ بينَ اللهِ
والناس " ولقد رحمَ اللهُ النّاس، فلم يجعلْ أَيَّ شَخصٍ وَسيطاً بينَهم وبينَه، لا عيسى ولا محمداً ولا مَلَكاً..
وأَذِنَ اللهُ لأَيّ إِنسانٍ أَنْ يتصلَ به مباشرة، عن طريقِ ذِكْرِهِ وشُكْرِه وعبادتِه ومناجاتِه.

8 - هل المسيح هو المخلِّص وحده؟ :
ساءَ الفادي المفترِي فَهْمَ اسمِ عيسى الذي ذَكَرَهُ القرآنُ خَمساً وعشرين
مرة، حيثُ جعلَه بمعنى " يَسوع "، ومَعنى عيسى ويَسوع عنده هو: " المخُلِّص ".
أَمّا معنى المسيحِ عنده فهو: " المعَيَّنُ مَلِكاً ونَبياً وكاهِناً ".
وقد ذُكِرَ المسيحُ في القرآنِ ثماني مرات: ومعنى " الإِنجيل " هو: " الخبرُ المفرح ".
وقد ذُكِرَ في القرآنِ اثنتي عشرةَ مرة.
وخرجَ الفادي من هذا بنتيجةٍ خاطئة، اعتبرَ فيها المسيحَ يَسوعَ عيسى - عليه السلام -
هو وَحْدَه المخلِّصَ للجنسِ البشري!!.
وهذا خَطَأٌ مردود، فليسَ المخلِّصُ والمنقذُ هو عيسى - عليه السلام - وحْدَه، فكُلُّ نبيٍّ ورسول هو مُخَلِّصٌ أَيضاً، يُخَلِّصُ الناسَ من الخَطَر، ويُنقذُهم من الأَذى، ويُخرجُهم من ظلماتِ الكفرِ إِلى نورِ الهُدى والإِيمان.
قال اللهُ لنبيّه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -: (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) .
وآخِرُ ما قالَه الفادي المفترِي عن تَمَيُّزِ وتَفَرُّدِ عيسى - عليه السلام - عن سائرِ الأَنبياء، مما يدل على أُلوهيتِه وعدمِ بشريتِه؟
قولُه: " إِنَّ الذي ذَكَرَهُ القرآنُ عن المسيح، يَفوقُ ما ذَكَرَهُ عن سائرِ البشر، بمن فيهم محمدٌ..
أَلا يُشيرُ هذا إِلى تَفَرُّدِ المسيحِ عن سائرِ البشرِ؟
وهذا ما يقولُه الإِنجيلُ عن لاهوتِ المسيح ".
إِنَّ الذي ذَكَرَه القرآنُ عن عيسى - عليه السلام - لا يَفوقُ ما ذَكَرَهُ عن سائرِ البشر، كما ادَّعى الفادي المفترِي، فهناك رُسُلٌ تحدثَ القرآنُ عنهم أَكثرَ مما تَحَدَّثَ عن عيسى - عليه السلام -، مثلُ نوحٍ وإبراهيمَ وموسى ومحمدٍ عليهم الصلاة والسلام.
ويُمكنُ الخروجُ بهذه النتيجةِ عندَ المقارنةِ بين ما ذَكَرَهُ القرآنُ عنهم وعن عيسى عليهم الصلاة والسلام، ولا نَنْسى أَنَّ هؤلاء الرسلَ الخمسةَ هم أُولو العزمِ من الرسل، وهم أَفضلُ الرسلِ عند الله - عز وجل -، وأَفْضَلُهم وأَشرفُهم هو نبيُّنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم.

أَمّا عن تَفَرُّدِ المسيحِ - عليه السلام - عن سائرِ البشرِ فإِنه خاصٌّ بولادتِه، التي اختلَفَ فيها عن ولادةِ سائرِ البشر، ونُطْقِهِ وهو بالمهد، ورَفْعِه بعدَ ذلك إِلى السماءِ بروحِه وجسمه، وإِبقائِه هناك حَيّاً، وهو الآنَ ينتظرُ إِنزالَه إِلى الأَرْضِ قُبيلَ قيامِ الساعة، وهو فيما سوى ذلك مِثْلُ باقي الأَنبياءِ والمرسلين.
إِنسانٌ له جسمٌ وروح، وهو عبدُ اللهِ ورسولُه، يَعْتَريه ما يَعْتَري الآخَرينَ من صحةٍ ومَرَضٍ، وحُزْنٍ وفَرَحٍ، ونَوْمٍ ويَقَظَة، وطعامٍ وشراب.
قالَ تعالى: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ) .

Powered by Vivvo CMS v4.7