اثار التوحيد دراسة عقلية قرانية

بواسطة |   |   عدد القراءات : 3043
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
اثار التوحيد دراسة عقلية  قرانية

 

بقلم الشيخ عبد الحكيم الخزاعي.

مما لاشك فيه ان هناك اثار للعقيدة الالهية بصورة عامة ,ولكل اعتقاد منها بصورة خاصة ,وبما اننا نبحث عن التوحيد فلابد من دراسة اثار هذه العقيدة الاساسية بل هي اصل كل اعتقاد. وجميع المعارف الالهية انما هي اثار وظلال لها ,وسنرى ان اثارها تمتد الى الفرد والجماعة والامة والمجتمع الانساني بصورة عامة بل تمتد الى الكون باسره قال تعالى وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. ([1])

 

 الاثار الفردية :

اولا  :اعطاء معنى للحياة :

يمثل التوحيد الصحيح الرؤية الكونية للانسان الموحد ,والرؤية الكونية تعطي الانسان التصور والشرح عن الكون والحياة ووجود الانسان ,ولا تتركه عرضة للرؤى الاخرى العدمية ,فهو من خلالها يمتلك المعنى للحياة ,حيث شغلت مسالة المعنى للحياة افكار الفلاسفة وصدرت الكتب بهذا الموضوع , فهل لحياة الانسان من معنى معين ام لا ,واذا كان لها معنى فماهو , ونجد المدارس الفكرية بين النافية للمعنى او المثبتة له ,والمثبتة بين قصره على هذا العالم وبين من تجعل المعنى اعمق من ذلك بكثير وهي المدرسة الالهية , ومعنى كون التوحيد يشكل معنى للحياة عند الانسان الموحد ,هو انه يرى نفسه مخلوق لرب واحد استخلفه في الارض (اني جاعل في الارض خليفة)([2])

 والمستخلف بالفتح يمثل صفات المستخلف بالكسر وهذه الصفات مثل العدل والرحمة والرافة والابداع والخلق تجعل الانسان متلبس بها ثم تصيره مخلوقا فريدا من نوعه بحيث يسجد له المخلوقات ويسخر له الكون باجمعه (وسخر لكم مافي السموات والارض جميعا منه )([3])

 

وايضا كون التوحيد يشكل المعنى للانسان ان الكون والوجود لم ياتي صدفة بل هو معلول ومخلوق لرب واحد فتسري هذه النظرة الى حياته كلها فيعيش ويتناغم مع الوجود على هذا الاساس , فهو انسان مرتبط بالوجود وليس كقشة معلقة بالهواء , يرى نفسه مرتبط بالله ومعلق به كلفه بالعبودية والخضوع اليه وعدم الشرك سواء في الذات او الصفات او الافعال بالتالي هو تصبح حياته منبثقة من هذا التصور الالهي فتكون حياة الانسان كلها معنى والوجود كله معنى

ثانيا  : عدم التشتت الفكري والعملي :

كان الانسان ولازال يعيش التشتت الفكري على جميع المستويات والاصعدة ,فاذا كان الانسان بالامس يعيش التشتت على نحو فكري بسيط ,يبرز عبر تفسير وسلوك جاهلي مبسط غير مدعوم بالعلم والنطريات الفلسفية المعقدة ,فانه اليوم اصبح اكثر تعقيدا لانه مصحوب بنطريات براقة واسماء لامعة ودعاية مبهرجة مما جعل انسان العصر الحديث مشتت واصبح هذا سمة ومرض العصر .

ولقد رصد القران الكريم حالة التشتت الفكري والنفسي عند الانسان الغير موحد رصدا دقيقا توافق الكشوفات العلمية الحديثة حول التشتت ,قال تعالى (ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجل سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل اكثرهم لا يعلمون )([4])

 

جاء في تفسير الميزان: مثل ضربه الله للمشرك الذي يعبد أربابا وآلهة مختلفين فيشتركون فيه وهم متنازعون فيأمره هذا بما ينهاه عنه الاخر وكل يريد أن يتفرد فيه ويخصه بخدمة نفسه، وللموحد الذي هو خالص لمخدوم واحد لا يشاركه فيه غيره فيخدمه فيما يريد منه من غير تنازع يؤدي إلى الحيرة فالمشرك هو الرجل الذي فيه شركاء متشاكسون والموحد هو الرجل الذي هو سلم لرجل. لا يستويان بل الذي هو سلم لرجل أحسن حالا من صاحبه([5])

