ركائز العقيدة الإسلامية
بقلم: الشيخ عبد الحكيم الخُزاعي
أولا :العقلانية ، بمعنى قيام الدليل على كل معتقد أساسي فيها فاصل إثبات الخالق هناك أدلة ، التوحيد له أدلة ، كالنبوة عليها أدلة وهكذا الإمامة والمعاد ، بينما نجد بعض العقائد والأديان تنادي بعدم عقلانية عقائدها ، التثليث في المسيحية حيث رفع القساوسة شعار (آمن ثم فكر وليس فكر ثم آمن )؛ومع شديد الأسف نجد بعض التيارات الفكرية التي رفعت نفس الشعار وقالت مباينة العقل للدين الإسلامي أيضا ولعلها تأثرت بالفكر المسيحي أو لعلها وجدت نصوصها الخاصة بها والتي انفردت فيها مثل روايات التجسيم وغيرها لا تتماشى مع العقل فلاجل الحفاظ على النقل الصحيح برأيها تنازلت عن العقل ، والحقيقة أي تنازل عن العقل هو تنازل عن الدين أيضا ، لأن العقل مثبت ومفسر وهو مع الدين في علاقة وطيدة جدا، ونحن هنا لانريد أن نقول بعقلانية كل ما موجود عند فرق المسلمين ، بل مما لاشك فيه أن هناك عقائد عند بعض الفرق مما ثبت بطلانها ، كعقيدة الجبر ، أو عدم عصمة الأنبياء ، أو فعل القبيح يمكن أن يصدر من الله ، وغيرها من العقائد التي ثبت بالدليل العقلي والنقلي بطلانها ، بل نقول أصل العقيدة مما أجمع عليه المسلمون التوحيد ونبوة الأنبياء والمعاد ، أو ما اختلفوا فيه وكان عليه دليل عقلي مثل العدل والإمامة ، أما ما اختلفوا فيه ولم يقم عليه دليل فإنه ليس عقليا ولا يعتبر من أمهات الأصول الاعتقادية الإسلامية
ثانيا :الفطرية بمعنى رغم أن العقيدة عقلية ولكنها ليست جافة أو تنافي الفطرة والبساطة فهي في الوقت الذي تكون عميقة هي بسيطة أيضا تتماشى مع فطرة الإنسان وضميره وروحه ، بعكس النظام الفلسفي لأي مدرسة ما ، عادة وفي الغالب تكون معقدة صعبة فيها الاصطلاح غالب على المضمون ، لذا تبقى مغلقة على البعض ولا تنتشر بل لايفهمها إلا القلة ، لذا قد أقيم هذا الدين على الفطرة (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم )فكل أمر ديني فطري وهكذا الفطرة برزت في الدين الإسلامي على شكل دين ونص ، فهي الدين بالإجمال وهو الفطرة بالتفصيل ،
ثالثا :الشمولية بمعنى أن العقيدة تستوعب تفاصيل وجود الإنسان من المبدأ حتى المعاد وترسم له الطريق عبر خط النبوة والإمامة ، فنظرة الإنسان المؤمن نظرة شمولية شاملة لعالم الدنيا والآخرة وما قبل الدنيا ، فهو ليس منفصلا عن الوجود بل يقيم علاقة معه على أساس التوحيد ، والرسالة والخلافة الإلهية والأعمار ، فليس هو منفصلا أو يشعر بغربة أو لا يعرف معنى وجوده أو لايعرف لما هذا الكون كبيرا واسعا كما تعطي الفلسفات الحديثة هذا التفسير ، فهو يعرف أن كل شيء إنما هو تجلي الأسماء والصفات الإلهية. .
رابعا :وبحسب النقطة السابقة والأولى والثانية أيضا فهي عقيدة باقية أبدية متماشية مع العصر والعلم بعكس بعض العقائد التي تقاطعت مع العصر ، فأما تنازلت عنه أو تنازلت عن ثوابتها الواضحة ، فما دامت عقلانية فطرية شمولية فهذا يعني صلاحيتها للإنسان بما هو إنسان بغض النظر عن زمانه ومكانه وعصره وثقافته ، وهذا يعني أنها الحل كعقيدة لتصورات الإنسان ورؤيته ، وأيضا هي لا تتقاطع مع تقدم العصر وتطوره وعلومه وحرية الإنسان الملتزمة ، بقيم الدين الروحية بعيدا عن الضياع والعدمية ، فهي تعطي حلولا جاهزة واضحة لمعنى الإنسان عبر ربطه بالسماء وهدف عظيم ، فلايبقى ضائعا ورهينا للتصورات الأخرى العدمية ، وأيضا لا تتقاطع مع تقدم الفلسفة والفكر والمنطق والعلوم الإنسانية مادامت تريد خدمة الإنسان والحياة والمضي بالحياة الإنسانية إلى الأمام، فهي مع كونها ثابتة لكنها قابلة للفهم في كل زمان ، لانها تعبر عن نظام الوجود الأكمل ونظام الأسباب والمسببات الذي هو ثابت في كل زمن ومكان ، لذا لا تقاطع فيها مع الفلسفة الصحيحة اتحاد المعقول مع المنقول ، ولا تقاطع مع الضمير والفطرة اتحاد المنقول مع الباطن والكشف الصحيح ، ولا تقاطع مع المعلوم بالعلم التجريبي ، بل هي مع تطور الإنسان ، ومع اكتشافه الطبيعة لكن تحت كليات العقل والفطرة والدين وبقاء الكوكب صالحا للعيش الإنساني وباقي أشكال الحياة. ..
خامسا :وهي وإن كانت نفس النقطة السابقة لكن بلغة القرآن أنها (الخاتمية)لا بمعنى ما تصوره البعض انتهاء عصر التشريع وسيطرة العقل المحض ، بل بمعنى أنها ختمت التشريع السماوي بمعنى عدم وجود تشريع مستقبلي آخر ، بل كل قطع الزمان الآتية اما تحت إطار الاجتهاد الإسلامي ، في زمن الغيبة ، أو تحت إطار التأويل الصحيح زمن الظهور ، فليس هناك وصفة جديدة غير ما نزلت ، ولو جاءت مشكلة فكرية عقائدية الحل موجود فيها ، ولو تصورنا نبيا جديدا فإنه لن يأتي بغير ما موجود من تصور عقائدي صحيح ، والسماء إنما ترسل الأنبياء كما يرى بعض المفكرين وتجدد النبوات إذا كان التوحيد لم يتم اكتماله تصوريا ولو على مستوى الرسالات لأنها تتماشى مع الزمن وقد كانت الشعوب بسيطة نسبيا ، فلما اكتمل البيان العقائدي والتشريعي (اليوم أكملت لكم دينكم )انتهى مبرر تجديد النبوات ، نعم الفهم والاجتهاد والتأويل والتطوير مع كل زمن هو سر خلود هذه العقيدة والشريعة لذا هي خالدة خاتمة. …
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين