حول حرمة الأشهر الحرم
حول حرمة الأشهر الحرم
أَوردَ الفادي عدةَ آياتٍ تتحدَّثُ عن القتالِ في الأَشهرِ الحُرُم، والأَشهرُ
الأَربعةُ التي وادَعَ عليها رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المشركين المعاهَدين.
والآياتُ التي ذَكَرَها سبعُ آياتٍ من سورة التوبة (1 - 5) و (36) و (37) ، وآية من سورة البقرة (194) ، وآيتان من سورة المائدة و (97) .
وبعد ذلك أَثارَ أَسئلتَه الاعتراضيةَ التشكيكية، قال: " ونحنُ نسأل: لماذا
يُحَرِّمُ القرآنُ القتالَ في الأَربعةِ أَشهرٍ الحُرُم فقط، ويُحَلِّلُهُ في بقيةِ شُهورِ السَّنة؟
أَليسَ الأَجدرُ أَنْ يُحَرمَ القتالَ دائماً ليحيا الناسُ في سَلام؟
ولماذا يُخالفُ القرآنُ ما اصطلحَ عليه العربُ من منعِ القتالِ في الأَشهرِ الحُرُم، بعد اعترافِه أَنّ ذلك من شعائِرِ الله؟
ويُلَطِّخُ الأَشهرَ الحُرُمَ بِسفْكِ الدِّماءِ، مما جَعَلَ العربَ يُعَيِّرونَه بالغَدْر والخيانة؟
وما بالُ القرآن بعد هذا يُدافعُ عن الأَشهر الحُرُم،
فيخلط بين السَّنَةِ القمريةِ والسَّنَةِ الشمسيَّة، ويَزعمُ أَنَّ الاعتراف بالسَّنَةِ الشمسيةِ كُفْرٌ؟
وإذا كانَت الأَشهرُ الحُرُمُ من شعائرِ الله، فلماذا بَطَلَ اعتبارُها في جميعِ
العالمِ الإسلاميِّ في الوقْتِ الحاضِر؟ ".
يَعترضُ الفادي على تَحريمِ القِتالِ في الأَشهرِ الحُرمِ فقط، ويَقترحُ تَعميمَ
تَحريمهِ على أَشهرِ السَّنَةِ كُلِّها، ليَعيشَ الناسُ في سَلام! في الوقتِ الذي
يُخَطِّطُ فيه الأعداءُ لقتالِ المسلمين، ولا يتوقَّفُ تَخطيطُهم أَو حَشْدُ جيوشِهم
في أَيِّ شهرٍ من شُهورِ السَّنَة! فما معنى ذلك؟
إِنها دعوةٌ خبيثة من هذا الفادي وأمثالِه، لِيَقْتُلَ روحَ الجهادِ في نفوسِ المسلمين، لكي لا يُواجِهوا الأعداءَ الحريصينَ على قِتالِهم!
وتَأَمَّلْ مَعَنا براءةَ دعوةِ الفادي: الأَعداءُ لا يتوقَّفون عن ضَرْبِنا ومواجهتِنا، ويَجبُ على قرآنِنا أَنْ يُحَرِّمَ علينا قتالَهم!!.
ثم يَعترضُ الفادي على القرآنِ في حديثِه عن الأَشهرِ الحُرُم، ويتهِمُه
بالتناقُض! فبعدما اعترفَ القرآنُ أَنَّ الأَشهرَ الحُرُمَ من شعائرِ اللهِ التي يَحرمُ
القِتالُ فيها، ونهى المسلمينَ عن استحلالِ القتالِ فيها، وذلك في قوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ) .
عادَ وأَباحَ للمسلمين القتالَ في الشهرِ الحَرام، وذلك في قوله تعالى: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ) .
مع أَنَّ الأَمْرَ ليس كما - فهمَه ذلك الجاهل، وإِنَّنا نوقنُ أَنه لا تَعارُضَ بين
- آياتِ القرآن.
فالقراَنُ حَرَّمَ على المسلمين بدءَ القتالِ في الأَشهرِ الحُرُم؛ لأَنها من شعائر الله التي لا يَجوزُ استحلالُ القِتال فيها، حتى العربُ في الجاهليةِ
احترموها ولم يَتَقاتَلوا فيها، ولذلك كان المسلمونَ أَكْثرَ احْتِراماً لها.
