المنسوخ والناسخ في حد الزنى
المنسوخ والناسخ في حد الزنى
اعترضَ الفادي على آيةٍ تتحدَّثُ عن عقوبةٍ منسوخةٍ للزنى، وهي
قولُ الله - عز وجل -: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) .
النساءُ اللواتي يرتكبنَ فاحشةَ الزِّنى، يَجبُ أَنْ يَشهدَ - عليهنَّ أَربعةُ شُهود، فإِنْ شهِدوا عوقِبنَ بالحبسِ في البيوت، حتى يَحينَ أَجَلُهُنَّ
وتَنتهي أَعمارُهن، أَو يأتيَ حكْمٌ جديدٌ من اللهِ يَنسخُ هذا الحكم: (حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) .
وهذا الحكمُ أَثارَ اعتراضَ الفادي المفترِي، فقال: " ونحنُ نسأَلُ: هَلْ
يُصْلِحُ الحبسُ المؤَبَّدُ في مثلِ هذه الحالةِ المذْنِبَ؟
كَيفَ يَحْبِسونَ فَتاةً في السادسةَ عشرةَ من عمرِها مَثَلاً، إِذا قُدِّرَ لها أَنْ تَعيش ثمانينَ سنة؟
الأَصلحُ أَنْ تُعطى الخاطئةُ فُرْصَةً للتوبةِ والحياةِ المقدسةِ الجديدة.
ويقولُ عُلماءُ المسلمين: إِنَّ هذه الآيةَ منسوخةٌ بِحَدِّ الجَلْدِ للزانيةِ غيرِ
المحصَنَة في سورةِ النور، وبحَدّ الرجمِ للزانيةِ المحصَنَة، ولو أَنَّ آيةَ الرجْمِ
نُسِخَتْ تِلاوة..
ويقولُ القرآنُ: إِنَّ حَدَّ الإِماءِ نصفُ حَدِّ الحرائر، ولكنَّنا لا نعلمُ ما هو نِصْفُ الرَّجْم "!.
يَرى الفادي أَنَّ حبسَ المرأةِ الزانيةِ في البيت لا يُصْلِحُها، والأَصْلَحُ لها
أَنْ تُعطى فرصةً جديدةً للتوبة، والتخلّي عن الفاحشة، ولا أَدري كيفَ تُعْطى لها هذه الفُرصة! ويتهكَّمُ على الحكم على الزانيةِ بالحبسِ حتى الموتِ بأَنه حُكمٌ بالسجنِ المؤَبَّدِ، وسيكون هذا عشراتِ السنين!.
وكلامُه يدل على جَهْلِه، فهو لا يَعلمُ بأَنَّ الحكْمَ بحبسِ الزانية إِنما هو
حُكُمٌ مُؤَقَّت، وسينسخُه اللهُ فيما بَعْد.
ولم يُطبَّقْ هذا الحُكْمُ على عهدِ
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم تُسَجِّل الرواياتُ الصحيحةُ حادثةً واحدةً حُكِمَ فيها على امرأةٍ زانيةٍ بالحبْسِ في البيتِ حتى الموت، ولم تَمُتْ زانيةٌ واحدو وهي محبوسةٌ في بيتها؛ لأَنه لم تَثْبُتْ حالةُ زنى واحدةٌ خلال هذه الفترة.
والدليلُ على أَنَّ الحكمَ بالحبسِ مُؤَقَّتٌ قول الله: (أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) أيّ: سيأتي اللهُ بحكْمٍ آخرَ، يَنسخُ هذا الحكْمَ.
وجاءَ الحكمُ الناسخُ في سورةِ النور، قال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) .
نَسَخَ اللهُ حكْمَ حَبْسِ الزانياتِ في البيوتِ بجِلْدِهِنَّ مئةَ جَلْدة، إِذا كُنَّ غيرَ
متُزَوِّجاتٍ وقد صَرَّحَ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بأَنَّ آيةَ سورةِ النورِ ناسخةٌ لآيةِ سورةِ النساء، والسبيلَ الذي وعَدَتْ به آيةُ سورةِ النساء هو ما ذكَرَتْهُ آيةُ سورةِ النور.
روى مسلمٌ عن عبادةَ بنِ الصامت - رضي الله عنه -، عن رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: " خُذُوا عَنّي، خُذُوا عَنّي، قد جَعَلَ اللهُ لهنَّ سبيلاً، البِكْرُ بالبِكْرِ جَلْدُ مئةٍ ونفيُ سَنَة، والثيبُ بالثيبِ جَلْدُ مئةٍ والرَّجْم".
وإذا كان حَدُّ الزاني البكرِ الجلدُ مئةَ جلدةٍ، قد ثَبَتَ في سورةِ النور، فإنَّ حَدَّ الزاني المتزوج الرجمَ حتى الموتِ، قد ثَبَتَ في حديثِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حيثُ رَجَمَ زُناةً متَزوِّجين!.
والراجحُ أَنَّ الرجْمَ لم يُذْكَرْ في القرآن، كما أَنَّ الراجحَ أَنه لا توجَدُ آيَةٌ
منسوخةُ التلاوةِ في القرآن، وأَنَّ النسخَ الذي في القرآنِ هو نسخُ الحكمِ مَعَ
بقاءِ التلاوة.
روى مسلمٌ عن عبد الله بنِ عباس - رضي الله عنهما - قال: قال عمرُ بنُ الخطابِ - رضي الله عنه - وهو جالسٌ على منبر رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ بَعَثَ محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالْحقّ، وأَنزل