هل لتمثال العجل خوار؟
هل لتمثال العجل خوار؟
أَخبرَ اللهُ أَنه في غيبةِ موسى - عليه السلام - عن بَنِي إِسرائيل، فَتَنَهم وأَضَلَّهُم السامريُّ الكافر، فأَخَذَ حُليَّهُم وزينَتَهم، وصَنَعَ منها تمثالاً ذَهَبِيّاً، على شَكْلِ عجل، ودَعَاهُم إِلى عبادَتِه، على أَنه إلهُهُم، ومن بابِ فتنتِهم كان لهذا التمثالِ خُوَارٌ كخوارِ العِجْل.
قال تعالى: (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148) .
وقال تعالى: (قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ) .
وقد اعترضَ الفادي على كلام القرآن، واعتبرَه مُتَناقضاً مع حقائق
العلم، إِذْ كيفَ يُمكنُ للبشرِ أَنْ يَصْنَعُوا تِمثالاً ناطِقاً متكَلِّماً؟
قال: " ونَحْنُ نَسأل: من أَينَ استقى القرآنُ هذا الخَبر، الذي ليس له أَساسٌ تاريخي؟
وهل من المعقولِ أَنَّ العجلَ الذهبيَّ يَخورُ كالعجلِ الطبِيعيّ؟
وهل يتمنّى السامريُّ المزعومُ ذلك، ويَطلبُه هارونُ من الله، فيوافقُ اللهُ على تَحسينِ الصَّنَمِ فيخورُ، ليُغريَ الناسَ ليَعْبُدوهُ من دونِ الله؟
وهل صارَ السامريُّ وهارونُ واللهُ شركةً واحدةً في صُنعِ العجل؟! ".
يتساءَلُ الفادي بخُبْث: " من أَينَ اسْتَقى القرآنُ هذا الخبرَ؟
الذي ليس له أَساسٌ تاريخي؟ " إِنَّهُ بهذا التَّساؤُل يُريدُ أَنْ يُقَرِّرَ بشريةَ القرآن، فلأَنَّه من عند
البَشَر فلا بُدَّ أَنْ يكونَ لما يَقولُه مصدَرٌ يأخُذُه منه، فمن أَينَ أَخَذَ القرآنُ فِكرةَ العجْلِ البشري؟.
ونحنُ نوقنُ أَنَّ القرآنَ كلامُ الله، وكلّه صادق، لأَنَّه لا أَحَدَ أَصْدَقُ
حَديثاً وَقْولاً من الله، ولا يَجوزُ أَنْ نبحثَ عن مصدَرٍ بشري لما يذكُرُه القرآن، ويَكفي ذِكْرُ الخبر في القرآنِ دَليلاً على تَصديقه.
ويُكَذِّبُ الفادي المفترِي القرآنَ عندما يَزعمُ أَنَّ إِخبارَه عن عجلِ السامريِّ
ليس له أَساسٌ تاريخي، ونقول له: مرجعيَّتُنا هي القرآن، لأَنه كلامُ الله،
ويَجبُ أَنْ نؤمنَ بكلِّ ما وردَ فيه، وَمَنْ كَذَّبَ شيئاً مما ذُكِرَ فيه، فهو
مُكَذّبٌ لله، كافرٌ به.
وبعدَ ذلك نقول للفادي: لقد ذَكَرَ كِتَابُكَ المقَدَّسُ الذي تُؤمنُ به قصةَ
صنْعِ العجل، لكنَّ الحاخامات الذين أَلّفوا أَسفارَ العهد القديم كَذَبوا على الله وعلى هارونَ النبيِّ - عليه السلام -، حيثُ زَعَموا أَنه هو الذي صنَعَه، ودَعا قومَه إِلى عبادتِه!.
وَرَد في سِفْرِ الخُروجِ ما يلي: " ورأى الشعبُ أَنَّ موسى قد تَأَخَّرَ في
النزول من الجبل، فاجتمعَ الشعبُ على هارون، وقالوا له: قُمْ فاصنعْ لَنا آلهةً تسيرُ أَمامَنا، فإنَّ موسى ذلك الرجل الذي أَصْعَدَنا من أَرضِ مصر لا نَعلمُ ماذا أَصابَه!!.
فقال لهم هارون: انْزعوا حَلَقاتِ الذَّهَبِ التي في آذانِ نسائِكم وبَناتِكم
وبَنيكم، وأتوني بها ...
فَنَزَعَ كُلُّ الشَّعْبِ حَلَقاتِ الذَّهَبِ التي في آذانِهم، وأَتَوْا بها هارون ...
