مراتب معرفية أربع من كلمات أمير المؤمنين عليه السلام
بواسطة ali2019-04-26 03:35:00 |
20/شعبان/1440
| عدد القراءات : 1270
حجم الخط:
بقلم: صادق القطان
جاء عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قوله: ((أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ، وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْديقُ بِهِ، وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ، وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الاِْخْلاصُ لَهُ، وَكَمَالُ الاِْخْلاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ)).
المقطع المتقدم هو أحد مقاطع الخطبة الأولى من خطب أمير المؤمنين (ع) في كتاب "نهج البلاغة"، ولعل السبب الذي لأجله جعل الشريف الرضي (رض) هذه الخطبة في بداية كتاب النهج أنها تتناول أساسيات العقيدة في الدين الإسلامي الحنيف مثل خلق الوجود وصفات الله وملائكته وبعثة الأنبياء (ع) ونحو ذلك، بينما سائر الخطب التي أوردها (رض) فيما بعد تتناول قضايا فكرية إسلامية متنوعة، فهي مبتنية على الخطبة الأولى، أي أن القضايا المتنوعة التي تناولتها الخطب اللاحقة في نهج البلاغة إنما تهم الإنسان إذا كان مسلما، وأما غير المسلم فلا تمثل له تلك القضايا أهمية، فلعل الشريف الرضي كان يلحظ هذه النكتة إذ جعل هذه الخطبة الشريفة في مطلع كتابه.
وحينما ندرس مضامين فقرات المقطع المتقدم فإننا نجدها تطرح أربع مراحل لمعرفة العبد لله تعالى ابتداء من المعرفة الإجمالية وحتى مرحلة التوحيد الصفاتي.
المرحلة الأولى (المعرفة الإجمالية): وهي أول خطوة في طريق معرفة الله تبارك وتعالى، وهي التي عبر عنها أمير المؤمنين (ع) بقوله: ((أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ))، والمقصود بهذه المعرفة الإجمالية أن يعلم الإنسان أن لهذا الوجود العظيم خالقا خلقه وأخرجه عن طور العدم إلى طور الوجود، لا أنه خلق نفسه بنفسه لأن العدم لا قدرة له على الإيجاد لا لنفسه ولا لغيره، ولا أوجدته الصدفة لأن الصدفة عدم أيضا.
المرحلة الثانية (المعرفة التفصيلية): وهي تفوق سابقتها رتبة، فالمعرفة التفصيلية ليست مجرد أن يعرف الإنسان أن للكون خالقا خلقه كما في المعرفة الإجمالية الآنفة، بل يعرف عن يقين ليس معه شك أن هذا الخالق هو الله تبارك وتعالى دون غيره، ويعرف كذلك صفات الله التي إذا جهلها الإنسان كان جهله كاشفا عن أنه لم يعرف الله بل توهم أنه يعرفه، مثل معرفة كونه تعالى الأول قبل كل الأشياء والآخر بعدها كلها.
وقد ذكر المتكلمون أن العقل يحكم بوجوب تحصيل الإنسان لهذه المرتبة من المعرفة مستدلين بأدلة منها ما عبروا عنه بدليل دفع الضرر المحتمل، فالإنسان إذا لم يتحرك نحو تحصيل هذه المرتبة من المعرفة إلى أن مات وهو غير معتقد بالله فسوف يكون في يوم القيامة عرضة لضررين كبيرين، الأول خسرانه للنعيم العظيم الذي أعده الله لمن اعتقد وهو في عالم الدنيا بوجوده تعالى، والخطر الثاني تعرضه للعقاب المعد لمن أضاع هذه المعرفة حينما كان في عالم الدنيا.
فبما أن هناك احتمال -على أسوء التقادير- أن يصاب الإنسان بهذين الضررين الكبيرين في يوم القيامة فإن العقل يحكم بوجوب ردهما عن طريق التحرك نحو معرفة الله.
المرحلة الثالثة (المعرفة التوحيدية): أي أن يعرف الإنسان عن الله تعالى بالإضافة إلى ما تقدم أنه واحد لا تعدد فيه، لا مع نفسه لأن هذا يعني أنه مركب من أجزاء، والمركب محتاج لأجزائه لكي يكمل تركيبه ويؤدي وظيفته، في حين أن الله غير محتاج، وليس متعددا أيضا مع غيره بأن يكون هناك أكثر من إله، لأن الكون حينها سيفسد حيث أن كل إله سيذهب إلى خلاف ما يذهب إليه الآخر، ولذا يقول القرآن: ((ومَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ)).
المرحلة الرابعة (توحيد الصفات): أي أن يعرف الإنسان أن الله -الذي عرف في المرحلة السابقة بأنه واحد- ليس فيه تعدد حتى مع صفاته، بمعنى أن صفاته مثل (العالم، الرازق، وغيرها) ليست شيئا ثانيا زائدا على ذاته، بل هي نفس ذاته وذاته هي نفس صفاته، فصفاته وذاته شيء واحد لا شيئين متباينين، لأن صفاته لو كانت شيئا مختلفا زائدا على ذاته لما كان واحدا معاذ الله بل اثنين هما (الصفات - الذات).