حول نوم أصحاب الكهف
حول نوم أصحاب الكهف
ذَكَرَ اللهُ قصةَ أَصحابِ الكهفِ في ثماني عشرةَ آيةً من سورةِ الكهف،
وقد سَجَّلَ الفادي المفترِي آياتِ القصة، ثم اعترضَ عليها بقولِه: " ونحنُ
نسأل: كيفَ يَتسَنّى لسبعةِ غِلمانٍ وكلبِهم أَنْ يَعيشوا ثلاثمئةٍ وتسعَ سنين، بدونِ أَكْلِ ولا شُربٍ ولا مَشْيِ ولا تَبَوُّلٍ ولا تَبَرُّز، تحسبُهم أَيقاظاً وهم رُقود، يتقلًّبونَ ذاتَ اليمينِ وذاتً الشّمال، وكلبُهم باسط ذراعيه بفناء المغارة؟
وما هو الدرسُ المستفادُ من هذه القصةِ لنا اليوم؟ ".
يَنظرُ المفترِي للمعجزاتِ المذكورةِ في القرآن نظرةً ماديَّةً دائماً، ويَقيسُها
بالأُمور العاديّة المألوفة للناس، وبما أَنها لا تُقاسُ بها لأَنها معجزات، لذلك
يُنكرُ وُقوعَها ويُكذِّبُ بها، وبما أَنَّ القرآنَ ذَكَرَها، لذلك يُخَطِّئُ القرآنَ
ويَعترضُ عليه، ويتهمُه بذكْر أَشياءَ لم تَحْدُث، وعَرْضِ أُمورٍ لا يُصَدّقُها العقل!
أَما المعجزاتُ المذكورةُ في كتابِه المقَدّس فإِنه يؤمنُ بها، مع أَنها لا تُقاسُ
بالأمور العادية! فلماذا يَكيلُ المفْتَري بمكيالَين، وَيُصَدِّقُ المذكورَ في كتابِه
المقدس، ويُكَذِّبُه إِذا ذُكِرَ في القرآن؟
مع أَن الموضوعَ فيها واحد!!
إِنه التحاملُ على القرآن!.
ذَكَر القرآنُ قصةَ أصحابِ الكهف الذينَ جعلَهم الله آيةً وعبرة، وأَكرمَهم
ببعضِ الكراماتِ المعْجزات، في مقدمتِها أَنه جعلَهم يَنامونَ ثلاثَمئةٍ وتسعَ
سنوات، بدونِ موتٍ أَو تَعَفُنٍ أَو فساد، ثم أَيقَظَهم من نومِهم لفترةٍ قصيرة، ثم أَماتَهم الموتَ الحقيقي.
قال تعالى: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) .
ويُنكِرُ الفادي المفترِي صحةَ ذلك، ويَعْتَبِرُه مُتَناقِضاً مع العلمِ
والعَقْل، إِذْ كيفَ يَنامونَ ثلاثمئةٍ وتسعَ سنوات، بدونِ أَكْلٍ ولا شُرْبِ ولا
مَشْيٍ ولا تَبَولٍ ولا تَبَرُّز؟!.
ولو كانَ الأَمْرُ عادياً وفقَ مألوفِ الناسِ وعاداتِهم لقُلْنا: هذا مستحيلٌ
وغيرُ معقول.
ولكنَّه من أَمْرِ الله، واللهُ فَعَّالٌ لما يريد، وهو معجزةٌ خارقةٌ
للعادة، ولو لم تكن خارقةً لما كانَتْ معجزة.
شاءَ اللهُ أَنْ يُبْقِيهم نائمينَ هذه المدةَ الطويلة، وهَيَّأَ الأَمورَ حولَهم لئلا
يَبْلوا ويَتَعَفَّنوا، فضربَ على آذانِهم، وفَتَحَ عيونَهم، وجعلَ الشمسَ تَميلُ عنهم في الصباحِ ذاتَ اليمينِ، وتبتعدُ عنهم عند المساءِ ذاتَ الشمال، حتى لا تُؤْذيهم بأَشعتِها وحرارتِها، وقَلَّبَهم على الأرضِ ذاتَ اليمين وذاتَ الشمال، لئلا تَقْضي عليهم الرطوبةُ والعَفَن ...
ثم بَعَثَهم بعدَ ذلك من نومِهم وأَيقظَهم ...
وطالما أَنَّ الأَمْرَ معجزةٌ خارقة، من فِعْلِ اللهِ سبحانه، فلا استبعادَ أَو إِنكارَ له.
والفادي المفترِي دائمُ الافتراءِ والتلاعب والتحريف، فاللهُ يقولُ عن
أَصحابِ الكهف: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) ، وقد أَسندت الآيةُ تَقْليبَهم إِلى الله، لأَنَ الأمْرَ معجزةٌ وليس عادياً..
ولكنَّ الفادي أَسندَ التقليبَ إليهم، فقال: تحسبُهم أَيقاظاً وهم رُقود، يتقلَّبون ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشمال!! وفَرْقٌ بعيدٌ بين قولِ الله تعالى: (وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ) ، وبينَ قولِ المفتري
المتلاعِب: " يَتَقَلَّبونَ ذاتَ اليمين.. "!!