حول فرض صيام رمضان
حول فرض صيام رمضان
أَعادَ الفادي المفتري اعْتِراضَه على صيامِ رمضان، ونفى عنه صفةَ
الوَحْي، وزَعَمَ أَنَّ محمداً - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَه عن الصابئين.
ذَكَرَ خمسَ آياتٍ من سورةِ البقرة تتحدَّثُ عن بعضِ أَحكامِ الصيامٍ، ثم
نَقَلَ كلاماً من تفسير البيضاويّ، ذَكَرَ فيه أَنَّ صومَ رمضان كان واجباَ على
النَّصارى، وأنهم نَقَلوا الصومَ إلى الربيعِ ليكونَ أَسهلَ عليهم، وزادوا عليه
عشرينَ يوماً، فصارَ صِيامُهم خمسينَ يوماً!! ثم نَقَلَ كَلاماً للمؤَرّخِ أَبي الفِداء،
ذَكَرَ فيهِ أَنَّ الصابئينَ كانوا يَصومونَ ثلاثين يوماً، وكانَ صيامُهم من الفجرِ إِلى المغرب! " وقالَ أَبو الفداءِ في تاريخه: وللصّابئين عبادات، منها سَبْعُ
صَلَوات، ويَصومون ثَلاثينَ يوماً، وإِنْ نَقَصَ الشهرُ الهلاليُّ صاموا تسعاً
وعشرين يوماً، وكانوا يُراعون في صومِهم الفِطْرَ والهِلال، بحيثُ يكونُ الفطرُ وقد دَخَلت الشمسُ الحَمَل، ويَصومون من ربعِ الليلِ الأَخيرِ إِلى غروبِ قرصِ الشمس ".
ومعنى كلام أَبي الفِداء أَنَّ الصابئين كانوا يَصومونَ كصيامِ المسلمين،
فكانَ صيامُهم ثلاثين يوماً أَو تسعةً وعشرين يوماً، وكانَ صيامُهم من الفجر
إلى المغرب! وبما أَنَّ الصابئين كانوا قبلَ المسلمين، فإِنَّ المسلمينَ أَخَذُوا
أَحْكَامَ صيامِهم عن أولئك الصابئين!!.
وهذه هي النتيجةُ التي خَرَجَ بها الفادي المفتري!
قال: " ونحنُ نَسْأَل: إِنْ كانَ صيامُ رمضانَ ليس شرعاً جَديداً، ولا هو من الدينِ السماويِّ في شيء، بل هو مأخوذٌ من الصابئين في بلادِ العَرَب، فكيفَ يَقول: إنَّ مَصدَرَه وحيٌ سماوي؟
ولا يوجَدُ دليلٌ واحدٌ على صحةِ القول: إنَّ رمضانَ كُتِبَ أولاً على النَّصارى ".
لم يَثبتْ عندنا بحديثٍ صحيح أَنَّ صومَ رمضانَ كتِبَ على
النصارى، وما ذَكَرَهُ البيضاوِيُّ ليس عليه دَليل معتَمد، ولذلك نتوقَفُ فيه
ولا نَقولُ به.
وقد ذَكَرَ القرآنُ أَنَّ اللهَ كَتَبَ علينا الصيام كما كَتَبه على الذين من قبلِنا.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) .
وهذه إشارةٌ قرآنية مجملَة، لم يَرِدْ حِديثٌ
صَحيحٌ بتفصيلها، فنُبْقيها على إجمالِها، ولا نخوضُ في بيانِها، لعدمِ وجودِ
دليلٍ نعتمدُ عليه.
فكلُّ ما نقولُه: أَوجَبَ اللهُ علينا الصيام، كما أَوجبه على
الذينَ من قبلِنا، فكانَ المسلمون السابقونَ يَصومون، أَمّا كيفَ كانوا يَصومون؟
وكم كانوا يَصومون؟
ومِنْ أَيِّ شهرٍ كانوا يصومونِ؟
فعِلْمُ ذلك عندَ الله.
أَما ما ذَكَرَه أَبو الفداء في تاريخه عن صومِ الصابئين فإنه لا دَليلَ عليه
عندنا، حيث لم يَرِدْ فيه نقلٌ صحيحٌ عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أو الصحابة، ولذلك نتوقف فيه ولا نعتمدهُ، ولا نَعرفُ كيف كان يَصومُ الصابئون!.
بعد هذا البيانِ ننظرُ في ما قالَه الفادي الجاهل: " ونحنُ نسأَل: إِنْ كانَ
صيامُ رمضانَ ليس شَرْعاً جَديداً، ولا هو من الدينِ الإِسلاميِّ في شيء، بل
هو مأخوذٌ من الصابئين في بلادِ العرب، فكيفَ يقول: إِنَ مصدرَه وحيٌ
سماوِي؟ ".
إِنَّ هذا قولٌ متهافتٌ سخيفٌ، مبنيٌّ على كلامٍ غيرِ صَحيح ولا مَقبول،
والمهمّ عند الفادي إِدانةُ القرآن، واتِّهامُه بالخَطأ، ونفيُ كونهِ من عندِ الله،
والزعمُ بأَنَّه من البشر، ولذلك يَعتمدُ أيَّ كَلامٍ يُحققُ له هذا الهدفَ الخبيث، حتى لو كانَ ذلك الكلامُ باطلاً مردوداً ...
وما بالُكَ في مَنْ يزعمُ أَنه باحِث، وهو يَعتمدُ على كلامٍ غير صحيح؟!.
إِنَّ صومَ شهرِ رمضان شرعٌ إسلاميٌّ جَديد، خاصٌّ بالمسلمين، واللهُ هو
الذي كَتَبَه عليهم وأَمَرَهم به، كما وردَ في الآياتِ الصريحة، وخَصَّهم بأحكامِه التشريعية..
ولا يَنفي هذه الحقيقة القاطعة تشبيهُ صيامِنا بصيامِ مَنْ قبلنا: (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ، فوجْهُ الشَّبَهِ هو في وُجوبِ الصِيام، وهو الامتِناعُ عن الطعامِ والشرابِ.
أما كيفيةُ الصيامِ وأحكامُه وعَدَدُ أيامِه، فلكلِّ أُمَّةٍ تَشْرِيعُهَا الربانيُّ الخاصُّ بها، كما قالَ اللهُ تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) .