السلم الأهلي والاجتماعي من مباديء الدين الحنيف
الحلقة الاولى.
بقلم الشيخ حكيم الخُزاعي
من المبادئ الأساسية للدين هو إرساء السلام الخارجي والسلام الداخلي للإنسان ، لأن الدين إنما يُمارس في ظل مجتمع وكيف يتحقق ذلك في وسط كله رعبٌ وخوف وإرهاب ، لذا أمر الله نبيه بالهجرة إلى الحبشة مع أن ملكها على غير دين الإسلام ، حتى يتعبد المسلم في جو تسوده الطمأنينة والأمان ، وينطلق إلى الله من منطلق الأمان وليس الخوف والرعب لذا من الأدعية التي يواضب عليها المؤمنون هو (اللهم ارزقنا الأمن والأمان ) ومن اجل تقرير هذا المبدأ وجعله عمليا في الواقع قرر الإسلام عدة قضايا تشريعية مهمة منها إجرائية عملية تدخل في باب القضاء أو باب القوة ، ومنها تدخل في باب الثقافة وبناء المجتمع الصالح
ومن أهم القضايا الإجرائية
أولاً:حرمة قتل النفس الإنسانية بما هي نفس وهي قضية محرمة ويعاقب عليها القانون الإسلامي وهذا مبدأ عام في القرآن الكريم ، قال الله تعالى (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا).فهنا النفس نكرة تفيد العموم ، وما استثني أيضا قضية عامة وهي القتل بالقتل اي القصاص ، والفساد في الأرض ، وهذا يعني مبدأ عاما يمكن أن تستفيد منه القوانين والتشريعات والدساتير ، وقد وردت أحاديث عن النبي ص وأهل البيت في حرمة النفس الإنسانية نذكر منها حديثا واحدا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ، ما لم يصب دما حراما "
ثانياً:مبدأ القصاص ، فإذا لم يُحترم الدم الإنساني عندها يأتي مبدأ ثاني وضعه الإسلام لأجل إرساء السلم والأمن الاجتماعيين ، وهو مبدأ القصاص قال الله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب )أو يعفو أهل المقتول ويقبلون بالدية ، فقتل الإنسان ينبغي أن لايمر مرور الكرام ، والقصاص مبدأ إنساني عام لذا نجد جميع الشعوب تضع للقتل وغيره حدودا وتعزيرات وقوانين تعالج ذلك ، و انفرد الإسلام بحدود خاصة به ، لكنه في القتل أعطى لولي الدم الحق في القصاص ، حتى يستقر الوضع الاجتماعي ولا تمتد اليد إلى إلى غير القاتل ، وتكون فتنة وفساد كبير..
ثالثا ً:مبدأ حرمة الفتنة بين الناس سواء في دينهم أو غير ذلك من أسباب قال تعالى (والفتنة أشد من القتل )لأنها تفتن عموم الناس ، وتستبيح الدماء والأعراض والأموال ، ويذهب الأبرياء قبل غيرهم ، ومن آخطر أنواعها الفتنة الطائفية بين أهل الدين الواحد ، أو الفتنة بين نفس أهل المذهب الواحد بسبب الاختلاف والتوجهات ، وهكذا الفتنة بسبب الانتماء القومي أو العرقي أو المناطقي أو العشائري ، فكل هذه تدخل تحت مفهوم الفتنة المنهي عنها في القرآن ، ولقد حذر الرسول ص وأهل البيت من الفتن ، اوصوا الإنسان بوصايا ينبغي أفراد بحثا خاصا عنها ، لكن كاشارة قال أمير المؤمنين (كن في الفتنة كابن اللبون لا ضرع فيحلب ولا ظهر فيركب).
رابعاً:حرمة البغي ، وهو أن تبغي طائفة من المسلمين على غيرها ، بلا وجه حق ، لذا قال القرآن الكريم ((وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )) فقد أمر القرآن بقتال أهل البغي ، كالخوارج لأنهم يخرجون على القانون والدولة بالقوة يريدون الفساد والقتل والدمار ، ومثلهم خوارج العصر من جماعات العنف والدماء ، ومع ذلك لم يلغ الله صوت الإصلاح بل قال إذا رجعوا اصلحوا بينهم ، وهذا مبدأ إنساني عام فإننا نجد جميع الدول تقاتل من يخرج على الناس ويرهبهم ويستبيح دمائهم بغير الحق ، بل مع وصفهم بالإيمان فقد أمر بقتالهم ، لأن الإيمان بالله قد يجتمع مع العدوان على الناس ، أو أن الإيمان قد زال عنهم ببغيهم.
هذه بعض الإجراءات المهمة التي أقرها الإسلام لأجل الحفاظ على مبدأ السلم والأمن الاجتماعيين ، فهو لايسمح بالفوضى والعنف وهدم المجتمعات ابدا