الله يلين الحديد لداود - عليه السلام -
الله يلين الحديد لداود - عليه السلام -
تَحتَ عنوانِ: " الحَديدُ يَلينُ كالشَّمْع "
اعترضَ الفادي على كَلامِ القرآنِ عن إِلانَةِ الحَديدِ لداودَ - عليه السلام -.
وذلك في قولِه تعالى: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) .
وذَكَر كلامَ البيضاويِّ في تفسير الآية: " قالَ البيضاوي: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) جعلناهُ في يَدِه كالشمع يُصَرِّفُهُ كيفَ يشاء، من غيرِ إِحْماءٍ وطَرْقٍ بآلاتِه
أو بقُوَّتِه ".
وعَلَّقَ على ذلك بقوله: " ونحنُ نسأل: كيفَ يُغَيِّرُ الحديدُ خاصِّيتَه بينَ
يَدَيْ داودَ، فيفقدُ صلابَتَه، ويتحوَّلُ إِلى لُيونَةِ ومُرونَةِ الشمعِ، بغرِ إِحماءٍ أَو
طَرْق؟
وما هو الهَدَفُ من هذهِ المعجزةِ التي لو كانَتْ قد جَرَتْ فِعْلاً لَذَكَرَتْها
التوارةُ المقَدَّسَة؟.
اكتفى القرآنُ بقولِه: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) .
ولم يَقُل القرآنُ: جعلْنا الحديدَ في يَدِه كالشمعِ، يُصرِّفُه كيفَ يَشاء، من غيرِ إِحماءٍ وطَرْقٍ بآلاتِه.
والذي قالَ هذا هو البيضاوي فإِذا اعتَرضَ الفادي على كلامِ البيضاويّ، فلْيعترضْ عليه، والبيضاويُّ هو الذي يتحمَّلُ مسؤوليةَ وتبعةَ كلامِه، فلماذا يُحَمِّلُ الفادي القرآنَ مسؤوليةَ كَلامٍ لم يَقُلْه؟.
علينا أَنْ نَبقى مع القرآن، ولا نُضيفَ عليه شَيْئاًْ، إِلّا ما صَحَّ من حديثِ
رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وفي موضوعِ إلانةِ الحديدِ لداودَ - عليه السلام -، أجملَ القرآنُ الكلامَ عنها، ولم يُفْصِّلْه، والأَولى أَنْ نُبقيهِ على إِجمالِه، وأَنْ لا نَخوضَ في تفصيلِه، لعدم وُجودِ دَليلٍ صَحيحٍ معتمدٍ عليه في ذلك.
إِنَ الفعلَ (وَأَلنًّا لَهُ الْحَدِيدَ) مُسْنَدٌ إِلى الله، فاللهُ هو الذي أَلانَ الحديدَ
لداودَ - عليه السلام -، وعَلَّمَه صنعَ الصناعاتِ الحديدية منه: (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ... ) وهذه الجملةُ تفسيرٌ للإِلانة، وبيانٌ لما نتجَ عنها من أَعمالٍ وصناعات! وهي متعلِّقَةٌ بفعلٍ مُقَدَّر، تقديرُه: وأَلَنّا له الحديد، وقُلْنا له: اعملْ سابغاتٍ وقَدِّرْ في السَّرْد.
و (سَابِغَاتٍ) : صفة لموصوفٍ محذوف، تقديرُهِ: دُروعاً سابغاتٍ، ومَعنى
(سَابِغَاتٍ) طويلة، بحيثُ تُغَطِّي الجسمَ كُلَّه، وذلك ليَقِيَ أجسامَ الجنودِ في
الحربِ من الخَطَر
و (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) : بمعنى إِتقانِ صُنْع الدروعِ السابغاتِ الحربية،
وتوصيلها بالمسامير، وذلك بأَنْ يكونَ هناك تَناسُبٌ بينَ المسمارِ وفَتْحَتِه، فلا
تكونُ تلك الفتحةُ أَكبرَ منه، بحيثُ لا تتماسَكُ أَجزاءُ الدّرع، ولا تكونُ أَصغرَ منه فلا يُحْكَمُ الصُّنْع!!.
وبمعنى هذه الآيةِ قولُ الله وَبَئّ: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) .
ويُفهمُ من الآية: (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) .
أَنَّ لداودَ - عليه السلام - جُهْداً في الدروعِ الحديديةِ التي صَنَعَها، فهو يَصنعُ المسامير، ويَقُصُّ الحديدَ، ويَفتحُ فيه فتحاتٍ مقدَّرةً، مناسبةً للمسامير.
أَما إِنكارُ الفادي المفترِي لهذه الآية، لعدمِ ذِكْرِها في التوارة، فهو
مردودٌ عليه، لأَنَّ القرآنَ أَضافَ كثيراً على المذكورِ في الكتابِ المقَدَّسِ فيما
يتعلَّقُ بقَصَصِ الأَنبياء، وهذا مَعناهُ أَنَّهُ لا يَجوزُ إِنكارُ الخَبَر الذي ذَكَرَهُ القرآن إِذا لم يَذْكُرْهُ الكتابُ المقَدَّس، فذِكْرُه في القرآنِ كافٍ لقَبولِه!.