• Post on Facebook
  • Twitter
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

ما لله وما للهوى " بين الوحي والتلبيس والشبهة "

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1354
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
ما لله وما للهوى  " بين الوحي والتلبيس والشبهة "

بقلم الشيخ عماد مجوت العلياوي

 

بعيدا عن جدلية حقيقة الدين ، وعلاقته بالإنسان، ثبوتا وأثباتا، وحدودا، ومديات ، يشكل وجوده بعدا مقدسا عند جميع الناس المؤمنين به ، غير أن ذلك لا يعطي قدسية لكل ما يصور على أنه حق ؛ لوضوح أن التنافي بينها بل التناقض أحيانا يمنع التصديق بذلك .

  ومن هنا عبر القرآن الكريم عن حد فاصل بين دين وآخر :﴿قاتِلُوا الَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَلا بِاليَومِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسولُهُ وَلا يَدينونَ دينَ الحَقِّ مِنَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ حَتّى يُعطُوا الجِزيَةَ عَن يَدٍ وَهُم صاغِرونَ [التوبة: ٢٩]. 

 ففي قبال المنكر للمبدأ والمعاد "الَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَلا بِاليَومِ الآخِرِ "، جعل من " وَلا يُحَرِّمونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسولُهُ"،وصنف آخر هم من : " وَلا يَدينونَ دينَ الحَقِّ مِنَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ " .

 فمن لا يدين بدين الحق كمن مثله المنكر للمبدأ والمعاد، و غير المحرم لما حرمه الله تعالى ورسوله .

 ومن هنا جعل التأكيد في ثلاث آيات أن الظاهر في قادم الأيام هو الدين الحق دون سواه ﴿هُوَ الَّذي أَرسَلَ رَسولَهُ بِالهُدى وَدينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهيدًا﴾[الفتح: ٢٨] . وكذلك التوبة والصف .

 

وحقيقة الدين الحق ترتبط بكونها وحيانية منزهة عن الهوى، فما كان من الله تعالى ورسوله فهو دين حق ، وما سواه باطل وهوى ،قال تعالى :﴿فَلِذلِكَ فَادعُ وَاستَقِم كَما أُمِرتَ وَلا تَتَّبِع أَهواءَهُم وَقُل آمَنتُ بِما أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتابٍ وَأُمِرتُ لِأَعدِلَ بَينَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُم لَنا أَعمالُنا وَلَكُم أَعمالُكُم لا حُجَّةَ بَينَنا وَبَينَكُمُ اللَّهُ يَجمَعُ بَينَنا وَإِلَيهِ المَصيرُ﴾[الشورى: ١٥] .

ولا خير إلا فيما كان وحيانيا : ﴿وَلَو أَنَّهُم أَقامُوا التَّوراةَ وَالإِنجيلَ وَما أُنزِلَ إِلَيهِم مِن رَبِّهِم لَأَكَلوا مِن فَوقِهِم وَمِن تَحتِ أَرجُلِهِم مِنهُم أُمَّةٌ مُقتَصِدَةٌ وَكَثيرٌ مِنهُم ساءَ ما يَعمَلونَ﴾[المائدة: ٦٦] .

ولا فساد إلا فيما كان هوى: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الحَقُّ أَهواءَهُم لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ وَمَن فيهِنَّ بَل أَتَيناهُم بِذِكرِهِم فَهُم عَن ذِكرِهِم مُعرِضونَ﴾[المؤمنون: ٧١] .

وولاية الله تعالى، ونصرته ،حيث كان دين الحق والهدى، وخذلانه والظلال ، حيث كان الهوى:﴿وَلَن تَرضى عَنكَ اليَهودُ وَلَا النَّصارى حَتّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم قُل إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعتَ أَهواءَهُم بَعدَ الَّذي جاءَكَ مِنَ العِلمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلا نَصيرٍ﴾[البقرة: ١٢٠] .

وكل ما لم يكن وحيانيا وأريد أدخاله في الدين " ولو كان خيرا " فهو تكلف لا خير فيه ،كما في حق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم :﴿قُل ما أَسأَلُكُم عَلَيهِ مِن أَجرٍ وَما أَنا مِنَ المُتَكَلِّفينَ﴾[ص: ٨٦] .

 وما عن أمير المؤمنين( عليهم السلام ) : " أن المسلمين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو أكرهت يا رسول الله من قدرت عليه من الناس على الإسلام كثر عددنا وقوينا على عدونا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما كنت لألقى الله عز وجل ببدعة لم يحدث إلي فيها شيئا، (وما أنا من المتكلفين) " ( التوحيد : ٣٤٢). فما لم يكن من الوحي فهو بدعة وإن كان خيرا ، وما كان بدعة فهو تكلف .

ومثله في  الصحيحين عن عبدالله مسعود   فقال: يا أيها الناس! من علم شيئاً فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه " وآله " وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص:86].

وقريب منه عن صادق أهل البيت عليهم السلام:" من العلماء من يضع نفسه للفتاوى ويقول : سلوني، ولعله لإيصال حرفاواحدا، والله لا يحب المتخلفين " .( نور الثقلين /ج٤ص٤٧٣). فجمع الجميع نفي التكلف من حيث إيجاد غير الوحي  .

 

   ومن أهم مفردات التداخل بين الدين والهوى ، ظاهرة التلبيس ؟ إذ أنها شكلت علامة قاتمة في رحلة الدين الحق، فكانت دليل ظلال يخرج قاصد الهدى الى العمى؛ بتوهم وتصور الحق .

