محمد شحرور ومصطلح المفكر الاسلامي
بقلم الاستاذ علي هذيلي
انتقل إلى رحمة الله المفكر السوري "محمد شحرور"، وقد نشر بعض الأصدقاء تعازيهم على صفحاتهم مصحوبة بصور المرحوم، ونحن إذ نشاركهم العزاء، ونقول لهم: "عظم الله لكم الأجر والثواب"، إلا أن ما لفت نظرنا هو اعتقاد اصحاب المنشورات- وذلك حق من حقوقهم طبعاً- أن محمد شحرور مفكر اسلامي كبير! ونحن الآن لسنا بصدد اثبات ما إذا كان شحرور صغيراً أم كبيراً، بل بصدد اثبات القضية الأولى، أي كونه مفكراً إسلامياً. فما معنى أن يكون مفكر "ما" إسلاميا؟ من هو المفكر الإسلامي؟ أهو الذي يكتب في الإسلاميات: تاريخا وعقيدة وشريعة وفقها واصولا وقانونا، أم هو الذي يتنبى الأطروحة الإسلامية ويبشر بها، والأهم من ذلك أن يأتي بمادة معرفية لم يأت بها أحد قبله؟ إذا كان المعنى الأول هو الصحيح، فكثير من المستشرقين- يهود ومسيحيين، بل وحتى مسلمين من امثال اركون، وأبو زيد، وسروش- كتبوا في الإسلاميات، ومع ذلك لا نستطيع ان نعدهم إسلاميين، ذلك أن دراساتهم- أعني المستشرقين- كانت متماهية من الاحتلال الاستعماري لبلاد الإسلام، وممهدة له، لذا فهي تسبق مشاريع الإحتلال، وتسير معه، مع احترامنا وبالغ تقديرنا لبعض الاقلام الاستشراقية الرائدة التي طلبت الحق لذاته، وما أقلها !
إذن فالمفكر الإسلامي- من وجهة نظرنا- هو الذي يتبنى الأطروحة الإسلامية، ويؤمن بها، وبضرورة قيادتها للحياة، ويسعى جاهدا لإثبات ذلك عبر دراساته التي تحمل عبق تلك الأطروحة وطيب رائحتها.. وهنا سنكتفي يإيراد هذا المثال لنتعرف بوساطته الحدود الفاصلة بين ما هو إسلامي، وما هو غير ذلك؟ :
في كتابة الكتاب والقرآن (ص724) يقول محمد شحرور: إذا سألني سائل: ما المواد التي يجب أن يحتويها دستور أي دولة، لكي تصبح إسلامية؟ إنني أنوه هنا بالخطأين الشائعين جدا من قبل المسلمين، وهما: أولا: المناداة بأن دستور الدولة القرآن. وهذا خطأ، لأن القرآن لا يحتوي على أي تشريع. ثانيا: المناداة بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية. وهذا خطأ، لأن الشريعة الإسلامية لا تحتوي على أحكام، بل على حدود، ولا يوجد حكم حدي في الإسلام إلا في حالة الفاحشة العلنية.
طبعا عرض الأمور بهذه الطريقة من قبلنا سيكون أشبه بالحق الذي يراد به باطل! فهل قال محمد شحرور ما دوّناه آنفا؟ نعم قاله، ولكن في أي سياق؟ لذا عليك أن تعود إلى مقدمات شحرور، لتعرف ماذا يقصد بالقرآن، وماذا يقصد بالكتاب؟ وماذا يقصد بالفرقان؟ وماذا يقصد بأحكام الشريعة الإسلامية؟ فلشحرور قاموسٌ لا يشبه قاموس اللغويين والفقهاء والأصوليين والمفسرين، وبناء على هذا القاموس الذاتي هو يمرر ما يريد تمريره، من طروحات علمانية ليبرالية، لذا فهو يسخر من المفسرين، ويخطئ اطروحتهم، ولا يتعامل معها بطريقة تأويلية احتمالية، فالقرآن ليس حمّال اوجه، بل له وجه واحد فقط، هو الوجه الذي يراه شحرور، أما الآخرون، فليذهبوا إلى الجحيم...