الـبــكــاء عاطفة انسانية ومبادئ رسالية .. الحلقة الثالثة : البكاء في القران
بواسطة ali2019-04-24 12:01:00 |
18/شعبان/1440
| عدد القراءات : 1395
حجم الخط:
بقلم: السيد ضياء الدين الحبش
قبل المرور على البكاء في القرآن، لا بأس بتقسيم البكاء رغم تعدّد وكثرة الأسباب إلى قسمين:
الأوّل:
البكاء كحالةٍ إنسانيةٍ طبيعيةٍ، واستجابة نفسيّة لظروف مؤثّرة ودافعة إليه بلا قصد أكثر من كونها نهاية أو نتيجة أو حالة تتيح أو تصاحب ظروفا خاصة، تكون نتيجتها البكاء.
الثّاني:
البكاء الهادف، بحيث يوظَّف البكاء لأهداف خاصة محدّدة، كإثارة العقل، والعواطف لدى الناس لتأسيس أرضيّة يبني عليها رأي ..ثم موقف عام عند الناس.
وعلى هذا يمكن تصنيف الآيات والروايات إلى قسمين تبعاً لما تقدّم وسنأخذ بعض الأمثلة القرآنيّة:
-القسم الأوّل:
1- قوله تعالى: *وإذا سمعوا ما أُنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق...*
وهي في شأن القسّيسين والرهبان الذين يتأثّرون بالقرآن، وخصوصا ًالآيات التي تثير في أنفسهم ما عرفوه عن النبيّ صلى الله عليه وآله وعن الإسلام، ولا يبدو في هذا البكاء غير التأثّر النفسيّ بلا أهداف للبكاء، نعم قد يقال أنه يمكن أن يكون تعبيراً وتأييّداً للنبيّ ورسالته.
2- قوله تعالى في شأن الذين لم يجدوا ما يذهبون به إلى الجهاد:
*ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولّوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً الّا يجدوا ما ينفقون*
وهذه حالة أخرى، ويبدو من ظاهر الآيات أنّ البكاء هنا ناشئ من الحسرة في قلوب هؤلاء، ذلك أنّهم لم يتمكنوا من تحقيق رغباتهم في الوصول إلى مواقع الجهاد، وقد يقال أيضاً أنّه يمكن أنْ يكون تعبيراً عن حبهم للجهاد، وعدم رضاهم بالقعود.
القسم الثاني: وهو النصوص التي تعرض البكاء وسيلةً وأسلوباً تعبيريّاً هادفاً لإيصال معنى أو رسالة أو شعوراً محيطاً.
1-قوله تعالى:
*...وجاؤوا أباهم عشاءً يبكون قالوا يا أبانا إنّا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمنٍ لنا ولو كنّا صادقين*
وهذا النص في شأن إخوة يوسف بعد أن أجمعوا أمرهم وألقوه في غيابةالجبّ،
فعملوا على تغطية فعلهم بإظهار البكاء والتأثّر وأنّ فقدان يوسف كان بفعل الذئب..
فالبكاء هنا ليس نتيجة لحدث ومشاعر، لأنّه لم يكن الحدث كما قالوا، بل هو أمر آخر فعلوه بإرادتهم.
2- قوله تعالى في شأن يعقوب:
*وتولّى عنهم وقال يا أسفي على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم*
وهنا نتساءل عن بكاء يعقوب عليه السلام لمدّة طويلة، بكاءً مؤثّراً، أدّى إلى ابيضاض عينيه من الحزن...
وهل هو عبارة عن استجابة طبيعية لفقدان يوسف، لكنْ هل يليق هذا بالإنسان المؤمن، فضلاً عن الأنبياء، الذين هم رساليّون في كل حركاتهم وسكناتهم ؟
إنّنا لا نشكّ أنّ يعقوب كان رساليّاًّ في بكائه، بأهداف وضعها لذلك ، ومنها أنّه أراد وبطريقة تربويّة تأديبيّة أن يبيّن حجم الجريمة التي وقعت بحقّ يوسف، وعمق الجرح الذي سبّبه الفاعلون بقلبه وبقلب يوسف.
ولقد نجح هذا الأسلوب من الضغط النفسيّ على الفاعل، حتى لقد تضايقوا من بكاء أبيهم وقالوا كما في القرآن:
*تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرَضَاً أو تكون من الهالكين*