أين شهود الإسراء والمعراج؟
أين شهود الإسراء والمعراج؟
وَقَفَ الفادي المفترِي أَمامَ قولِ اللهِ وَبَئ: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) .
ونَقَلَ من تفسيرِ البيضاويِّ خُلاصَةَ حادثةِ الإِسراءِ برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - من المسجدِ الحرامِ في مكةَ إِلى المسجدِ الأَقصى في بيت المقدس، ثم عروجِه إِلى السمواتِ العُلى، ثم عودَتِه إِلى مكة، واستغرابِ المشركين الحادثة، وتصديقِ المؤمنين بها.
وعَلَّقَ على ذلك بقولِه: " ونحنُ نسأل: مَنْ هم شُهودُ معجزةِ الإِسراءِ
المحمدية؟
إِنَّ من شروطِ المعجزةِ أَنْ تكونَ أَمامَ شُهود، وأَنْ تَكونَ ذاتَ
فائدة، وهذا ما لا يتوفَّرُ للإِسراءِ والمعراج، كما أَنَّ المسجدَ الأَقصى لم يكنْ
مَوْجوداً زمنَ محمد، بل بُنِيَ بعدَ موتِه بنحوِ مئةِ سنةِ، فكيفَ صَلّى فيه وَوَصَفَ أَبوابَه ونوافذَه؟! ".
يُكَذِّبُ المفترِي الحادثة، ويُنْكِرُ وُقوعَها، ويُخَطِّئُ القرآنَ في حديثهِ عنها،
- لأَنَّها تَتَعارَضُ مع العقلِ والعلمِ في زَعْمِه، إِذ كيفَ يَنتقلُ إِنسان قبلَ خمسةَ
عشرَ قَرْناً من مكةَ إِلى القُدس، بدونِ وسيلةِ نَقْل، ثم يَصعَدُ إِلى السماء، ثم
يَعودُ إِلى مكة، في جزءٍ من الليل؟.
ونقولُ له: نَعَمْ. الأَمْرُ مُستحيل! أَنْ يَنتقلَ شخص من مكةَ إِلى القدس،
ثم يَصعَدَ إِلى السماء السابعة، ثم يهبطَ من السماءِ السابعةِ إِلى القُدس، ثم
يعودَ إِلى مكة، بدونِ وسيلةِ نَقْل!! ولو زَعَمَ أَحَدٌ أنه فعلَ ذلك بنفسِه لحكَمْنا
عليه بالكذب!.
والرسولُ - صلى الله عليه وسلم - لم يَدَّعِ ذلك، والقرآنُ لم ينسبْ ذلك لرسولِ - صلى الله عليه وسلم -.
فإِذا كانَ الحَدَثُ قد تَمَّ بأَمْرِ الله، القادرِ على كُلِّ شيء، فليس فيه ما
يَدْعو إِلى الاستغراب أَو الاعتراضِ أَو التكذيب، لأَنَّ اللهَ فَعّالٌ لما يُريد، ولا
يُعجزُه شيءٌ في الأَرضِ ولا في السماء.
أَسندَ القرآنُ الحادثةَ إِلى اللهِ سبحانَهُ: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ... ) ، فاللهُ هو الذي أَسْرى بعبدِه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، ثم عَرَجَ به إِلى السماء، ثم أَعادَهُ إِلى مكة، ولا يُسْتَبْعَدُ صدورُ ذلك الحدَثِ عن اللهِ العليِّ العظيم.
وإِنكارُ الفادي المفترِي للحَدَث، تكذيبٌ منه للهِ وللرسولِ - صلى الله عليه وسلم - وللقرآن، وهذا كُفْرٌ منه بالله - عز وجل -.
أَمّا نحنُ فإننا نؤمنُ أَنَّ الحَدَثَ وَقَع، كما أَخْبَرَ اللهُ عنه.
ومن أَدِلَّةِ الفادي على عَدَمِ وُقوعِ حادثةِ الإِسراءِ والمعراج عَدَمُ وُجودِ
شُهود، شاهَدوا الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - عندَ إِسرائِه ومِعْراجِه، ومن شروطِ المعجزةِ عندَه حتى يُؤْخَذَ بها أَنْ يشاهدها الناسُ ويَشْهَدوا عليها!.
ولا أَدري من أَيْنَ جاءَ المفترِي بهذا الشَّرْط! فهناكَ مُعجزاتٌ شاهدَهَا
أُناس، وهناك معجزات لم يُشاهِدْها أَحَد.