 

وجاء في موسوعة النابلسي في الانترنت مافحواه :ايها الاخوة ,كان الله سبحانه وتعالى ضرب مثلين ,مثل المؤمن الموحد ,ومثل الذي وقع في الشرك ,الشركاء متشاكسون ,اوامرهم  ان ارضى زيدا غضب عبيد ,وان وصل فلانا غضب علان ,حياة لا تحتمل ان كان لك مرجعيات متعددة ,متناقضة ماذا تفعل ,ارضاء الاول يغضب الثاني ,تصور انسانااخر له مرجعية واحدة ,تعرفه تماما ,هناك تفاهم ,وتناغم وتعاطف ومعونة ودعم وتاييد القضية مع واحد صدقوا ولا ابالغ المؤمن الموحد علاقته مع واحد احد ,فرد صمد ,لذلك قيل :من جعل الهموم واحدا كفاه الله الهموم كلها ,وقيل اعمل لوجه واحد يكفيك الوجوه كلها

ليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والانام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب

اذا صح منك الوصل فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب .

ثالثا :مصدر الامان النفسي :

قال تعالى (الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اؤلئك لهم الامن وهم مهتدون ) ([6])

 فالتوحيد الحقيقي الذي اكتسح القلب ولم يبق على اللسان فقط ,وايضا الذي ابعد الانسان عن الظلم يورث الانسان الامن وهو الامان الروحي والنفسي في الدنيا والاخرة .وايضا يورث الهداية وهي اطمئنان الروح ورؤيتها الطريق واضحا وسلوكها الصراط المستقيم الذي يبعدها عن السبل المتعرجة المشتتة فتتفرق عن سبيله .

رابعا: الايمان مصدر للعمل الصالح :

قال تعالى (انما الهكم اله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولايشرك بربه احدا )([7])

والعمل الصالح هنا عموم العمل سواء الذي يرتبط بعلاقة الانسان بالله او علاقة الانسان باخيه الانسان ,او علاقة الانسان بالطبيعة ,فمن الاول انواع العبادات والطاعات والقربات من صلاة وصوم ودعاء واستغفار ,ومن الثاني الاحسان الى الغير وحبه ودفع الطلم عنه , ومن الثالث اعمار الارض واصلاحها والمحافطة عليها وعدم تخريبها والانسان الموحد يستخدم الارض لاجل اقامة الخلافة الربانية عليها من خلال العدل قال تعالى (قَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ(([8])

 

خامسا :اطمئنان القلوب:

 الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ([9])

الانسان مكون من روح وبدن والروح هي البعد المعنوي المجرد في الانسان ويحتل القلب في البعد المعنوي مركزية مهمة بل ورد انه بيت الله (ماوسعتني ارضي ولا سمواتي ولكن وسعني قلب عبدي  المؤمن ([10])

الاطمئنان بذكر الله هو ان الانسان الموحد الذي عرف ان الله واحدلاشريك له فينفتح قلبه على الله تعالى من خلال ذكره اناء الله واطراف النهار فيتعلق قلبه بالذكر فيصبح غذاءه وانسه ,وكلما ازداد كلما اشتاق لانه لا يشبع من حب مولاه ,فيرى الاستقرار بالذكر والوحشة بالترك ,وبما ان الله مقلب القلوب وسيدها فانه يكسب القلب الذي يذكره راحة ابدية في الدنيا والاخرة (انا عند المنكسرة قلبوهم),بينما الانسان المشرك يعيش الضنك والقساوة قال تعالى (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ )([11])

 

مما لاشك فيه ان اثار التوحيد على المستوى الفردي كثيرة جدا في جميع الابعاد الفكرية والروحية والجسدية وفي هذه الحياة الدنيا ام في الاخرة يكفي انه ورد بما مضمونه  لن يخلد في جهنم موحد ,وان الله يغفر جميع الاشياء ما سوى الشرك بمعنى ان التوحيد هواكبر حسنة لاتضر معها سيئة وان الانسان الموحد له كرامة من الله ,لانه استطاع ان يؤمن بالحقيقة المطلقة دون تشويه ودون تاثر رغم كثرة الشبهات والشرك والمشركين وبهذا نكتفي ومن اراد المزيد فعليه بكتب التفسير والحديث والعقائد فانها مشسحونة بهذه الاثار المهمة وننتقل الى البعد الاخر وهو اثر التوحيد في البعد الاجتماعي

