هل أفعال الله معللة بالغايات وهل لله غاية في خلقه ؟ كثرت الأسئلة حول هذا الموضوع مؤخرا وقد اجبنا عن ذلك مختصرا
بقلم: الشيخ عبد الحكيم الخُزاعي
من ناحية أن أفعال الله معللة بالغايات أو لا ،توجد ثلاثة اتجاهات
الاتجاه الأول :وهو كلامي يعود للأشاعرة حيث قالوا ان أفعال الله غير معللة بالغايات لأن الغاية معناها استكمال الفاعل بفعله لذا لا يقال هناك غاية اصلا بل هو يفعل ما يريد فالسؤال هنا منتفي اصلا.
الاتجاه الثاني : وهو أيضا كلامي قالت به العدلية وهم الإمامية والمعتزلة ، فقالوا لايمكن أن يصدر الفعل الإلهي بلا غاية لأنه معناه فاعل بالعبث وهذا منتفي عنه لأنه حكيم بالحكمة المطلقة؛ فإذا تقرر هذا الأصل نقول هو قال خلقت الخلق للعبادة (غاية الخلق هي العبادة) .والغاية هنا لايستكمل بها الفاعل وهو الله بل يستكمل بها الإنسان ..لذا ردوا على الأشاعرة وقالوا هناك غاية للفاعل وهذا في الفواعل المستكملة مثل الإنسان أما الفاعل الكامل من جميع الجهات تام الفاعلية ذاتا وصفاتا فإنه لا يستكمل بفعله ابدا ، نعم يبقى سؤال لماذا خلق الخلق اصلا نقول لأنه تام الفاعلية تام الجود والفيض والكرم ، فإذا كان الشي قابلا للوجود مثل الإنسان والخالق تام العطاء والفيض لا يبقى مبرر لعدم خلق الإنسان غير البخل وهو غني ليس فيه أي بخل
الاتجاه الثالث :وهو اتجاه الفلسفة الإسلامية وهو اتجاه عميق دقيق يحتاج مقدمات كثيرة صعبة لكن نقول بعد التوكل على الله. إن الغاية منتفية عنه لكن ليس بالمعنى الأشعري لاغاية لفعله بل هناك غاية لكن الغاية ليست خارجة عنه بل هو غاية الغايات كما قيل غاية الغايات هو الرجوع إلى البدايات ، فهنا تتحد العلة الفاعلية مع العلة الغائية ، فهو الفاعل وهو الغاية وليس أنه توجد غاية وراءه أوجد الخلق لها ، فلا توجد غاية غيره نعم لكل فعل غاية خاصة وهذا ما اثبتوه ولكن الغاية الكلية للوجود هو نفس الله سبحانه وتعالى. .
فإذا تقرر ذلك نقول بما أن هناك غاية وهي العبادة ولكن بمعناها العام وهو غني عن الغاية بل راجعة للفعل لنفس الناس ، والعبادة بمعناها العام تشمل ثلاثة أشياء خط العبادة الخاص وهي الصلاة والصوم وغيرها من العبادات ، والبعض يتصور أن الخلق لهذه العبادات الخاصة وهذا خطأ هي بعض الغاية لا كل الغاية ، وهناك خط العبادة العام وهو يشمل جميع موارد الخير والبر والتقوى ، خط علاقة الإنسان بأخيه الإنسان ، وخط علاقة الإنسان بالطبيعة ، علاقة الإنسان بالإنسان عبر الأخوة والعدل والحق ، وعلاقته بالطبيعة عبر الاعمار ،
وإذا كان البشر ينقادون في هذه الغاية لخط القيادة المعبر عنه بالقرآن (الشهادة )كان النبي ص وأهل البيت على رأس هؤلاء ، فهم علة غائية أيضا وليس علة فاعلية ، الفاعل هو الله لاغير وهم غاية من غايات الخلق العظيم ، فبهم يُكشف عن الغاية النهائية الأخيرة ، والغاية هي المعرفة حيث فسر الإمام ليعبدون ب ليعرفون بالمعرفة والعلم والتخلق بالأخلاق الإلهية ووراثة الأسماء وعلم آدم الأسماء كلها هي الغاية الأخيرة التي توصلنا إلى الله الذي هو غاية الغايات ، لذا ارتبطنا بهم حيث هم أدلاء على هذا الطريق العظيم.
نعم بقي اتجاه يقول هناك غاية وحكمة لكن بما انها حكمة الله وهي لا متناهية فلا يمكن للعقل الإنساني أصلا أن يعرفها ، وماظهر هو بعض المصالح لعملية الخلق ، ومهما تطور الإنسان يبقى عاجزا عن فهم غايات الله لأن المتناهي لا يدرك اللامتناهي ، وهنا هو الرسوخ في العلم واليقين حيث يعترف الإنسان بجهله لقوله تعالى (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء )واذا لم نعرف الحكمة النهائية للخلق لا يضر ما دمنا نعرف بعض الغايات المهمة التي جاءت عبر الكتب المقدسة والتي أجملها القرآن بقوله الغاية هي العبادة .
ويبقى سؤال مهم أيضا تم طرحه وهو كيف يمكن أن نعرف الغاية فنقول :
توجد أيضا اتجاهات في ذلك
الاتجاه الأول :الاتجاه الذي يستند على النص فقط وهو الاتجاه الاخباري فنحن نعرف غايات الله من خلال أنبيائه لاغير وعن طريق النص فقط
الاتجاه الثاني :هو الاتجاه الكلامي الذي يستكشف ذلك من خلال العقل +النقل فالعقل هنا يفسر وله نوع من الكشف في الضروريات
الاتجاه الثالث: الاتجاه الباطني القلبي العرفاني والذي يرى النصوص ظواهر تكشف عن بواطن وهذا الباطن إنما يأتي من خلال الكشف والشهود وتصفية الباطن فنحن نعرف غايات الله ومراده من خلال الكشف فقط والنص طريق موصل
الاتجاه الرابع :الاتجاه الفلسفي الذي يرى الحجية في ذلك للعقل فهو الكاشف التام وهو الحجة الأساسية فمن خلال دراسة نظام الوجود بالعقل عن طريق البرهان فقط تنكشف تلك المرادات وتتجلى للإنسان وقد يساعده النص على ذلك إذا وافق العقل
أما الاتجاه الخامس: فهو الاتجاه التكاملي الذي يجمع بين معطيات النص لأنه حجة وكاشف عن تلك المرادات ، وأيضا براهين العقل وبين أيضا معطيات الكشف والشهود اذا ساعدها البرهان ، فمن خلال الجمع بين هذه الروافد المتعددة للإنسان (عقل ، نقل ،قلب )نعرف مرادات الله وغاياته في الخلق ، وإذا عطلنا حاسة من الحواس وطريقا من طرق المعرفة فإننا نخسر معرفة بقدرها فإن من فقد حسا فقد علما. .
لذا على الإنسان أن يتأمل بعقله وإن يطالع النصوص وأن يزكي نفسه حتى يتطهر ويحاذي وجهه شطر الحق عندها تنكشف له الحقائق ويعرف غاية خلقه وغاية الآخرين وغاية الوجود عامة
والحمد لله رب العالمين.