حول أصحاب الفيل والطير الأبابيل
حول أصحاب الفيل والطير الأبابيل
اعترضَ الفادي المفترِي على سورةِ الفيل، التي تَحدثَتْ عن أَصحابِ
الفيل، وسَجَّلَ اعتراضَه وتساؤُلَه تحتَ عنوان: " الطيرُ تُحاربُ بالحجارة "!.
وأَخَذَ من تفسيرِ البيضاويِّ خُلاصَة حادثةِ أَصحابِ الفيل، التي أَشارَتْ
لها السورة، والمعروفةُ للباحثين والدارسين..
ثم عَلَّقَ على ذلك بإِثارةِ أَسئلةِ تافهة، فقال: " ونحنُ نسأل: كيفَ آثَرَ الفيلُ أَنْ يُعاوِنَ الوثنيّين، ويَهْرُبَ من معاونة المسيحيّين، فكلَّما وجَّهوه لكعبةِ الأَوثانِ رَفَضَ السير، وكلَّما وَجَّهوهُ إِلى اليمنِ هَرْوَل؟
وكيفَ أَدركت الطيرُ ذلك، فاشتركَتْ في الحربِ معِ الوثنيِّين
ضدَّ المسيحيّين؟
وكيف تفاهَمت جماعاتُ الطير، وعرفَتْ مكانَ المعركة، وأحضرت الحجارة، وملأَتْ أَفواهَها وأَرجلَها، ورمَتْ بها جيشَ المسيحيينَ دون الوثنيّين؟
وكيفَ انحازَ الرَّبُّ للفيلِ وللطيرِ، ولأَصحابِ الكعبةِ الوثنيين
ضدَّ المسيحيين؟
وكيفَ يَنزل الحجرُ الذي هو أَصغرُ من الحمصةِ من فمِ الطائرِ
إِلى رأْسِ الرجلِ، فيخرقُ رأْسَه وعنُقَه وصَدْرَه وبَطنَه، ويَخرجُ من دُبُرِه؟! ".
التساؤلاتُ التي أَثارَها المفترِي على الحادثةِ تُفيدُ إِنكارَه لها، وتكذيبَه
لوقوعِها، مع أَنَّ القرآنَ كانَ صريحاً في إِثباتِها: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5) .
لقد صوَّرَ له عقْلُه الصغيرُ أَنَّ المعركةَ كانت بينَ الأَحباشِ النَّصارى وبين
العرب الوثنيّين، والنَّصارى أَقربُ إِلى اللهِ منِ الوثنيّين، فكيفَ انحازَ الله ُ إِلى
الوثنيّين ضدَّ النَّصارى المؤمنينَ به؟!
هذا غيرُ معقول، وأَخْطَأ القرآنُ في القولِ به!!
والكعبةُ عندَه " كعبة الأوثان " وبَيْت تُجْمَعُ فيه الأَصنام، فكيفَ يُدافعُ اللهُ عنها؟!.
وكيفَ آثَرَ الفيلُ أَنْ يكونَ مع العربِ الوثنيّين ضدَّ النَّصارى؟
إِنَ هذا غيرُ معقولٍ!
وكيفَ تداعَتْ جَماعاتُ الطيرِ واشتركَتْ في المعركة، وانحازَتْ إِلى
الوثنيّين، وحارَبَت النَّصارى المؤمنين بالحجارة؟
هذا كلّه لا يُصَدِّقُه العَقْل، ولذلك لم يَحدث!!.
إِنَّ الأَمْرَ ليس على هذه الصورةِ التي فَهِمَها الفادي خَطأ، وإنَ اللهَ لم
يَنْحَزْ للعربِ الوثَنيّين ضد المسيحيّين، إِنما دافَعَ اللهُ عن بيتِه المحَرَّمِ المعَظَّم.
