حول تقاتل المسلمين
حول تقاتل المسلمين
امتَنَ اللهُ على المسلمينَ بأَنه أَلَّفَ بين قلوبهم، وجَعَلهم إِخْواناً مُتحابّين.
قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) .
ولكنَّ الفادي المفترِي اعترضَ على الآيةِ وكَذَّبَها، وذَكَرَ أَمثلةً ونماذجَ
لاختلافِ المسلمين وتقاتُلِهم وتَطاحُنِهم، وقالَ: إِنَّ الحروبَ التي وَقَعَتْ بين
المسلمين في صَدْرِ الإِسلامِ أَكثرُ وأعنفُ وأَشَدُّ من الحروبِ التي وقَعَتْ بين
العربِ الجاهليّين!.
قال: " يَرى المسلمونَ أَنه من فضائلِ الإِسلامِ الدالَّةِ على أَنه من عندِ الله،
أَنَّه أَلَّفَ بينَ قُلوبِ العرب، بعدَ أَنْ كانوا قبائلَ تَشُنُّ الحروبَ بعضُها على
ونحنُ نَرُدُّ: إِنَّ هذا القول باطل، فالحروبُ والغزواتُ كانت على أَشُدِّها
بين العربِ أَيامَ محمد.
ولما ماتَ قامَ أَبو بكر بحروبِ الرِّدَّة، وبعدَ موتِ عُمَرَ أَعملَ المسلمون السيفَ بعضُهم برقابِ بَعْض، فماتَ عمرُ وعثمانُ مقتولَيْن،
وحَدَثَتْ حَرْبُ الجَمَلِ بين عائشة وعلي، ثم بينَ معاويةَ وعلي وابنِه
الحسين ...
ثم كانت فتنةُ عبد الله بن الزُّبَيْر والحربُ بينه وبينَ الحَجّاجِ في
خلافةِ عبدِ الملك بن مروان ...
هكذا كان حالُ العربِ في صَدْرِ الإِسلام، يقتلُ بعضهم بعضاً، مُواجهةً وخِدعةً وغَدْراً، فأَين التآلفُ وإِصلاحُ ذاتَ البينِ الذي أَتى به الإسلام؟! ".
إِنَّ من المتفقِ عليه أَنَّ العداوةَ والبغضاءَ كانتْ شديدةً بين العربِ في
الجاهلية، وأَنَّ حياتَهم كانت تَقومُ على الغزوِ والقَتْل، والسلبِ والنهب،
والظلمِ والعدوان، وكانت تنشبُ بينهم الحروبُ الطويلةُ لأَتْفَهِ الأَسباب..
وجَمَعَهم اللهُ بعدَ ذلك لما أَسلموا على القرآن، وامتنَّ اللهُ على المسلمين
بذلك، ودعاهم إِلى الاعتصام به، وتَذَكُّرِ ما كانوا عليه من العَداوة، وما صَاروا إليه من الأُخُوَّةِ والمحبَّة، وشَتّانَ بين ماضيهم الجاهليِّ وحاضرِهم الإِيمانيّ!.
ونَعتَرفُ بأَنهُ حَصَلَ للمسلمين تَفَرُّقٌ واختلافٌ بعد وفاةِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وأَدّى هذا إِلى تَقاتُلٍ ونزاعٍ، ونَشَبَت المعاركُ بين المسلمين، في البصرةِ وصفّين، واستشهدَ كثيرٌ من خِيارِ المسلمين.
لكنَّ هذه الفترةَ كانت غاشيةً غشيت المسلمين، ثم تَلاشَتْ وزالَتْ، وحَلَّ
مَحَلَّها اتفاقُهم واجتماعُهم وتَلاقيهم.
ثم إِنَّ هذا الاختلافَ والتقاتُلَ لم يُؤَدِّ إِلى خروجهم عن الإِسلام، ومع أَنَّ الأَصْلَ أَنْ لا يكون، لكنَّ وُقوعَه أَمْر حتميّ بينَ مختلفِ الناس.
كما قال الله - عز وجل -: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) .
ولا يَزالُ القرآنُ عاملَ اجتماعِ وتعاونِ المسلمين، تَأتلفُ عليه
قلوبُهم، ويُخففُ آثارَ الاختلافِ الذي لا بُدَّ أَنْ يقعَ بين البَشَر!.