الاثار الاجتماعية :

اثر التوحيد في البعد الاجتماعي :يسري التوحيد في جميع المعارف فلو اختصرناها لكانت التوحيد ,ولو فصلناه لكانت هي .فهو شجرة مثمرة اصلها اصول الدين واغصانها الفروع والثمرات هي الاخلاق ,حيث ورد ان النبي ص قال (انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق ) ([12])

في عين انه جاء لارساء التوحيد وبيانه ضد الشرك المستشري في الجزيرة العربية فالتوحيد ليست دعوة ذهنية مجردة ومسالة فلسفية وكلامية تبحث في الكتب ,بل هي قضية عالمية انسانية ومشروع السماء الابدي والحل الامثل لجميع المشاكل الفكرية والعملية بشرط ان تفهم فهما صحيحا انسانيا لا فهما مغلوطا تستباح به الدماء والاعراض والبلدان كما فعلت الوهابية والحركات الارهابية

الثمرات المترتبة في البعد الاجتماعي

اولا : الامة الواحدة :

قال تعالى وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ  ([13])

.والمقصود بالامة هنا كما يذهب العلامة الطباطبائي هي عموم النوع الانساني الذين خلقهم الله قال في الميزان قوله تعالى: "إن هذه أمتكم أمة واحدة و أنا ربكم فاعبدون" - الأمة جماعة يجمعها مقصد واحد، و الخطاب في الآية على ما يشهد به سياق الآيات - خطاب عام يشمل جميع الأفراد المكلفين من الإنسان، و المراد بالأمة النوع الإنساني الذي هو نوع واحد، و تأنيث الإشارة في قوله "هذه أمتكم" لتأنيث الخبر.

و المعنى: أن هذا النوع الإنساني أمتكم معشر البشر و هي أمة واحدة و أنا - الله الواحد عز اسمه - ربكم إذ ملكتكم و دبرت أمركم فاعبدوني لا غير.

و في قوله: "أمة واحدة" إشارة إلى حجة الخطاب بالعبادة لله سبحانه فإن النوع الإنساني لما كان نوعا واحدا و أمة واحدة ذات مقصد واحد و هو سعادة الحياة الإنسانية لم يكن له إلا رب واحد إذ الربوبية و الألوهية ليست من المناصب التشريفية الوضعية حتى يختار الإنسان منها لنفسه ما يشاء و كم يشاء و كيف يشاء بل هي مبدئية تكوينية لتدبير أمره، و الإنسان حقيقة نوعية واحدة، و النظام الجاري في تدبير أمره نظام واحد متصل مرتبط بعض، أجزائه ببعض و نظام التدبير الواحد لا يقوم به إلا مدبر واحد فلا معنى لأن يختلف الإنسان في أمر الربوبية فيتخذ بعضهم ربا غير ما يتخذه الآخر أو يسلك قوم في عبادته غير ما يسلكه الآخرون فالإنسان نوع واحد يجب أن يتخذ ربا واحدا هو رب بحقيقة الربوبية ([14])

 

وفي هذا اخراج للانسان من العبودية عبودية الانسان لاخيه الانسان او عبودية للاصنام ,فالجميع هنا متساوون ويمثل التوحيد المرجعية الحقوقية التي يرجع اليها الجميع في ارساء الحقوق للنوع الانساني ,فما داموا لهم ربا واحدا فلما يتسلط بعضهم على بعض ,وماداموا امة واحدة وربهم واحدا لما يتفرقوا احزابا وشيعا , لذا دعوة التوحيد دعوة للالفة والاخوة والمحبة لان الناس تحت مفهومه كاسنان المشط,لافضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُم)([15])

 

ومن هذا تترتب حقوق كثيرة وثمار عدة من اهمها 1:.تساوي النوع الانساني بالكرامة الانسانية المجردة (ولقد كرمنا بني ادم )([16])

 فالجميع متساوون لا فرد اعلى من فرد ولاقومية اقدس من قومية ولا شعب اعلى من شعب ,وبذلك حل لجميع النعرات الطائفية والقومية واطفاء لالاف الحرائق والحروب الهتلرية القائمة على اساس تفوق عنصر

2.ان الناس احرار فكريا فربهم اعطاهم عقلا واحدا والجميع له اهلية التفكير ,ولن يوصلهم العقل الا للمعرفة والعلم اللذان هما اساس التوحيد

