تغيير القدر درس رمضاني
بقلم: الشيخ عبد الحكيم الخًزاعي
يربط البعض بين فكرة تخلف المسلمين وبين عقيدة القدر ، باعتبار أن القدر معناه عدم إمكان تغيير قدر الإنسان لأن كل شيء مكتوبا منذ الازل ، بالتالي لما يكدح ويتعب الإنسان بل عليه الإستسلام كليا لفكرة القدر.
لكننا نقول ان مفهوم القدر مفهوما أساسيا بل له مدخلية في تطور الإنسان وتغيره وهو ليس ضد المسؤولية وضد التفكير بالتغيير ، والا لما كلف الله الإنسان بذلك ودعاه إلى التغيير مع أنه هو نفسه واضع القدر لذا سنبين كيف يمكن أن نفس فكرة القدر فكرة تغييرية وليست فقط فكرة تفسيرية للكون والحياة، وذلك عبر أمرين
اولا:فكرة ليلة القدر أنها تدعو الإنسان أن يعبد الله فيها ويتامل فيها بل ويطلب العلم حتى ، فهي خير من ألف شهر ، بمعنى يمكن أن تغير مصير الإنسان بما يقابل هذه الفترة ، وقد ورد ذلك في الروايات انها فيها تقدر الأرزاق وغيرها ، بل فيها من كل أمر يرتبط بحياة الإنسان ، وكما قلنا في مقال آخر فكرة الشهر كلها فكرة تغيير ومن أهم ليالي الشهر هي ليلة القدر التي تغير قدر الإنسان، علينا ان ننظر إلى هذه الليلة بهذا العمق ، وأن ننظر إلى العبادات بهذه الكيفية وليست فقط نظرة كمية ، ولاننسى تلك اللحظات التي غيرت الكثير من البشر ، مثل حركة الحر الرياحي ، لاشك أن الله يريد منا أن نقف في هذه الليلة وقفة تأمل وتفكر وإرادة بحيث نغير قدرنا نحو الأحسن ، مع الأخذ بالاعتبار أن عنوانها هو (القدر )
ثانيا :فكرة البداء الذي يتعلق بلوح المحو والإثبات بينما الأقدار النهائية مكتوبة في اللوح المحفوظ ، وقد ورد عن أهل البيت عليهم السلام (ما عبد الله بمثل البداء )واذا كان البداء معناه القدر المشروط ، مثلا يموت فلان اذا لم يتصدق ، فإنه عند ذلك يكون المعنى ماعُبد الله بمثل تغيير قدر الإنسان إلى الأفضل ، وهذا معنى عميق جدا يجعل الإنسان في حركة دائمة مستمرة ، لذا الله سبحانه وتعالى يبين فكرة التغيير فيقول (لا يغير الله مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) فالتغيير الإلهي والقدر الإلهي النهائي متعلق أيضا بالإنسان ، وبهذا المعنى هو يصنع قدره وذاته ، وهو يعين شخصيته ونوعية مستقبله ، بل نوعية معاده في الآخرة ، كما يقول الفلاسفة علم الإنسان يعين روحه في الآخرة ، وعمله يعين بدنه في الآخرة ، فالصورة الملكوتية تكون وفق العلم والعمل ، وبهذا يتبين عمق فكرة القدر وأنها قضية إيمانية دافعة نحو المستقبل في الدنيا والآخرة ، وليس أنها فكرة سلبية تدعو للكسل والتخاذل ، نعم مما لاشك فيه بعض التفاسير الإسلامية جعلت الفكرة كذلك مثل عقيدة الجبر التي أفرغت الإنسان من محتواه كليا.
ثالثاً:مبدأ الأمر بين الأمرين ، حيث لاجبر محض فيكون الإنسان ريشة في مهب الريح ، ولا تفويض مطلق حيث يكون الإنسان هو المتحكم الوحيد في الأرض لذا يقول الله سبحانه وتعالى (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ )
ويقول الحق (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) ففي الأخير هناك الإرادة الإلهية الكلية التي خططت للوجود الإنساني عبر فلسفة التأريخ الإلهية حيث (العاقبة للمتقين )وأن الله يرث الأرض ومن عليها وأن الله يرث الأرض لعباده الصالحين والمستضعفين ، ومن دون هذا التخطيط الإلهي الكلي ، مع مبدأ الاختيار الإنساني ، لبقيت الأرض موضعا للمؤامرات الظالمة فقط ، ولكان المستقبل البشري بيد المخططات الشيطانية من الإنس والجن ، ولكن إرادة الله عبر القدر الإنساني نحو الخير تقود البشرية نحو العدل ومستقبل التطور والسلام والأخوة الإنسانية ولو بعد حين.
تبقى هناك أفكار أخرى في الدين تبطل نظرية أن فكرة القدر ضد التطور والتكامل الإنساني ولكن هذه الأفكار تكفي للإشارة لهذا الموضوع المهم ، ومن أهم تلك الأفكار انه مع فكرة القدر الإلهي لكن الله ابى للأمور إلا أن تجري بأسبابها ، فنظام الأسباب والمسببات هو الحاكم على نظام الوجود ، لذا القدر لايبطل سبب التقدم ، فكما أن الله هو الرزاق لايبطل فكرة السعي وطلب الرزق ، كذلك أن الله هو المقدر لايبطل السعي الإنساني نحو التكامل والتقدم.
والحمد لله رب العالمين