هل تذهب الحسناتُ السيئاتِ؟
هل تذهب الحسناتُ السيئاتِ؟
أَخْبَرَنا اللهُ أَنَّ الحسناتِ يُذْهِبْنَ السيئات، فقالَ تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) .
وقد اعترضَ الفادي المفترِي على هذهِ الآية، وعلى استشهادِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - بها.
قال: " روى الترمذيُّ عن أَبي البُسْرِ قال: أَتَتْني امرأةٌ تَبْتاعُ تَمْراً، فقلتُ:
إِنَّ في البيتِ تَمْراً هو أَطْيَبُ منه، فدخلَتْ معي البيتَ، فأَهْوَيْتُ عليها،
فقبَّلتُها ...
ثم ذَهَبَ إِلى محمد - صلى الله عليه وسلم - وأَخْبَرَه بما كان، فأَطْرَقَ محمدٌ طويلاً، ثم قالَ: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) .
فقالَ: يا رسولَ الله! أَهي لي خاصَّة أَمْ للنّاسِ عامة؟
قال: بل للنّاسِ عامة ".
والذي صَحَّ في نُزولِ الآيةِ ما رواهُ البخاريُّ عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلاً أَصابَ من امرأةٍ قُبْلَة، فأَتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ له ذلك، فأَنزلَ اللهُ الآيةَ: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) .
تَدُلُّ الحادثةُ على أَنَّ أَحَدَ المسلمين زَلَّتْ قَدَمُه، وارتكبَ ذَنْباً، حيثُ
قَبَّلَ امرأةً قُبْلَةً مُحَرَّمَة، ثم استيقظَ ضَميرُه، وشَعَرَ بِذَنْبِهِ، واستغفَرَ اللهَ، وتابَ إِليه، وأَتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَسْلِماً، واضِعاً نَفْسَه بينَ يَدَيْه، ليَحْكُمَ فيه بأَمْرِه.
ولاحَظَ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - صِدْقَ الرجلِ في تَوبتِه، وإقلاعَهُ عن ذَنْبِه، وحِرْصَه على الإكثارِ من الحسنات، فأَخبره أَنَّ الحسناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئات!!.
وقد صَرَّحَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديثٍ آخَرَ أَنَّ الصلواتِ الخمس تُكَفِّرُ الذُّنوبَ، وشَبَّهَها برَجُلٍ يَغْتَسلُ في نَهْرٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ في اليوم.
روى البخاريُّ ومسلمٌ عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - أنه سَمِعَ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول: " أَرأَيْتُم لو أَنَّ نَهْراً ببابِ أَحَدِكم
يَغتسلُ فيه كُلَّ يومٍ خَمْسَ مَرّات، هل يَبقى من دَرَنه شَيءٌ؟ " قالوا: لا يَبْقى من دَرَنهِ شيء.
قال: " فذلك مَثَلُ الصلواتِ الخمسِ يمحو اللهُ بهنَّ الخَطايا ".
وروى مسلمٌ عن أَبي هريرةَ - رضي الله عنه - عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: " الصلواتُ الخمسُ، والجمعةُ إِلى الجمعةِ، كَفَّارَةٌ لما بينهنّ، ما لم تُغْشَ الكَبائِر ".
وقد رَفَضَ الفادي ما قَرَّرَتْه الآية، وما أَكَّدَهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وطَرَحَ حولَها أَسئلتَه التشكيكيةَ، فقالَ: " ونحنُ نَسألُ: كيفَ يَقترفُ الناسُ الشُّرور، ثمَّ يُكَفِّرونَ عنها بالصلواتِ الخمس؟
أَلا يُنافي هذا قداسة اللهِ وعَدْلَه؟
فإنه لا يُمكنُ التكفيرُ عن الخطيئةِ إِلّا بَسَفْكِ دَمٍ، كقولِ الإنجيلِ: " بدون سَفْكِ دَمٍ لا تَحْصُلُ
مَغْفِرَة " وكيفَ يَسْتَخِفّونَ بخطِيئةٍ هي أَشنَعُ وأَفظعُ شَيْءٍ أَماْمَ الله ".
لقد قَدَّمَ الفادي طريقاً شاقّاً للتوبةِ والتكفير، لا تَتَّفِقُ مع عقِيدَتِه
النصرانية، إِنَّه لا توبةَ ولا تَكْفيرَ إِلّا بسَفْكِ دَم، وبدونِ سَفْكِ دَمٍ لا تَحصُل
مغفِرة!! فما مَعْنى هذا؟
هل يَجِبُ على المذنبِ أنْ يَقتلَ نَفْسَه ليغفرَ اللهُ له؟
أَلا يؤمنُ النَّصارى أَنَّ المسيحَ هو الفادي؟
وأَنَّ اللهَ شاءَ أَنْ يُصْلَبَ ابْنُه ليكونَ فِداءً للبَشَرِ جَميعاً حتى قِيامِ السّاعة؟
وأَنه لا داعِيَ لأَنْ يَستغفرَ المذْنبون، فقد فَداهُم الفادي بنفسِه..
فكيفَ يَقولُ المفْتَري الآنَ: إِنه لا مَغفرةَ إِلّا بسَفْكِ دَمٍ؟!.
أَمّا ادّعاؤُه أَنَّ الآيةَ وحديثَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تُجَرِّئُ المسلمينَ على ارتكاب الذنوب، وتَدْعوهم إِلى الاسْتِخفافِ بالمعاصي، فهذا افتراءٌ باطل، لأَنَّ الآياتِ القِرآنيةَ وأَحاديثَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تَدْعو إِلى تَقْوى الله ومراقبتِه وتعظيم مقامِه، وعَدَمِ معصيتِه، فإذا أَخْطَأَ المسلمُ بدونِ قَصْدِ، وَوَقَعَ في ذنْبٍ بدون تَعَمُّد، ثم استغفرَ اللهَ وأَكثر مَن مظَاهر عبادتِه وطاعتِه فإنّ اللهَ يغفرُ له.
لهذا المسلم التائبِ، المنيبِ لرَبّه، المقْلعِ عن ذَنْبِه، الذي عَملَ
الحسناتِ بعدَ السيئات، تُوَجَّهُ الآيةُ، تَرغيباً له في الاستمرارِ على طريقِه
الإِيجابيِّ بعدَ التوبة: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) ، كما تُوَجَّهُ له أَحاديثُ
رسولِ الله - عليه السلام - المرغبةُ في فِعْلِ الحسناتِ بعدَ السيئات.