الفخر الرازي وكبوة الجواد
بقلم: الشيخ أحمد جعفر الفاطمي
اشتهر المثل (لكل فارسٍ هفوة ولكل جوادٍ كبوة)، وفارسنا اليوم هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن الرازي الملقب بفخر الدين الرازي او الفخر الرازي (ت 606هـ) ، صاحب (مفاتيح الغيب (او التفسير الكبير للرازي))، وهو من اعظم التفاسير الإسلامية التي اعتمدها كبار العلماء من الفريقين، شيعةً وسنة.
وكان الشيخ الوائلي يثني عليه كثيرا، ويعتمده اعتمادا منقطع النظير، كما يلاحظ ذلك من كلماته، واكده الشيخ عبد الهادي الفضلي في كلمته التأبينية لفقد الشيخ الوائلي (رحمهما الله جميعا).
نقول هذا مع تحفظنا على مواقف الرازي العجيبة عند مروره على الايات التي اتفق جمع غفير من المفسرين على نزولها في امير المؤمنين واهل البيت (صلوات الله عليهم اجمعين)، حتى قيل: ان الرازي حاذق في كل شيء الا موقفه من ال محمد!!
ان كبوة الرازي في تفسيره هي: حين تساءل هل يصح حمل كلمة {أُوْلئكَ} في قوله تعالى في سورة النور: 26 {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} على عائشة وصفوان فقط مع انها امرأة؟ وهما اثنان لا اكثر ، فقال في تفسيره: "ومتى حملته على عائشة وصفوان -وهما اثنان- فكيف يعبّر عنهما بلفظ الجمع؟ "
ثم أجاب عن ذلك بوجهين:
الأول: أن ذلك الرمي قد تعلق بالنبي - صلى الله عليه واله - وبعائشة وصفوان .
الثاني: أن المراد به كل أزواج النبي - صلى الله عليه واله – وليس فقط عائشة؟
فعلّق الفراهي (ت 1349هـ)([1])عليه فقال:
لا يليق بالمفسر أن يكون قليل البضاعة في علم لسان العرب، وقد خفي على الرازي مواضع لا تكاد تخفى على من سرح النظر في كلام العرب القح. فاعلم أن الضمير كثيراً ما يجمع للمرأة ويذكر، ليكون كناية عنها. وكثرت الأمثلة، فدونك بعضها: قال العرجي:
فإن شِئْتِ حَرَّمْتُ النسَاءَ سِواكُمُ ... وَإنْ شِئْتِ لَمْ أَطْعَم نُقاخاً ولا بَرْدَا
"وفي هذه الأبيات ترى للمرأة ضمير الجمع والوحدة معاً.
- وقال الأعشى:
أجُبيرُ هل لأِسيرِكُمْ مِن فادِي ... أم هل لطالبِ شِقّةٍ مِن زادِ
أقول: ان الحري بنا كمسلمين او كمثقفين او كطلبة علم ان نغوص في لغتنا العربية العظيمة التي صمدت دون باقي اللغات ولم تخضع للتغير والتبدل كما هو حال اللغات الأخرى، كاللاتينية والاغريقية واليونانية وغيرها.
وان نجعل من همنا اليومي مطالعة معاجم اللغة وكتب الادب، فقد كان بعض العلماء يكلف ابنه بمطالعة ورقة واحدة فقط يوميا من كتاب مختار الصحاح على نحو الالزام، وقد نفع هذا العمل ذلك الولد كثيرا في توسيع لغته الأدبية وجمال منطقه وفهمه لكتاب الله عزوجل.
وهذا الرازي امامنا، مع تبحره في الكثير من العلوم مثل الفقه والطب والتاريخ والأصول والتفسير واللغة وغيرها، قد حصلت له هذه الكبوة، فما حالنا ونحن الاعراب والاغراب عن كتاب الله حتى اننا نحتاج من يترجم لنا بعض كلماته؟
فالحلّ اذن: طلب العون من الله عزوجل ثم المباشرة بتثقيف النفس عبر مطالعة كتب المعاجم والتفاسير وكتب الادب والشعر وغيرها، بنيّة تعلم ما يعين على التدبر في كتاب الله وبذلك ننال الحسنيين: التدبر مع الثواب والثقافة الأدبية الرفيعة.
وفقنا الله واياكم لكل خير
( [1] ) مفردات القرآن - نظرات جديدة في تفسير ألفاظ قرآنية، عبد الحميد الفراهي الهندي (ت 1349هـ)، تح: د. محمد أجمل أيوب الإصلاحي، دار الغرب الإسلامي، ط 1، 2002 م : ص261.