حول أخذ الجزية من أهل الكتاب
حول أخذ الجزية من أهل الكتاب
اعترضَ الفادي المفترِي على قولِ الله - عز وجل -: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) .
لأَنَّ الآيةَ تأمرُ المؤمنين بقتالِ الكفارِ من اليهودِ والنصارى من أهلِ الكتاب، وتُبَيِّنُ المبرراتِ التي تَدْعو إِلى قِتالِهم، ولا يتوقفُ قِتالُهم إِلّا بخضوعِهم للمسلمين، ودفعِهم الجزيةَ وهم صاغرون.
ونَقَلَ من تفسيرِ البيضاوي تفسيرَ الآية وبيانَ مَعْناها، ومعنى الجزية،
ومَن الذين تُؤْخَذُ منهم، وكَيفيةَ أَخَذِها منهم، واختلافَ المذاهبِ في ذلك.
وقالَ بعدَ ذلك: " ونحنُ نسأَل: كيفَ يُبيحُ قَوْمٌ لِأَنْفُسِهم أَنْ يُقاتِلوا الناس
باسمِ الدين، ويُخَيِّروهُم بينَ الإِسلام أَو الموت أَو الجزية؟ " .
أَيْ أَنَّ الفادي المفترِي لا يُجيزُ قِتال الآخرين، ولا أَخْذَ الجزيةِ منهم؛ لأَنَّ هذا ظلْم لهم واعتداءٌ عليهم.
إنّ قِتالَ الكفارِ من أَهلِ الكتابِ وأَخْذَ الجزيةِ منهم، ليس اجتهاداً من
المسلمين، حَتّى نقولَ: إِنْ هذا اجتهاد خاطِئ، وفَعْلٌ باطل، ولكنَّ هذا أَمْرٌ
صريحٌ من اللهِ سبحانه وتعالى، أَنزلَه في كتابِه الكريم، والمسلمونَ مكُلَّفونَ
بتنفيذِه..
تحليل النهب
إن الله حلل الغنائم، وهذا أمر بقتل الناس ونهب أموالهم.
الرد على الشبهة:
إن تحليل الغنائم فى التوراة. ففى سفر التثنية: " وغنيمة المدن التى أخذنا.. الجميع دفعه الرب إلهنا أمامنا " [تث 2: 35 - 36] ، وفى سفر التكوين فى صفات بنيامين: " فى الصباح يأكل غنيمة، وعند المساء يقسم نهباً " [تك 49: 27] أى محارب.
ومن أوصاف محمد رسول الله فى التوراة أنه يقسم غنائم. ففى نبوءة العبد المتألم: " ومع العظماء يقسم غنيمة " [إش 53: 12] ولكن النصارى يفسرونها على المسيح مع أنه لم يحارب أحداً. وفى المزمور الثامن والستين عن محمد صلى الله عليه وسلم: " الملازمة البيت تقسم الغنائم " [مز 68: 12] . اهـ (شبهات المشككين) .
وبما أَنَّه أَمْرٌ من اللهِ فهو صواب، لا خَطَأَ فيه، ولا اعتراضَ عليه؛ لأَنَّ اليقينَ عند كُلّ مسلمٍ وجوبُ الالتزامِ بأَحكامِ الله، وتنفيذِ أَوامِرِه.
لماذَا أَمَرَ اللهُ بقتالِ أَهل الكتابِ من اليهودِ والنصارى؛ لأَنَّهم كُفّار أَوَّلاً:
(لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ) .
ثم لأَنهم يتآمَرونَ على المسلمين، ويَعْتَدُونَ عليهم، ويَطْمَعون فِي
بُلدانِهم، ولا يتوقَّفونَ عن قتالِهم، وإنْ ظَهَروا عليهم وغَلَبوهم ارْتَكَبوا ضِدَّهم الجرائمَ الفَظيعة: (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) .
ولماذا أَخْذُ الجزيةِ منهم؟.
إِنَّ دفْعَ هؤلاء الكافرين المعتدينَ الجزيةَ لليسلمين دليل على خُضوعِهم
لسلطانِ المسلمين، وتوقفِهم عن العدوانِ عليهم، وهذا معناهُ أَنْ يتكفَّلَ
المسلمونَ بحمايتِهم والدفاعِ عنهم، والمحافظةِ على دمائِهم وأموالِهم، وهم
يَدْفَعون مبلغاً من المال للمسلمين، مقابلَ هذه الحماية، وسُمّيَتْ جزيةً من
الجَزاء، وهو دَفْعُ شيءٍ جَزاءً لشيء، فهم يكسبونَ من المسلمين الحماية
والأَمان، ويَبْذُلونَ المال جزاءً ومكافأةً لذلك!.
***
حول إكراه الجواري على الزنى
اعترضَ الفادي المفترِي على قولِ الله - عز وجل -: (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) .