3.ان التوحيد حقيقة عالمية ابدية لاتتصادم مع عقل ولا علم ولامنطق وهي صالحة لجميع النوع الانساني شرقا وغربا ماضيا وحاضرا ,وانها اذاغابت فقد تم فتح الباب واسعا لاستغلال الانسان لاخيه الانسان وتمت انواع العبودية والسيطرة لان الانسان الموحد ذو كرامة (فاولياؤه بعزته يعتزون )([17])

 لذا مايقال من تصادم التوحيد مع حرية الشعوب ومع العلم والتطور والتقدم انما منشؤه الجهل وعدم فهم هذه الحقيقة الفطرية الانسانية (فطرة الله التي فطر الناس عليها )([18])

ثانيا  :تحرير البشرية من القهر والاستبداد :

جاء في التراث الاسلامي في واقعة القادسية ان المسلمين بعثوا الى رستم ملك الفرس صحابيا فكان هذا الحوار ,جاء في البداية والنهاية قالوا: ثم بعث إليه سعد رسولا آخر بطلبه، وهو ربعي بن عامر، فدخل عليه وقد زينوا مجلسه بالنمارق المذهبة، والزرابي الحرير، وأظهر اليواقيت، واللآلئ الثمينة والزينة العظيمة، وعليه تاجه وغير ذلك من الأمتعة الثمينة، وقد جلس على سرير من ذهب، ودخل ربعي بثياب صفيقة وسيف وترس وفرس قصيرة، ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل وعليه سلاحه ودرعه وبيضته على رأسه.

فقالوا له: ضع سلاحك.

فقال: إني لم آتكم، وإنما جئتكم حين دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت.

فقال رستم: ائذنوا له فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فحرق عامتها.

فقالوا له: ما جاء بكم؟

فقال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لتدعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبدا حتى نفضي إلى موعود الله([19])

فالتوحيد في ذهن الصحابة هو دعوة تحررلا عبودية ,ولكن هذا ماتم الانحراف عنه بعد ذلك حتى داخل المجتمع الاسلامي حيث اصبح الخليفة قيصرا اخرا, ورستما ثانيا ياخذ البيعة بالغصب والعدوان تحت يافطة التوحيد وهذا مايريد ان تنشره ايضا في العصر الحديث جماعات العنف والارهاب فيستعبدون الانسان مرة اخرى ويسترقون النساء تحت شعار لااله الا الله ,مع اننا عرفنا انها قرانيا دعوة انسانية وتاريخيا في زمن النبي ص حركة جهادية ضد الظلم  والطغيان

 ثالثا  : كلمة سواء بين الاديان السماوية :

قال تعالى :قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) ([20])

الاديان السماوية الثلاثة وهي (الاسلام واليهودية والمسيحية)ممن يشتركون بالايمان بالله والغيب والوحي والملائكة والمعاد الذين يشتركون بالاصول الثلاثة التوحيد والنبوة والمعاد ,لابد ان تكون بينهم كلمة سواء وهي كلمة التوحيد (الا نعبد الا الله) وان يبتعدوا عن ربوبية البشر التوحيد العملي بعد ان امنوا بالتوحيد النظري ,ولقد احترمهم الاسلام دين التوحيد وسماهم اهل الكتاب وجعل لهم حقوقا  خاصة وامن بالحوار معهم قال تعالى (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون  ([21])

فالحوار ينطلق من كونهم لهم نفس الاله الذي يؤمن به المسلمون ,مما يجعل ضرورة الانفتاح عليهم ملحة ومهمة وهذا يسهل عملية الالتئام الانساني تحت راية التوحيد ,ولو نظنرنا الى المجتمع الانساني وجدناه مقسم تقريبا الى هذه الاديان الثلاثة ولكن مما يؤسف انها تعيش القطيعة بل الحروب احيانا مثل الحروب الصليبية قديما او كما يروج له الغرب وخصوصا الادارة الامريكية حول الصراع المسيحي الاسلامي ,وكذلك قضية فلسطين والصراع اليهودي الاسلامي عليها , اننا اليوم بحاجة ملحة ان يتم التذكير بالكلمة السواء خصوصا مع تعملق الكلمات الاخرى في قبالها ,كلمات المادية والمصلحة والالحاد والابتعاد عن الله , ومشروع كلمة سواء هو مشروع روحي وثقافي وانساني واجتماعي وفيه صبغة سياسية حيث يمكن ان يحيي المشتركات المغيبة التي لها القدرة على انقاذ المجتمع الانساني برمته من الحروب والالحاد والعدمية انه قاعدة مشتركة للعمل الالهي والانساني ومنه تتفرع ملايين المشاريع وترسى للانسانية قواعد العيش المشترك