وحيث كان القرآن هاديا لم يتعدى  رصدها وبيانها، والتنبيه عليها، فقال تعالى : ﴿يا أَهلَ الكِتابِ لِمَ تَلبِسونَ الحَقَّ بِالباطِلِ وَتَكتُمونَ الحَقَّ وَأَنتُم تَعلَمونَ﴾[آل عمران: ٧١] . وهم الذين وصفهم سابقا بأهل الهوى ، ومن هنا نبههم على دين الحق، والابتعاد عن التلبيس: ﴿يا بَني إِسرائيلَ اذكُروا نِعمَتِيَ الَّتي أَنعَمتُ عَلَيكُم وَأَوفوا بِعَهدي أوفِ بِعَهدِكُم وَإِيّايَ فَارهَبونِ * وَآمِنوا بِما أَنزَلتُ مُصَدِّقًا لِما مَعَكُم وَلا تَكونوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشتَروا بِآياتي ثَمَنًا قَليلًا وَإِيّايَ فَاتَّقونِ

 

وَلا تَلبِسُوا الحَقَّ بِالباطِلِ وَتَكتُمُوا الحَقَّ وَأَنتُم تَعلَمونَ﴾[البقرة: ٤٠-٤٢] .

 وحيث كان التلبيس كانت الشبهة؛  لأنها ولديتها ، غير أن الملبس قاصد مكابر ، والمشتبه جاهل معاند، ويجمعهما سبيل الهوى  .

وأي هوى أضل من ألباس الباطل لباس الحق حيث " يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان " ، ولو أنه خلص الحق من مزج الباطل لم يخفى على المرتادين ، قال تعالى في بيان كيفية التلبيس ، وتولد الشبهة : ﴿وَإِنَّ مِنهُم لَفَريقًا يَلوونَ أَلسِنَتَهُم بِالكِتابِ لِتَحسَبوهُ مِنَ الكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الكِتابِ وَيَقولونَ هُوَ مِن عِندِ اللَّهِ وَما هُوَ مِن عِندِ اللَّهِ وَيَقولونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ وَهُم يَعلَمونَ﴾[آل عمران: ٧٨] . فمن أشتبه عليه الحال حسب ما لم يكن وحيانيا دينا فدان به .

وحيث كان اللبس والشبهة كان الهوى ، وحيث كان، كان الدين غير الحق .

 

ولا استقامة إلا بأتباع الوحي والاحتياط في المنسوب إليه ولو بإجراء التعميمات ، كما عن سيد الأوصياء (عليه السلام ) : " إنما بدْءُ وقوع الفتن أهواءٌ تُتبع ، وأحكامٌ تُبتدع ، يُخالَف فيها كتاب الله ، ويتولى عليها رجالٌ رجالا على غير دين الله ، فلو أنّ الباطل خلص من مزاج الحق لم يخفَ على المرتادين ، ولو أنّ الحقّ خلص من لبس الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين ، ولكن يؤخذ من هذا ضغثٌ ومن هذا ضغثٌ فيمزجان ، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه ، وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى "  . (نهج البلاغة/الخطبة: ٥٠). فالشيطان عند الهوى ، وهو مع التلبيس والشبهة .

 

وأول وظيفة الإصلاح هي نبذ الهوى وعطفه على الهدى ، وترك الرأي إلى حيث الكتاب والسنة، حيث يفصل مزج الحق بالباطل ، فيتنبه المرتادين، فيضرب صاحب التلبيس بسوط الحق فيزهق :﴿بَل نَقذِفُ بِالحَقِّ عَلَى الباطِلِ فَيَدمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الوَيلُ مِمّا تَصِفونَ﴾[الأنبياء: ١٨] . فإذا رفع التلبيس رفعت الشبهة فلا هوى ،فلا شيطان ، فكان الهدى ودين الحق الذي يظهره على الدين كله ، كما عن سيد الموحدين عليه السلام، في ملاحم ناشر رآية الهدى روحي فداه : "يَعْطِفُ الْهَوَى عَلَى الْهُدَى إِذَا عَطَفُوا الْهُدَى عَلَى الْهَوَى، وَيَعْطِفُ الرَّأْيَ عَلَى الْقُرْآنِ إِذَا عَطَفُوا الْقُرْآنَ عَلَى الرَّأْيِ..فَيُرِيكُمْ كَيْفَ عَدْلُ السِّيرَة وَ يُحْيِي مَيِّتَ الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِِ " . ( نهج البلاغة / الخطبة : ١٣٨ ) .

فما لله هو دين الحق ، ولا يكون إلا حيث الوحي  ، وما عداه هوى يكون حيث التلبيس والشبهة ، والمصلح من يعطف الهوى على الهدى، بضرب الملبس وتنبيه المشتبه  .

 " أَللَّهُمَّ أَلْهِمْنا طاعَتَكَ، وَجَنِّبْنا مَعْصِيَتَكَ،..، وَاقْشَعْ عَنْ بَصائِرنا سَحابَ الارْتِيابِ، وَاكْشِفْ عَنْ قُلُوبِنا أَغْشِيَةَ الْمِرْيَةِ وَالْحِجابِ، وَأَزْهِقِ الْباطِلَ عَنْ ضَمآئِرِنا، وَأَثْبِتِ الْحَقَّ فِي سَرائِرِنا، فَإنَّ الشُّكُوكَ وَالظُّنُونَ لَواقِحُ الْفِتَنِ، وَمُكَدِّرَةٌ لِصَفْوِ الْمَنآئِحِ وَالْمِنَنِ " . مناجاة المطيعين لله .

Powered by Vivvo CMS v4.7