هل بلاد العرب للمسيح - عليه السلام -؟
هل بلاد العرب للمسيح - عليه السلام -؟
ذَكَرَ الفادي الآيةَ التي تُخْبِرُ أَنَّ نصارى مَخْصوصينَ هم أَقربُ الناسِ
مَوَدة للمؤمنين.
قال تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) .
ولا ننسى أَنَّ هذه الآيةَ لا تَتحدثُ عن كُلِّ النَّصارى، وإنما عن نصارى
مخصوصين، هم القِسّيسون والرُّهبانُ الذينَ كانوا مع النَّجاشيِّ مَلِك الحبشة،
والذين تَأَثَّروا بالقرآنِ عندما سمِعوه، وفاضَتْ أَعْيُنُهم من الدَّمْع، وأَعْلَنوا
إِيمانَهم بالقرآنِ وبالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا ما صَرَّحَتْ به الآياتُ التي بَعْدَ تلك الآية:
(وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) .
ولا تَتَحَدَّثُ الآياتُ عن النَّصارى الأَعداءِ المقاتلين الصليبيّين، الذين
جَهّزوا الجيوشَ وغَزَوا بلادَ المسلمين، وسَفَكوا دِماءَهم! كما أَنها لا تتحدَّثُ
عن النَّصارى الذين حارَبوا القرآن، وشَكَّكوا فيه، وخَطَّؤُوه، وَذمّوه وانتهكوه، من أَمْثالِ هذا الفادي المُعادي!.
وقد جَعَلَ الفادي عنوانَ سُؤالِه الواحِدِ بَعْدَ المئة: " بلادُ العَرَبِ
للمسيح "! وهو عنوانٌ خطيرٌ مُثير، سَجَّلَ فيه الفادي اَمالَه في أَنْ تكونَ بِلادُ
العَرَبِ للنَّصارى، بأَنْ يَتَنَصَّرَ أَهْلُها!.
وقالَ المفترِي في كلامِه: " انتشرت المسيحيةُ في بلادِ العَرَب، ودَخَلَتْ
قبائِلُها فيها، حِمْيَرُ وغَسَّانُ ورَبيعُ ونَجرانُ والحيرة، وكان بعضُ العربِ
حاضِرين عيدَ الخمسين في أُورشليم، فحملوا أَخبارَ المسيحيةِ لبلادِهم ...
فلماذا اضطهدَ المسلمون المسيحيّين، فَقَتَلوا بعضَهم، وأَجبروا بعضَهم على
الإِسلام، ونَفَوا الباقين؟ ".
وكلامُ الفادي غيرُ صَحيح، فلم تَنْتَشر النصرانيةُ في بلادِ العَرَب، ومعظمُ
القبائلِ العربيةِ لم تَتَنَصرْ، وبَقِيَتْ على وثنيتِها، والذين تَنَصروا بعضُ القبائلِ
العربية على أَطْرافِ بلادِ العَرَب، مثلُ نجران في منطقةِ تهامة والغساسنةِ في
شمالِ الجزيرة على حدودِ الشام والرومان، والمناذرةِ على حُدودِ فارس.
ولما جاءَ الإِسلامُ، وجاهَدَ المسلمونَ الكافِرين، وفَتَحوا بلادَ الشامِ
والعراق، طَرَدوا الرومانَ من مِصْرَ والشام، وجَعَلوها بلاداً إِسْلامية، وأَخْضعوا سُكّانَها لسلطان المسلمين، ولم يَضطهدوا النَّصارى فيها، ولم يُجْبِروهم على الدخولِ في الإسلام، لأَنه لا إِكْراهَ في الدين.
ومَكَّنوا النَّصارى من حريةِ الاختيارِ بدونِ إِكْراه، فدخَلَ معظمُهم في الإِسلام، والذين بَقوا على النصرانيةِ لم يَتَدَخَّلْ بهم المسلمون!.
ثم ما دَخْلُ هذا الكلامِ عن النَّصارى في بلادِ العرب بأَخطاءِ القرآن؟
والفادي خَصَّصَ كِتابَه لاكتشافِ وتَسجيلِ أَخطاءِ القرآن!!.
***
هل أكلت الشاة القرآن؟
ذَكَرَ الفادي المفترِي آيةَ سورةِ الحِجْرِ التي تَكَفَّلَ اللهُ فيها بحفْظِ القرآن،
وهي قولُه تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) .
وذَكَرَ خرافةً تَتَنَاقَضُ مع الآية، تَقومُ على أَكْلِ شاةٍ للوَرَقِ المكتوبِ عليه
القرآن!
قال: " روى ابنُ ماجه: قالَتْ عائشة: إِنَّ آيةَ الرَّجْمِ والرَّضاعةِ
نَزَلَتا ... وكانَ القرطاسُ المكتوبتانِ فيه تَحْتَ فِراشي.
وماتَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حينئذٍ، وفيما أَنَا مشغولةٌ بموتِه دَخَلَتْ بَهيمةٌ وأَكَلَت القرطاس "!.
وهذه خُرافةٌ مكذوبةٌ موضوعةٌ باطلة، لم تَرِدْ في حديثٍ صَحيح، وَرَدَّها
علماءُ الحديث.
ولا يَعْتَمِدُها إِلّا صاحبُ هوى مثلُ الفادي المفتري!!
وَهَب الحادثةَ حَصَلَتْ، وأَنَّ الشاةَ أَكَلَت الورقَ المكتوبَ عليه بعضُ آياتِ القرآن، الموجودِ في بيتِ عائشة، فهل معنى هذا أَنه ضاعَ بعضُ آياتِ وسورِ القرآن؟
التي أَكَلَتْها الشاة لم تَكُنْ هي النسخةَ الوحيدةَ المدوَّنَةَ من القرآن، بل كانَتْ
هناك عشراتُ النُّسَخِ في بيوتِ الصحابة، يمكنُ أَخْذُ الآياتِ المأكولةِ من أَيِّ
نسخةٍ منها! إِلّا إِذا هاجَمَت الغنمُ البيوتَ كُلَّها في وقتٍ واحد، وبَلَعَت النُّسَخَ كُلَّها في لحظةٍ واحدة!!.
وكم كانَ الفادي بَذيئاً فاقِدَ الذوقِ والأَدَبِ والحياءِ في تَعليقِه السَّمِجِ
على تلكَ الأُكذوبة، حيثُ قال: " فإِذا كان القرآنُ أَقوالَ الله، فلماذا لم
يَحْفَظْهُ اللهُ من الضَّياعِ في جوفِ بَهيمة؟ ".