ويبقى سؤال مهما لابد من الاجابة عليه , ماهو حال باقي الاديان الاخرى غير الاديان التوحيدية مثل البوذية وغيرها ,فنقول انهم يطلبون الحقيقة المطلقة وينشدون الله وان اختلفت التسمية والقران والاسلام دين الحوار والانفتاح على الاخر (ادعو الى سبيل ربك بالحكمة والموعطة الحسنة)([22])

 فهذه الاديان تطلب الروحانية في قبال المادية والتوحيد جذره هذه المسالة لذا يمكن الانفتاح ايضا على هؤلاء وبذلك تجتمع البشرية جميعا وقد توضح سابقا ان الامة في خطاب امتكم واحدة هي الامة الانسانية جميعا مما يشمل جميع افراد النوع الإنساني

رابعا : وحدة الامة الاسلامية :

 

اذا كنا لانتوقع من الامة الانسانية والاديان التوحيدية التوحد تحت شعار التوحيد فان الامل معقود على توحد امة الاسلام على هذه الكلمة بعد الايمان بها صراحة وبعد ان امنوا بلوازمها من نبي واحد وكتاب واحد وقبلة واحدة ومصير واحد ,لذا جاء الخطاب القراني والروايات الشريفة مبينةلهذا الاثر الواضح للتوحيد وشارحة له ,بل محذرة من مغبة الفرقة تحت الدين الواحد قال تعالى (وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم  تتقون ([23])

اذن الوحدة وعدم التفرقة وصية الهية وهي مرتبطة بالتقوى ونستطيع ان نقول ان امة التقوى امة واحدة غير متفرقة ,ثم نجد ان القران حينما ياتي لمسالة الشيع والفرق نجده يذمها ذما شديدا ,قال تعالى (ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ([24])


وقضية الفرقة قضية قديمة وقعت بين الامم والمقصود من الفرقة هنا هو الفرقة العملية التقاطع والتقاتل والحروب ,وايضا الفرقة النظرية التي توصل الى التكفير والتبديع والشقاق ,اما الاختلاف الفكري والمذهبي القائم على الدليل فهو من جوهر الانسانية ودعوة التوحيد ليس ضد الاختلاف الفكري الذي ينوع الفكر ويجمله بل الاختلاف الذي يعود الى قواعد الفكر والمنطق حقيقة قائمة والتنوع الوجودي نابع من الاله الواحد الذي برحمته خلق الوجود متنوعا (كثرة في عين الوحدة) فما نراه من الضيق بالاخر المختلف انما هو عدم فهم لحقيقة التوحيد وقد جاء في القران الكريم ايات كثيرة تؤكد على التنوع والاختلاف الايجابي نكتفي باية منها قال تعالى (ومن اياته خلق السموات والارض واختلاف السنتكم والوانكم ان في ذلك لايات للعالمين )([25])

 

وجعلٌ الاختلاف اية وربطها بالعلم حقيقة قرانية مهمة ترسي قواعد الاختلاف ونتركها الى مناسبة اخرى

وفي هذا الهدف العطيم اقول لابد من مراجعة الامة الاسلامية نفسها جيدا لتقيس نفسها من خلاله وتعرف كيف تفرقت وتبددت واصبح ريحها ضعيفا ,بل اننا اليوم نعيش ازمات حقيقية في داخل الامة الاسلامية واهمها الفرقة المذهبية والتكفير الطائفي ,والامر ينذر بحرب كارثية تخسر فيها الامة ككل ويربح فيها الاعداء ,لذا وجب على المخلصين من السنة والشيعة ممن امنوا بالوحدة والخطاب القراني الواسع وكرهوا الخطاب التكفيري الضيق ان يتكاتفوا سوية ويعملوا لاجل ارساء هذا الهدف العطيم , من خلال الكتب والندوات والفتاوى الصريحة باسلام وايمان الطرفين بل المبادرات العملية من خلال التزاور وتنشيط المؤتمر الاسلامي وكثرة اللقاءات والوقوف صفا واحدا خلف راية التوحيد , انه التوحيد العملي والاجتماعي الذي ارسى دعائمه القران والنبي ص واهل البيت ع ,ومافائدة ايمان الامة برب واحد وهي طرائق قددا وكل حزب بما لديهم فرحون .

