لماذا الوعي العقائدي ؟

بواسطة |   |   عدد القراءات : 2738
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
لماذا الوعي العقائدي ؟

بقلم : الشيخ عبد الحكيم الخُزاعي


مما لاشك فيه أن أي دين فيه جنبة وجهة عقائدية وهي الركيزة الأساسية لباقي تعاليم هذا الدين ، من هنا سُميت أصول الدين أي تلك الأسس والمبادئ التي ترتكز عليها ويبنى عليها البناء الفوقي ، لذا هناك أصول وهناك فروع ، ومن أطلق هذه التسمية لا شك انه قصد هذا المعنى بالأساس ، لذا لا معنى أن يكون الإنسان واعيا جدا بالفروع ولكنه ضعيف او قد يكون لا يفهم شيئا عن الأصول ، وهذا مما يؤسف له واقع في المجتمع كثيرا ، وله أسباب متعددة ، منها تعود إلى نفس المجتمع ومنه يعود إلى نفس الخطاب الديني.

ونحن هنا نريد أن نوضح لما الوعي العقائدي مهم جدا ويتقدم معرفيا ورتبيا على باقي فروع المعرفة الدينية الأخرى بعدة نقاط

اولاً:أن الوعي مطلوب لنفسه بحد ذاته للفرد دون النظر إلى الأشياء الأخرى ، لأن العقيدة تمثل رؤيته الكونية للوجود بصورة عامة وللوجود الانساني ووجوده هو بصورة خاصة ، فمن دون هذه الرؤية لن يعرف لما هو في الوجود ، وهذه المعرفة تؤثر على هدفه في الحياة وعلى نظرته للأشياء ، وعلى علاقته بالآخرين ، وهذه الرؤية جدا مهمة لا يمكن التنازل عنها ، فليس هي من قبيل المعرفة التي أن علمها لم ينفع بها وان جهلها لا يضره شيئا ، وليست هي معرفة ترفية ، أو هي معرفة ترتبط بتفسير بعض النظريات العلمية التي لايهم أن يعرفها بل المهم مثلا نتيجتها وما تجلبه من مصالح مثل الكثير من النظريات العلمية ذات البعد العملي ، ونحن هنا لانريد أن نقول عليه أن يزهد بغير البعد العقائدي بل ندعو للعلم والمعرفة الشاملة ، ولكننا نقول أن المعرفة العقائدية لا يمكن التضحية بها ، لأن في قبالها يكون الإنسان جاهلا لمعنى وجوده وهدفه في الحياة

ثانيا ً:  ان المعرفة العقائدية حصنا حصينا له من الشبهات الكثيرة التي يضج بها العالم ، على مستوى أصل وجود الاله ، أو وجود الدين او معارفه الكثيرة ، ولنقل أن النقطة الأولى هي تنويرية أما هذه دفاعية تحصينية لكن للنفس ، حيث ينجو الإنسان نفسه من الكثير من الشبهات ، أن المتتبع للساحة يجد أن من يتأثر بالشبهات هم الذين لم يتحصنوا بهذه المعرفة العقائدية ، ولم يتسلحوا بالوعي الكامل ضد هذه الموجات تماما مثل الذي ليس له مناعة من الفيروسات فما أن تأتي والا وقد أصيب الجسد بكافة الأمراض ، لذا بات الوعي ضروريا وملحا جدا ، ويجب فتح قنوات متعددة لهذا الوعي الصحيح ويجب إنضاج الخطاب الديني لينتقل من مرحلة الخطاب الوعظي المناقبي إلى الخطاب العقائدي العقلاني الرصين.