لكنَّ القرآنَ أَجازَ للمسلمينَ الرَّدَّ على قِتالِ الأَعداءِ لهم فيها، ولا يُلامُ
المسلمونَ على رَدِّ العُدوانِ في الأَشهرِ الحُرُم، إِنما يُلامُ الأَعداءُ المعتَدون،
الذين انتهكوا حرمةَ تلك الأَشهر الحُرُم، وليس من المعقولِ أَن يُهاجِمَ
الأَعداءُ المسلمين، وأَن يسكتَ عليهم المسلمونَ بحجةِ حرمةِ القِتالِ في
الأَشهُرِ الحُرُم! وعلى هذا قولُه تعالى: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) .
وبهذا الجمع بين الآيات التي تُحَرِّمُ بَدْءَ القتالِ في الأَشهر الحُرُم، والآياتِ التي تُبيحُ رَدَّ الاعتداءِ في الأَشهرِ الحُرُم نُدركُ حكمةَ التشريعِ الإسلاميِّ الجهادي.
والأَمْرُ في هذه المسألةِ مثلُ حُكْمِ القتالِ عند المسجدِ الحرام، فاللهُ حَرَّمَ على المسلمين البدءَ بقتالِ الكافرين عندَ المسجدِ الحرام، لكنه أَجازَ لهم الرَّدَّ على قتالِهم.
قال تعالى: (وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) .
ولكنَّ الفادي الجاهلَ مطموسُ البصيرة، محجوبُ القلب، لا يُوَفَّقُ لهذه
المعاني لكفرِه وضَلالِه، ولذلك يُسارعُ بتخطئةِ المرآنِ واتهامِه بالتناقُض!!.
ولم يفهم الغبيُّ حديثَ القرآنِ عن شهورِ السنة، وما فيها من أَشهرٍ
حُرُم، وما كانَ يَفْعَلُهُ الجاهليّون من نَسيءٍ فيها.
قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ) .
المعتَمَدُ في الإِسلامِ هو الحسابُ القمري، والسَّنَةُ القمريةُ اثْنا عَشَرَ
شَهراً، منها أَربعةُ أَشهرٍ حرم وهي: ذو القعدةِ، وذو الحجةِ، ومحرمٌ،
ورجب.
ودَعا اللهُ المسلمين إِلى عدمِ ظُلْم أَنفسِهم بارتكابِ المعاصي، ومنها
انتهاكُ حرمةِ الأَشهرِ الحُرُم، ببدءِ قِتالِ الأًعداءِ فيها، فَإنْ قاتَلَهم الأَعداءُ فيها جازَ لهم قِتالُهم والرَّدُّ على عدوانِهم، كما تُصرحُ آياتُ سورةِ البقرة وسورةِ التوبة: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ) و (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) .
تَذُمُّ الآياتُ بعدَ ذلك المشركينَ في الجاهلية، لما كانوا يُمارسونَه من
نَسيء، وذلك بنقلِ حُرْمةِ شهرٍ حَرامٍ إلى شهرٍ آخر، إِذا احتاجوا لقِتالِ الآخَرين فيه، وقد زادَهم هذا النَّسيءُ والتلاعبُ كُفْراً وضلالاً.
هذا ما تقرره الآيتانِ (36 - 37) من سورةِ التوبة، وكم كان الفادي
الجاهلُ غبياً عندما استخرجَ منهما قولَه: " ما بالُ القرآنِ بعد هذا يُدافعُ عن
الأَشهرِ الحُرُم، فيخلطُ بين السَّنَةِ القمريةِ والسَّنَة الشمسية، وَيزعمُ أَنَّ الاعترافَ بالسَّنَةِ الشمسيةِ كُفْر؟ ".
لا أدري كيفَ خَلَطَ القرآنُ في الآيتَيْن السابقتَيْن بين السنةِ القمريةِ والسنةِ
الشمسية! إِنَّ كلامَه هو عن السَّنَةِ القمرية، ولم يَتكلمْ عن السَّنَةِ الشمسيةِ كلمةً واحدة!
ولا أَدري من أَينَ أخذ الغبيُّ أَنَّ القرآنَ اعتبرَ الاعترافَ بالسَّنةِ الشمسيةِ
كفراً، مع أَنه لم يَذْكُرْها أَصْلاً.
إِنه من السهلِ توزيعُ الاتهاماتِ جزافاً، وقد يُخْدَعُ بها بعضُ الناسِ
أَحياناً، لكن ماذا يكونُ موقفُ المفْتَري عندما تتلاشى اتهاماتُه، ويعرفُ
المراقبونَ والمتابعون تَفاهتها؟!.