 خامسا  :تجلي الاثار المعنوية والمادية في عالم التكوين :

قال تعالى (ولو ان اهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض )([26])

وقال تعالى (ولو انهم اقاموا التوراة والانجيل وما انزل اليهم من ربهم لاكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم)([27])

 

قال العلامة الطباطبائي في تفسير الميزن قوله تعالى: " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات " إلى آخر الآية. البركات أنواع الخير الكثير ربما يبتلي  الانسان بفقده كالأمن والرخاء والصحة والمال والأولاد وغير ذلك.
وقوله: " لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض " فيه استعارة بالكناية فقد شبهت البركات بمجاري تجري منها عليهم كل ما يتنعمون به من نعم الله لكنها سدت دونهم فلا يجري عليهم منها شئ لكنهم لو آمنوا واتقوا لفتحها الله سبحانه فجرى عليهم منها بركات السماء من الأمطار والثلوج والحر والبرد وغير ذلك كل في موقعه وبالمقدار النافع منه، وبركات الأرض من النبات والفواكه والامن وغيرها ففي الكلام استعارة المجاري للبركات ثم ذكر بعض لوازمه وآثاره وهو الفتح للمستعار له.
وفي قوله: " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا " الآية دلالة على أن افتتاح أبواب البركات مسبب لايمان أهل القرى جميعا وتقواهم أي أن ذلك من آثار إيمان النوع الانساني وتقواه لا إيمان البعض وتقواه فإن إيمان البعض وتقواه لا ينفك عن كفر البعض الآخر وفسقه، ومع ذلك لا يرتفع سبب الفساد وهو واضح ([28])

 

وهذا يدفع مايقال عن عدم ظهور الاثار مع وجود الايمان لان العلامة يقول هذا اثر عام للنوع الانساني وليس فرديا , من هنا نعرف سبب تخلف البشرية عن الحصول على عموم هذه الاثار ولعل المستقبل البشري يحمل هذه القضية ويكون محل تحققها ,وبهذا نعرف سر الترابط بين البعد النظري والعملي ,وظاهر العالم وباطن الانسان ,وهي علاقة عكسية ايضا فالايمان سبب للصلاح والكفر والجحود سبب للفساد قال تعالى (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون )([29])

 

فالتوحيد هو العلاقة التي تحكم الانسان بخالقه وتحكم علاقة النوع الانساني عبرالوحدة الانسانية والدينية ,وتحكم العلاقة بالكون والوجود باسره وتظهر ثمارها في عموم عالم الخلقة وهذا هو الدين الفطري الحق الذي قال عنه الله (فطرةالله التي فطر الناس عليها لاتبديل لخلق الله)([30])

ونحن نعرف ان اي تبديل انما يؤدي الى التشويه ,لذا ابتعاد الانسان عن التوحيد يجعل النتائج الكارثية تتجلى في عموم الخلقة

وبهذا ننتهي   الى نتائج مهمة في هذا الصعيد علينا ان نهتم بها ونبرزها ثقافيا لانهاترتبط بالمصير الانساني والكوني عموما ,وتبقى الاثار المتصورة والمبثوثة في القران والسنة كثيرة لكننا نكتفي بهذا الايجاز ونتركها الى فطنة القارى اللبيب وصلى الله على محمد واله الطاهرين

 

 

 

 

 

 



([1] )الاعراف 99

([2] )البقرة 30

([3] )الجاثية 33

([4] )الزمر 29

([5] )الميزان ج 17 ص185

([6] )الانعام 82

([7] )الكهف 11

([8] )الحديد25

([9] )الرعد25

([10] )ابن عربي الرسائل ص133

([11] )الزخرف 36

([12] )مسند احمد

([13] )المؤمنون 52

([14] )الميزان ج15 ص35

([15] )الحجرات 13

([16] )الاسراء70

([17] )الامام الحسين ع دعاء عرفة

([18] )الروم 30

([19] )البداية والنهاية ج 7 غزوة القادسية

([20] )ال عمران 46

([21] )العنكبوت 46

([22] )النحل 125

([23] )الانعام 153

([24] )الانعام 159

([25] )الروم 22

([26] )الاعراف 96

([27] )المائدة 66

([28] )الميزان ج8 ص 201

([29] )الروم 41

([30] )الروم 30

Powered by Vivvo CMS v4.7