نَقَلَ الفادي عن تفسيرِ البيضاويّ سببَ نُزولِ هذه الآيةِ وتفسيرَها.
وخلاصَةُ ذلك أَنه كانَ لعبدِ الله بنِ أُبَيّ ستّ جَوارٍ من الإماء، وكان
يُكْرِهُهُن على الزنى، ويُطالبهنَّ بِدْفعِ ضريبةٍ ماليةٍ له مقابل ذلك، فشكا بعضُهنَ الأَمْرَ إِلى رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم..
فأَنزل اللهُ الآيةَ لِذَمِّ ابنِ أَبَيّ ومَنْعِه من فعْلِهِ.
والمعنى: لا يجوزُ إِكراهُ الجواري على الزِّنى أَصْلاً، ولا يَجوزُ إِرسالُهنَّ
إِلى الزنى أَصلاً، حتى لو لم تَكُنَّ مُكْرَهات، فالموافقةُ على زناهُنَّ حَرام،
وإِرسالُهنّ للزِّنى حَرام، وإِكراههنَّ على الزّنى حرام.
والشرطُ في قولِه: (إن أردنَ تحصناً) ليس قَيْداً للنَّهي، لأَنَّ النهيَ عن زناهُنَّ عامّ، سواءٌ أَرَدْنَ تَحَصناً أَمْ لا، لكنَّ هذا الشرط لبيانِ الواقع، لأَنَّ الآيةَ نَزَلَتْ في إماءٍ تَعفَّفْنَ وأَردْن التحصُّن..
فإِذا كُنَّ هؤلاء الإماءُ يُردْنَ التحصُّنَ والتعففَ وهنَّ إِماء، فكيفَ
بغيرِهن من الحرائر، اللَّواتي يَنْفُرْنَ من الزنَى أساساً؟!.
وقد اعترضَ الفادي على الآيةِ وصياغَتِها.
قال: " ونحنُ نسأل: أليس الأَولى أَنْ يَأمُرَ الفتياتِ أَنْ يُشهِرْنَ الطاعةَ لله، والعصيانَ على البشر، فلا يَقْبَلْنَ ارتكابَ المنكر؟
وكان الأَوْلَى بدَل أَنْ يقول: (فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أنْ يقول: إن الله شديد العقاب، إلا على من تاب ".
واقتراحُ الفادي دَليلٌ على جهْلِه وغَبائِه، فهو يَرى أَنَّه كانَ الأَوْلى بالآيةِ
أَنْ تَأَمُرَ أُولئك الفتياتِ الجواري بإِعلانِ الطاعةِ لله، ورفْضِ ارتكابِ المنْكَرِ.
ومَنْ قال: إِنَّهُنَ لم يفعَلْنَ ذلك؟!
لقد عَصَيْنَ سيدَهُن عبدَ الله بنَ أَبَيّ، ورفضنَ تنفيذَ طَلَبه، وشَكَوْنَهُ إِلى رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وفعَلْنَ ذلك من بابِ طاعَتِهنَ لله!
فلماذا يَقترحُ الغبيُّ على الآيةِ طَلَبَ شيءٍ منهنَّ فعلْنَه ونَفَّذْنَه؟!.
ويُنكرُ الجاهلُ على الآيةِ خَتْمَها بجملةِ: (فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ويقترحُ خَتْمَها بجملةِ: "فإن الله شديد العقاب إلا على من تاب".
يَتَعالَمُ الجاهلُ ويَتَفاصَحُ على القرآنِ العظيم المعْجِز، ويَرى عِبارتَهُ أَبْلغَ
وأَفصحَ من عبارةِ القرآن، فيرَى أَنَّ خَتْمَ آيةٍ تَنهى عن الحَرَامِ والمْنكَرِ بالترغيبِ بالمغفرةِ والرحمةِ غَيْرُ مناسِب، وكانَ الأَوْلى أَنْ تُخْتمَ الآية ُ بالتهديدِ بالعِقاب!.
إِنَّ الأَنْسَبَ هو خَتْمُ الآيةِ بالترغيبِ بالمغفرةِ والرحمة، وهذا التَّرغيبُ
ليسَ للذي يُكْرِهُهُنَّ على البِغاء، إِنما هو ترغيِبٌ لهن، فقد يَزْنينَ مُكْرَهاتٍ
نافرات، فَتَدْعوهُنَّ الآيةُ إِلى التوبةِ والاستغفار، واللهُ غفورٌ رحيم، يَغفرُ لهنَّ
ويَرْحَمُهُن!.
أَمّا الذي يُكْرِهُهُنَّ فإنَّ الله سيحاسِبُه ويُعَذِّبُه.
والتقدير: ومَنْ يُكْرِهْهُنَّ فسوفَ يُحاسبه الله، أَمّا هُنَّ فإِنَّ اللهَ سيغفرُ لهنّ؟
لأَنَّه غَفورٌ رحيم.
***