قيام ليالي القدر لاينال إلا بتوفيق من الله
بقلم: الشيخ محمد الجوراني
على طول أيام شهر رمضان نقرأ الدعاء "وَلَيْلَةَ الْقَدْرِ وَحَجَّ بَيْتِكَ الْحَرَامِ، وَقَتْلاً فِي سَبِيلِكَ فَوفِّقْ لَنَا"
وهاهي ليالي القدر قد بان نورها ..
قال تعالى ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾
وقال تعالى ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾
أيها الاحبة أن أهم ما في شهر رمضان ليلة القدر وهي ليلة خير من ألف شهر. وقد ورد في الأخبار كونها خيراً من جهاد ألف شهر وعبادتها خير من عبادة ألف شهر. وبالجملة هي ليلة شريفة تقدّر فيها أرزاق العباد وآجالهم... وفيها نزل القرآن، وهي ليلة مباركة.
ورد عن الإمام الباقر عليه السلام: "من أحيا ليلة القدر غفرت له ذنوبه، ولو كانت ذنوبه عدد نجوم السماء، ومثاقيل الجبال، ومكائيل البحار"
متى هي ليلة القدر؟
( ١٩-٢١-٢٣ ).. ليالي النور والرحمة..!!
ورد عن الإمام الصادق عليه السلام حينما سئل عن تحديد ليلة القدر بقوله: "أطلبها في تسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين"
إذاً التردُّد بين الليالي الثلاث هو ليس بسبب التعارض بين الروايات، بل إنَّ المعصوم عليه السلام هو الذي طلب أن تُحيى في ثلاث ليال، وهذا الأمر إمّا لأجل التربية على الاحتياط في طلب الكمال والمقامات في المستحبات، وإمّا أنَّ هناك سراً يتعلّق بالليالي الثلاث
وهو ما ورد فيه حديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "التقدير في تسع عشر، والإبرام في ليلة إحدى وعشرين، والإمضاء في ليلة ثلاث وعشرين"
فيظهر ان ليلة القدر عبارة عن ثلاث ليالٍ وليس ليلة واحدة فقط :
ليلة ١٩ ليلة التقدير اي ينزل العطاء المقدر من الله على الإمام عليه السلام.
وعلى الفرد ان يجتهد ويكثر من الطلب والدعاء والالحاح على الله عز وجل ويقدم حوائجه في هذه الليلة.
ليلة ٢١ هي ليلة القضاء يتم فيها تقسيم العطاء المقدر على العباد من قبل الإمام عليه السلام وكل بحسب استحقاقه وسعته وفضل الله تعالى ثانيا.
ليلة ٢٣ هي ليلة الإبرام يتم فيها الرجوع بالعطاء المقدر من الإمام عليه السلام الى الله تبارك وتعالى لكي يتم امضائها وابرامها.
وبهذا المعنى يكون خير ليلة القدر مقسم على ثلاث ليال فلابد من التعرض إليه في كل منهما ليتم الله لنا الفضل كله بلطفه وعنايته
سر إخفاء ليلة القدر ..؟!
لعل من الحكم الإلهية في إخفاء ليلة القدر منها :
١- إن الله تعالى لا يعطي فضله ورحمته الخاصة الا لاهل الجهد والاجتهاد فيكون المتقاعس والغافل عنها مبعد
٢- إن الله تعالى يريد أن يربي العبد على طريق الاحتياط في الأمور الدينية كي ينجو فالعمل بالواقع المجهول بما قرر له يحرز الإصابة والوقوع وهو درس إلهي كبير
٣- إن الله تعالى يريد أن يعطي للعبد فرصة أكثر للتدبر والتفكر والتعبد فلو كانت ليلة واحدة مكشوفة لعله لايتوفر للعبد مساحة كافية لذلك وخصوصا انها ضيقة الوقت
وربما هناك حكم اخرى نجهلها متروكة لتدبر العباد واحوالهم
عموما لا يستفاد من القرآن الكريم أن ليلة القدر أية ليلة هي،
ففي قوله تعالى:﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ فإن الآية بانضمامها الى آية القدر تدل على أنها ليلة من ليالي شهر رمضان، أما تعيينها أزيد من ذلك فمستفاد من الروايات الموزعّة الى عدة...خلاصتها:
- الروايات التي تدل على أنها في العشر الأواخر، أو في الليالي الوتر منها، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " تحرَّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان "، وفي رواية: " في الوتر من العشر الأواخر"
الروايات التي تدل على تحريّها في إحدى الليالي الثلاث: عن الباقر عليه السلام:
" إن علياً كان يتحرّى ليلة القدر، ليلة تسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين"، ومثله عن الصادق عليه السلام وذكر في بعض الأخبار خصوصية خاصة لكل ليلة من الثلاث.
كما بيناه فيما سبق حين قلنا
يكون خير ليلة القدر مقسم على ثلاث ليال فلابد من التعرض إليه في كل منهما ليتم الله لنا الفضل والرحمة خصوصا إنها ليلة مباركة
قال تعالى ( إِنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ )
وقال تعالى ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾
وقال تعالى ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾
رغم عظيم البركة الموصوفة بها الليلة إلا انها مقيدة بالحكمة الإلهية
"كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ" يعني ربما يقدر ويقضي كل أمر بحكمته عطاء ومنعا فالعطاء رحمة والمنع رحمة بحسب قاعدة اللطف والحكمة الإلهية
نسأل ألله التوفيق لنيل عظيم بركتها