فأَخَذَها وصَبَّها قالباً، وصَنَعَها عِجْلاً مسبوكاً ...
فقالوا: هذه آلهتُكَ يا إِسرائيل، التي أَصعدَتْكَ من أَرضِ مصر، فلما رأى هارونُ ذلك بنى مَذْبحاً أَمامَ العجل، ونادى قائلاً: غداً عيدٌ للرّبّ! فَبكَّروا في الغَدِ، وأَصْعَدوا مُحَرَّقات، وقَرَّبوا ذبائح، وجَلَسَ الشعبُ يأكلُ ويشربُ، ثم قامَ يَلْعَب ...
ولما عادَ موسى - عليه السلام - إلى قومِه غَضْبانَ أَسِفاً، لامَ هارونَ لَوْماً شَديداً على ما فَعَلَه، وقال له: ماذا صَنَعَ بك هذا الشعبُ، حتى جَلَبْتَ عليهم خطيئةً عظِيمة.
فقالَ هارون: أَنتَ عارفٌ أَنه شعبٌ شِرّير، قالَ لي: اصنَعْ لنا آلهةً
تَسيرُ أَمامَنا، فإنَّ موسى ذلك الرجل الذي أَصعَدَنا من أَرضِ مِصْر، لا نَعْلمُ
ماذا أَصابه..
فقلْتُ لَهم: مَنْ له ذَهَبٌ فلينزَعْه..
فأْتوني به، فأَلقيتُه في النّار، فخرجَ هذا العجل ...
" [سفر الخروج: 32/ 1 - 6 و: 32/ 21 - 24] .
الفادي يقول: هل من المعقولِ أَنَّ العجلَ الذهبيَّ يَخورُ كالعجلِ
الطبيعي؟
ونقول: نَعَمْ من المعْقول، إِذْ ليس في هذا ما يَتناقضُ مع العَقْلِ،
لأَنه لم يحدُثْ بفعلِ السّامريّ، إِنما حَدَثَ بإرادةِ الله، والسّامريُّ لم يخلقْ
عجْلاً طبيعيّاً حقيقيَّاً، لأَنَّ الخالقَ هو الله، كلُّ ما فعلَه أَنه صَنَعَ من الذهبِ
والحِلِيّ عِجْلاً جَسَداً، وتمثالاً مُجَسداً، واللهُ هو الذي جَعَلَ لهذا العجلِ
التمثالِ خُواراً، وجَعَلَ له صَوْتاً كصوتِ العِجْل، مُبالغةً في ابتلاءِ وامتحانِ بني إِسْرائيل، ولقد رَسَبوا في الامتحان، وخَسِروا في الابتلاء، وكانوا كُلَّما سَمِعوا خُوارَ العجلِ التمثالِ ازْدادوا إِقْبالاً عليه وفَرَحاً به!
ومن المعلوم أَن الله يَبْتَلي عبادَه بالخيرِ والشَّرّ، كما قالَ تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) .
ثم ما هو الذي يتعارَضُ مع العقلِ في خُوارِ العجلِ الجَسَد؟
أَلا يُمكنُ تَقريبُ ما جرى من خلال تَذَكُّرِ آلاتِ العَزْفِ الموسيقية، حيثُ يُخرجُ العازفُ أَلْحاناً موسيقيةً من ضربه على بعضِ الآلاتِ الجامدة، أَو نَفْخِهِ في آلاتٍ أُخرى؟
فإذا كانَ الإِنسانُ يَستطيعُ إِخْراجَ أَلَحانٍ مختلفةٍ من الآلاتِ التي يَتعامَلُ معها،
أَيعجِزُ الله سبحانه عن إِخراجِ صوتِ خُوارِ العجلِ من تمثالِ عجلٍ مجسَّد؟!.
المشكِلةُ ليستْ في إِخْبارِ القرآنِ عن خُوارِ تِمثالِ العجل، إِنما المشكلةُ
في ما نَسَبَهُ الأَحبارُ الكُفارُ إِلى النبيِّ هارونَ - صلى الله عليه وسلم - من كفر! فهل يُعقلُ أَنْ يستجيبَ النبيُّ هارونُ - صلى الله عليه وسلم - إِلى طلباتِ قومِه الكافرة، ويَصنعَ لهم من حُلِيِّهم عِجْلاً، ويَقولُ لهم: إِنَّ هذا هو إِلهُكُم، فتَعالوا واعْبُدوه؟!.
وقد نَصَّ القرآنُ على أَنَّ هارونَ - صلى الله عليه وسلم - أَنكرَ عليهم عبادتَهم العجلَ، قال تعالى: (وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) .