لقد توجهَ أَبرهةُ بجيشِه وفيلِه ليهدِم الكعبة، لا ليقاتِلَ قُرَيْشاً، فمعركَتُه
ليستْ ضدّ قريشٍ الوثنيّين، وإنما هي ضدَّ البيتِ المحرَّم! ولذلك لما وَصَلَ إِلى
ضواحي مكةَ لم يشتبكْ في حَرَبٍ مع قُرَيْش، ورِجالُ قريشٍ عَرَفوا هذا، حيثُ أَخْلَوْا له مَكَّة، وصَعَدوا إِلى الجبالِ، يُراقبونَ ما سيَحْدُث، ولما راجَع
عبدُ المطلبِ زعيمُ مكة أَبرهةَ بشأَنِ إِبلِهِ التي أَخَذوها منه، قال له: أَنا رَبُّ
الإِبل، وللبيتِ رَبّ يَحْميه!!.
وإنَّ اللهَ يَعلمُ أَنَّ قريشاً مَلؤوا الكعبة بالأصنام، التي عَبَدوها وجَعَلوها
آلِهَة، وهو سبحانه لم يُدافِعْ عنهم ولا عن أَصنامِهم.
إِنَّ حادثةَ الفيلِ كانتْ دِفاعاً عن الكعبةِ المُشَرَّفَة، حمى اللهُ فيها الكعبةَ
من الهَدْم، هذه الكعبةُ ضمنَ بيتِ اللهِ الحرام، أَوَّلِ بيتٍ بُنِيَ في الأَرضِ
لعبادَةِ الله، والذي بَناهُ إِبراهيمُ وإِسماعيلُ - عليهما السلام - لعبادَةِ الله، وستكونُ هذه الكعبةُ المشرفَةُ قِبْلَةً للأُمةِ المسلمةِ القادمة، التي سَيستخلِفُها اللهُ على الأُمم، وسيولَدُ بالقربِ من الكعبةِ محمدُ بنُ عبدِ الله، الذي سيكونُ النبيَّ الخاتم - صلى الله عليه وسلم -.
ومن أَجْلِ هذه المعاني حمى اللهُ الكعبةَ من جيشِ أَبْرَهَة، لا من أَجْلِ
قريشٍ الوثنيّين، وأَمَرَ اللهُ الفيلَ أَنْ لا يَستجيبَ لأَمْرِ أَبرهَةَ بالسيرِ نحو الكَعْبَة، ونَفَّذَ الفيلُ أَمْرَ رَبِّه، وكان ذلك الفيلُ أَعْقَلَ من هذا الفادي صاحبِ العَقْلِ الصَّغير الذي أَنكرَ الحادثة!.
ولم تتوجّه الطيرُ الأَبابيلُ إِلى أَصحابِ الفيلِ بنفسها، إِنما اللهُ هو الذي
وَجَّهَها وأَرسَلَها، واللهُ هو الذي حَمَّلَها الحجارةَ من سِجّيل، وأَمَرَها أَنْ
تقصفَ بها أَصحابَ الفيل.
إِنَّ الأَفعالَ في سورةِ الفيلِ مسنَدَة إِلى الله، فاللهُ هو الذي فَعَلَ بأَصحابِ
الفيل ما فَعَل، وهو الذي أَرسلَ عليهم الطيرَ الأَبابيل، وهو الذي أمَرَها أَنْ
تَرميهم بالحِجارة، وهو الذي أَهْلَكَ أَصحابَ الفيل، وهو الذي جَعَلَهم كعصفٍ مأكول ...
وكانت حادثةُ أَصحابِ الفيل " إِرْهاصاً " ومُقَدّمَةً للإِسلام، وتهيئَةً له،
والرسولُ - صلى الله عليه وسلم - وُلِدَ عام الفيل، وبَعَثَهُ الله ُ نبيّاً بعدَ أَربعينَ سنةً من الحادثة.
ولذلك ذَكَرَها اللهُ في القرآن، باعتبارِها آيةً من آياتِه.
***