كيف مُسخ اليهود قردة؟
كيف مُسخ اليهود قردة؟
ذَكَرَ القرآنُ قصةَ أَصحابِ القريةِ من اليهود، الذين اعْتَدَوْا في السَّبتَ،
وخالَفوا حُكْمَ اللهِ في تحريمِ صيدِ السَّمَكِ يومَ السَّبْتَ، ولم يَستَمِعوا لنُصْحِ
إِخْوانِهم، الملْتَزِمينَ بحكمِ الله، فأَوقعَ اللهُ بهم العِقاب، وأَنجى إِخوانَهم
الملْتَزِمين الناصحين!.
وكانَ عِقابُهم اَيةً من آياتِ الله، حيثُ مَسَخهم اللهُ قردةً خاسِئين " قال
تعالى: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) .
ونَقَلَ الفادي الجاهلُ من تفسيرِ البيضاويِّ كَلاماً في تفسيرِ مَسْخِهم قردَةً،
ثم عَلَّقَ على ذلك مُنْكِراً حُصولَه، لأَنه يتعارضُ مع العقلِ والعلمِ الحديثِ.
قال: " ونحنُ نسأل: هل من المعقولِ أَنْ نُقابِلَ إِنْساناً مُسِخَ قِرْداً أَو خِنزيراً؟
أَلا تُعَلِّمُنا الطبيعةُ أَنَّ كُلَّ شيءٍ يُبْذَرُ بِذْراً كجنْسِه؟
أَليسَ مَنْ يَقولُ: إِنَّ القمحَ صارَ شعيراً، وإِنَّ العِنَبَ صارَ تيناً، كمنْ يَقولُ: إِنَّ الإِنسانَ صارَ قِرداً أَو خِنزيراً؟ ".
وللرَّدِّ على استغرابِ الفادي وإِنكارِه نَقول: ذَهَبَ بعضُ المفَسِّرين إِلى أَنَّ
مَسْخَ اليهود قِرَدَة، لم يَكُنْ مسخاً حقيقيّاً، أَيْ لم يَتَحَوَّلوا من بَشَرٍ إِلى قُرود،
وِإنما مُسخَتْ أَرواحُهم وقُلوبُهم، بمعنى أَنهم تَخَلّوا عن فطرتِهم الإِنسانية،
ومشاعِرِهم واهتماماتِهم العالية، وصارُوا كالقُرودِ في الاكتفاءِ بالطعامِ
والشَراب.
وممن قالَ بهذا القولِ المفسّرُ التابعي مجاهدُ بنُ جَبْر.
ولَسْنا مع الإِمام مجاهدٍ في قولِه بالمسْخ المعنويّ، ونحنُ مع جمهورِ
المفسّرين في أَنَ المسخَ كانَ مَسْخاً حقيقيّاً، بحيثُ حَوَّلَهم اللهُ من بَشَر آدَميّين
إِلى قُرود، عقاباً لهم على عُدوانِهم في السبت.
والراجحُ أَنُ هؤلاء القُرودَ لم يُعَمِّروا طويلاً، وإِنما تُوُفُّوا بعدَ المسخِ مباشرة، فالقرودُ الموجودةُ هي حيواناتٌ حقيقية، وليستْ يَهوداً مُتحوِّلينَ إِلى قرود.
واعتراضُ الفادي على هذا المسخ دَليلُ جَهْلِه وغَبائِه، وتَساؤُلُه في غيرِ
مَحَلّه، والمثالُ الذي ذَكَرَهُ هنا لا يَنطبقُ على المَسخ، لأَنَّ القمحَ لا يَصيرُ
شَعيراً، والعنبَ لا يَصيرُ تيناً، في الوضع الطبيعي، لأَنَّ القمحَ قمحٌ، والشَّعيرَ شعيرٌ..
لكن لو أَرادَ اللهُ أَنْ يَجعَل القمح شعيراً فَعَل، فلا رادَّ لمشيئته.
والإِنسانُ لا يَصيرُ قِرْداً في الوضع الطبيعي، لأَنَّ الإِنسانَ إِنْسان، والقِردَ
قِرْد، واليهودُ سكانُ تلك القريةِ لم يَكونوا أَصلاً قُروداً، ولم يَصيروا قُروداً
برغبتِهم واختيارِهم وإِرادتِهم.
إِنَّ اللهَ هو الذي مَسَخَهم قُروداً، وحَوَّلَهم من بَشَرٍ إِلى قُرود، ومَنْ نَظَر
إِليهم رآهُم قُروداً، وكان هذا المسخُ والتحويلُ خارقةً من الخوارق، وآيةً من آياتِ الله، ولذلك لا يَدْعو الأَمْرُ إِلى الاستغرابِ والإنكار والاعتراض،
ومرجعيّتنا هي القرآنُ الكريم، وكلُّ ما وردَ فيه نؤمنُ به، ونصَدقُه، وبما أَنَّ اللهَ قالَ لأولئك القومِ: كُونوا قردةً خاسئين، فقد صاروا قردةً خاسئين، لأَنَّ اللهَ يَقول: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) .
***