الإختلاف نظام كوني لا سلبية فيه ؟!

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1543
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الإختلاف نظام كوني لا سلبية فيه ؟!

بقلم: الشيخ محمـد الـجـوراني

 

الإختلاف في حقيقته نظام أسس له النص الديني وبين علله وغاياته وموانعه وهو شامل لكل جزئية في هذا الكون وهو حالة طبيعية بل وحالة كمالية لهذه الموجودات وليس مرادنا هنا أيها الاحبه هو الخلاف فالفرق كبير ، فجدلية الإختلاف والخلاف والفرق بينهما ليست حديثة عهد، إلا أنها لا تزال قائمة، فالاختلاف كما يرى علماء الشريعة واللغة هو إتفاق على المقصد واختلاف على طريقة الوصول إليه ويستند إلى دليل، أما الخلاف فهو اختلاف في المقصد والطريق الموصل إليه وغالباً لا يستند إلى دليل.

 

مشروعية الاختلاف في النص الديني ؟

 

حيث يقرر القرآن هذا السوق نحو الاختلاف غير الخاضع لمشيئة وإرادة الإنسان كما في قوله تعالى (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين)  فلآية تقرر أن مشيئة الله تعالى اقتضت أن يخلق الناس جميعاً مختلفين.

وقوله تعالى (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء.. )

وقوله (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف السنتكم والوانكم... )

 

من خلال النظر في الآية تظهر الملازمة بين الاختلاف وهذا الخلق فهو داخل في كل شيء خلقه الله سبحانه.

والإنسان كمخلوق في دائرة هذا النظام أيضاً فقد خلق الله البشر مختلفين في الأشكال والاحجام والألوان والالسن وخلقهم مختلفين في الوسع والجهد والتحمل ولذا قرر القرآن أن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا بمقدار طاقتها ووسعها (لا يكلف الله نفساً إلا بوسعها)

 

إيجابية الاختلاف ؟

وبعد أن يتأكد وجود عنصر الإختلاف بين البشر على أنه أمر طبيعي يصعب قسر الناس على الخروج من دائرته نجد أن من الضروري التأكيد على أن الإختلاف ليس موروثاً من الموروثات المختلفة، أو إننا ورثناه من خارج الدائرة الإسلامية كما يحسن للبعض أن يصوّره وإنما وجوده ينبغي أن يكون ضرورياً ونفعياً وأن يستفاد منه كدليل على صحة المجتمع ويعود عليه بالنفع.

 

علل الإختلاف ؟؟

 

1-التواصل : فلو كان كل شي متشابها فلا يمكن للموجودات التواصل فيما بينها والاستفادة من بعضها الاخر وامامكم وسائل التواصل الاجتماعي فلو كانت متماثلة لما اصبح للتواصل قيمة وقيمته انما تظهر بالاختلاف وليس الخلاف كما بينا 

2-الكمال : فالاختلاف العلمي هناك من هو ارجح عقلا وعلما ودليلا وهو مختلف في فكره وطرق افهامه فالغير من هم ادنى منه يستنيرون بعلمه مع انهم متفقين في المقصد

التنافس واثراء الساحة العلمية : فمثلا اختلاف الآراء الاجتهادية يثري الفقه، وينمو ويتوسع نظراً لاستناد كل رأي إلى أدلة واعتبارات شرعية أفرزتها عقول كبيرة تجتهد وتستنبط وتوزن وترجح وتؤصل الأصول، وتعقد القواعد وتفرع عليها الفروع والمسائل، وبهذا التعدد المختلف المشارب المتنوع المسالك تتسع الثروة الفقهية التشريعية ويصبح من وراء تعدد المدارس والمــشارب والمذاهب والأقـــوال كنوز لا يقدر قدرها وثروة لا يعرف قيمتها إلا أهل العلم والبحث

4-روح الابداع والتجديد :طرق التربية طرق التدريس طرق التعامل بين الزوجين والاولاد وغيرها لابد ان تكون مختلفة حسب العمر الظرف البيئة المعتقد وغيرها فهل يكون مدير الدائرة مع موظفيه هو نفسه مع عائلته لابد ان يكون مختلف وعلى هذا وعلله فقس الجميع 

5-التغيير المناسب للظرف : البيئة المتغيرة والمختلفة تفرض عليك نظاما من الفكر والخطاب والحركة فلكل بيئة خطاب ولكل مقام مقال مختلف طبعا فبيئة الحضري وطبائعه تختلف عن بيئة الريف واهلها الطيبين 

 

موانع قبول نظام الاختلاف ؟

 

1-التكبر : التكبر سجن معنوي موحش يحبس صاحبه عن قبول الآخرين والانسجام معهم في نظام الإختلاف الكوني

2-الاعتزاز بالذات : مهما كان الانسان بمرتبة دون المعصوم فلا بد له أن يتنازل عن ذاته كي يرى غيره من أصحاب الرأي والفكر،  فالدليل والحجة قيم في أصل كل إثبات وحوار

3-الخضوع لهوى النفس : من آمن بالله تعالى مخلصا بالضرورة سيؤمن بما قرره وانزله تعالى من شريعة ونظام كوني ونفسي واجتماعي مختلف ولو ترك الأمر الى هواه قال تعالى (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ) فهواه مانع 

 

بالحقيقة أيها الاحبة بهذا النوع من الإختلاف تتقدم العلوم وتنشأ الحضارات، وتنمو المدارس الفكرية والمذاهب الفلسفية وغيرها، وفي ظله يصبح من المألوف أن توجد المذاهب المختلفة والمجتمع الذي لا تنمو فيه هذه الاختلافات هو مجتمع سقيم وهذا ما تشير إليه الروايات بأن الاختلاف رحمة فقد ورد عن النبي(ص) (اختلاف أمتي رحمة) وورد عن عبد المؤمن الانصاري قال: قلت لأبي عبد الله إن قوماً رووا أن رسول الله) قال (إن اختلاف أمتي رحمة؟) فقال: صدقوا... وبهذا النوع من الاختلاف تتم التوسعة والفسحة على الأمة, الاختلاف العلمي الايجابي وليس الخلاف السلبي الشخصي 

وما نهت عنه الروايات واعتبرته سبباً للهلاك فقد ورد (لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا).

 

هذان هما منشأ الاختلاف بين البشر.

فالأول عقل وعلم ورحمة.

والثاني هوى ومصلحة ونقمة.

ففي الاختلاف العلمي تنمو الطاقات وتتفجر القدرات في أجواء حرة إيجابية أما في اختلاف المصالح فينحبوا صوت الفكر والرأي لمصلحة رأي واحد يقسر أحدنا عليه الآخر.

 

وربما يستثمر أصحاب الأغراض والمصالح هذا النوع من الاختلاف في تصفية حسابات مع هذا أو ذاك من أطراف الرأي الآخر كما حدث في المسألة الكلامية (خلق أو قدم القرآن) حيث استخدمها البعض لتصفية حسابات سياسية مع من يختلف معه في الرأي دون أن يكون له أدنى معرفة بالمسائل العلمية ولكن المصلحة اقتضت أن يلتزم برأي ويحاول قسر كل من يختلف معه على هذا الرأي ، وهم موجودين في كل زمان لكن بالوان مختلفة !!


ولاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

 

 

Powered by Vivvo CMS v4.7