ثالثاً: ان العبادة لله والتقرب إليه إنما يكون بحسب معرفته لله تبارك وتعالى ، فكلما تسامت وتكاملت المعرفة تصاعد الثواب والقرب إلى الله ، حتى يصل إلى مستويات عالية ورفيعة مطلوبة في الدين لكن شرطها الأساسي هي المعرفة والعلم  (إنما يخشى الله من عباده العلماء  ) فهذه الخشية ترتبت على العلم ، وهو اكيد ليس علما تصوريا خالصا بل مرتبة من المراتب العالية التي يصاحبها التقوى والقرب ، وهكذا كلما ترقى في المعرفة يصل إلى مستويات عالية جدا ، ويصل في نيته إلى أن يعبد الله عبادة العلماء والعرفاء والأحرار ، إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار ، وقوما عبدوا الله رهبة  فتلك عبادة العبيد ، وقوم عبدوا الله حبا فتلك عبادة الأحرار ، وكما ورد عن أمير المؤمنين إلهي ماعبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكنني وجدتك أهلا للعبادة فعبتدك .

إذن أصل تصحيح النية في العبادة مرتبط بالمعرفة ، والا قد يكون الحال كذاك الذي عبد الله سنينا وهي ينتظر الله أن ينزل بحماره -والعياذ بالله -حتى يأكل الحشيش في البستان الذي يتعبد فيه ، وهكذا التخلص من الرياء وغيره ، وأيضا الترقي في مدارج الكمال بعد تصحيح أصل النية مرتبط بالمعرفة الإلهية المعمقة .

رابعاً: المشاركة في الدفاع عن عقيدة الناس ودينهم بالحكمة والموعظة الحسنة عبر الدليل الرصين والبرهان الحقيقي ، فهنا يبرز دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فليس فقط انه ينور نفسه بالمعارف أو يحصن نفسه من الشبهات ويترقى في مدارج الكمال ، بل يكون شعلة ومنارة في المجتمع الإيماني ، ولكن هذه الدرجة تحتاج نوعا من التخصص والمعرفة المعمقة والا قد يفسد أكثر مما يصلح ، أو قد يكفر الناس دون معرفة ، كما تقمص دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنصاف المتعلمين فوصلوا حد التكفير وتسببوا في فتنة الناس ، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في العبادات بسيط لانها واضحة في الغالب ويعتمد فيها على رأي الفقيه ، أما في مجال العقائد فهي قد لا تكون واضحة وقد يعتمد فيها الإنسان على رأيه فيصل إلى عكس النتيجة المطلوبة ، لذا نقول عليه أن يتمعن ويقرأ كثيرا ويدرس كثيرا حتى يصل إلى مستوى عالي من الثقافة ويكون هاديا لغيره في هذا المجال ، ولاشك أن مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا المجال العقائدي له ثواب كبير وعظيم جدا ، يوصل الإنسان إلى جنات القرب ويكون من العلماء الذين يقفون ضد إبليس وجنوده لأنهم أهم مرحلة لديهم هي التشكيك بل وإيصال الإنسان إلى مستوى الانحراف الفكري والعقائدي.

وفي الأخير نقول ان الخطاب الديني اذا لم يوصل المجتمع إلى الوعي العقائدي فإنه يفقد مبررات وجوده ، فأي خطاب ديني يكون بعيد عن أسس العقيدة التي يرتكز عليها يكون بعيدا عن جوهر الدين وعن متطلباته وضروراته ، لذا يجب أن يتسلح هذا الخطاب أولا بهذا الوعي لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، بل قد يتسبب هذا الخطاب في مشاكل عقائدية كثيرة خصوصا إذا كان غير معقلنا ويعتمد على المشهورات والخطابات في زمن أصبح الوصول إلى المعلومة من مصدرها الأصلي أمرا سهلا للجميع ، لذا قد يفقد الخطاب الديني أهم نقطة وهي ثقة الناس فيه ، إذا لم يروا فيه البرهان والمعلومة الصحيحة ، وقد قال بعض العلماء أن أهم أسباب الإلحاد هو التثقيف الخاطئ للدين ثم يكتشف الشباب خطأ ذلك يتصورون خطأ الدين كليا ، وليس خطأ الخطاب الديني.

لذا بات الأمر ضروريا في فتح قنوات الوعي العقائدي بجميع القنوات المتاحة وهي كثيرة والحمد لله رب العالمين.

 

Powered by Vivvo CMS v4.7