إِنَّ نُزولَ جبريلَ بالوحي على أَيّ رسولٍ من رسلِ اللهِ معجزةٌ شخصية، لم يُشاهِدْها أَحَد، ومع ذلك آمَنَ بها المؤمن!.
ويكفي لثُبوتِ المعجزةِ عندنا ذِكْرُها في القرآن، أَو فيما صَحَّ من حديثِ
رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.
فصحةُ النقل عندَنا هي شرطُ المعجزة، وبما أَنَّ معجزةَ
الإسراءِ والمعرَاجِ مذكورةٌ في القرآنِ والسنة فنُثبتُ وُقوعَها ونَجزمُ بذلك.
وخَطَّأَ المفترِي القرآنَ في ذِكرِه المسجدَ الأَقصى: (أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا ... ) .
فكيفَ يجعلُه مَسْجِداً ولم يكنْ له وجودٌ ليلةَ الإِسراء، وكيفَ يكونُ رسولُ - صلى الله عليه وسلم - قد صَلّى فيه، ورأى أَبوابَه ولم يَكُنْ مَبْنِيّاً، لأَنه بُنِيَ في خلافةِ الوليدِ بنِ عبدِ الملك؟.
وتَخطئَتُه دَليلُ جهْلِه فلم يكنْ بِناءُ المسجدِ الأَقصى زمنَ الوليدِ بنِ
عبدِ الملك، وإِنما كانَ بناؤُه قبلَ الإِسلامِ بمئاتِ السّنين.
الراجحُ أَنَّ الذي بَنى المسجدَ الأَقصى هو إِبراهيمُ - عليه السلام -، وقد أَخْبَرَنا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ أَوَّلَ مسجدٍ بُنِيَ هو المسجدُ الحرام، وأَنّ الثاني هو المسجدُ الأَقصى..
روى مسلم عن أَبي ذَر الغفاريِّ - رضي الله عنه - قال: قلْتُ: يا رسولَ الله!
أَيُّ المساجِدِ بُنِيَ أَوَّلاً؟
قال: " المسجدُ الحرام ".
قلت: ثم أَيّ؟
قال: " المسجدُ الأَقصى ".
قلتُ: كم بَيْنَهما؟
قال: " أَربعونَ سَنَة! ".
وأَوَّلُ مَنْ بنى المسجدَ الحرامَ هو إِبراهيمُ وابنُه إِسماعيلُ - عليهما السلام -.
قال تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ) .
فإذا كانَ إِبراهيمُ هو باني المسجدِ الحرامِ يكونُ هو الذي بنى المسجدَ الأَقصى بعدَ ذلك بِأَربعينَ سَنَة!.
وقد عَدَت العوادي على المسجدِ الأَقصى بعدَ ذلك، وتَأَثَّرَ بالأَحداث،
فَهُدِمَ، ثم أُعيدَ بِناؤُه، ثم هُدِمَ، ثم أُعيدَ بِناؤُه ...
ومن الذين أَعادوا بناءَه بعدَ ذلك النبيُّ الملكُ سليمانُ بنُ داود عليهما
الصلاة والسلام، حيث جَدَّدَ بناءَ المسجدِ الأَقْصى، ولم يَبْنِ الهيكلَ المزعوم،
الذي يزعُمُه اليهود.
فلما أُسريَ برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - كان المسجدُ الأَقصى مُتَهَدِّماً، ولكنْ كانَتْ بعضُ معالِمه وأَطلالِه موجودة، فالأَرضُ هي أَرضُ المسجِد، وبعضُ حجارتِه مُتَناثرَة عليها، وبعضُ جدرانِه وأَعمدتِه موجودة، وبعضُ أَبوابِه موجودة، ولكنَّ البناءَ مُتَهَدِّم..
ولما نَزَلَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عن "البُرَاقِ " - الدابَّةِ التي ركبَها في الإِسراء - رَبَطَهُ في حلقةِ بابِ المسجدِ الأَقصى، حيث كانَ الأَنبياءُ يَربطونَ دوابَّهم، وصَلَّى في المسجدِ بالأَنبياء، الذين جَمَعَهم اللهُ له.
وعند الفتحِ الإِسلاميِّ لبيتِ المقْدِس كانت أَطلالُ المسجدِ قائمة، ولما
دَخَلَ عمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - القدسَ وَقَفَ على أَطلالِ المسجدِ وصارَ يُنَظِّفُه..
ثم بنى الخليفةُ الأَمويّ الوليدُ بنُ عبدِ الملك المسجدَ الأَقصى.
أَوْ قُلْ: جَدَّدَ بناءَ المسجدِ الأَقصى الذي بَناهُ إِبراهيمُ - عليه السلام - من قبل.