المعالم الرسالية لحركة الإمام الصادق عليه السلام
بقلم: الشيخ محمد الجوراني
#اولا :اهتمامه البالغ في تنشئة الفقهاء والحفاظ عليهم
لقد كان دور الأمام الصادق (عليه السلام) في نشر العلوم والمعارف الربانية مؤثراً من خلال دروسه التي كان يلقيها على تلامذته وفق منهج ورؤية اهل البيت (عليهم السلام) وكان يمثل نقطة التقاء الجميع لما له من العلم الخاص والهيبة والصلة برسول الله (صلى الله عليه وآله).. وكانت حوزة الإمام (عليه السلام) محط اهتمام الجميع ومنهم الطبقة الحاكمة التي كانت تهابه وتحترمه في الوقت الذي تخاف منه على سلطانها لما كان له من محبة في اوساط الطبقات الشعبية بالرغم من عدم وجود طمع له في السلطة إذ كان جل اهتمامه منصبا على نشر العلوم والدفاع عن العقيدة.
وقد تتلمذ على يديه اربعة الاف من المتعلمين وأخذ رواة الحديث عنه وكان من اهم العلماء المقربين من الإمام(عليه السلام) نخبة مهمة أمثال (هشام بن الحكم، و أبو بصير ليث بن البختري المرادي، وزرارة بن اعين، وعبد الله بن يعفور، وابان بن تغلب) وغيرهم ممن كان لهم الفضل الكبير في نقل الحديث وتدوينه ضمن مدرسة اهل البيت التي تعدُّ المنهل الصافي الذي يجمع تراث المسلمين وحقائق الإسلام.
#ثانيا : تصديه لموجة الالحاد وابطال افكارهم وشبهاتهم
وهو ما حصل عندما دخل أبو شاكر الديصاني المعروف بالزندقة على الإمام(ع) وهو في بيته، وقال له بلسان المتهكّم: يا جعفر بن محمّد، دلّني على معبودي! ولم يبادله الإمام بأسلوبه، واكتفى بأن توجَّه إلى غلام له صغير في كفّه بيضة يلعب بها، فقال له الإمام(ع): ناولني البيضة. فناوله إيّاهاـ فقال الإمام(ع): "يا ديصاني، هذا حصن مكنون، له جلد غليظ، وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضّة ذائبة، فلا الذّهبة المائعة تختلط بالفضّة الذائبة، ولا الفضّة الذائبة تختلط بالذّهبة المائعة، لا يدرى للذّكر خلقت أم للأنثى، تنفلق عن مثل ألوان الطّواويس؛ أترى لهذا مدبّراً؟". قال: فأطرق مليّاً، ثمّ قال: "أشهد أن لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّك إمام وحجّة من الله على خلقه، وأنا تائب ممّا كنت فيه".
فقد اعتمد الامام أسلوب المنطق واللّين في محاججته للخصوم وهو خلق قراني رفيع
هذه بعض من حوارات الإمام الصّادق(ع) مع الزنادقة والشكاكين، وقد رأيناه في كلّ حواراته هذه لم ينهرهم في كلامه، أو ينعتهم بأوصاف الكفر، أو يسيء إليهم كأشخاص، بل كان يستمع إليهم، ويحترم إنسانيّتهم، ويأخذ في الحسبان الظروف التي دفعتهم لتبنّي هذه الأفكار، ويسعى إلى إيصال الحقّ إليهم.
فكان اللَّيّن في الحوار، يردّ عليهم الحجّة بالحجّة، والمنطق بالمنطق. وقد شهد له من حاوره بهذه الإنسانية، فهذا ابن المقفّع، والذي كان ممن تأثّروا بالزندقة، يقول بعد حواره مع الإمام الصادق(ع): "ليس هناك من كلّ هؤلاء ـ الذين كانوا في الطواف آنذاك ـ من يستحقّ اسم الإنسانيّة كجعفر بن محمّد"
#ثالثا : ربط الحالة العبادية الفردية منها والاجتماعية بالامام الحسين عليه السلام
إن كل حركة يقوم بها المؤمن ، لا بد لها من فقهٍ ظاهري وباطني .. وواضح أن حضور مجالس عزاء سيد الشهداء (ع) يمثل إقامة لشعيرة من شعائر الدين الحنيف .. إذ لولا دمه الطاهر ، لما بقي من الاسلام إلا اسمه ، ومن القرآن إلا رسمه وهي من مصاديق إحياء الأمر الذي دعا الإمام الصادق (ع) لمن أحياه قائلا: ( رحم الله من أحيا أمرنا )..
ربما تصدرت احاديث الامام حول ذكر جده الحسين عليه السلام وربط الناس به وبذكره والبكاء عليه وبزيارته بل كان هو نفسه يبادر لذلك ويحدث الناس بعظيم الثواب الذي ينتظرهم من خدمة جده المظلوم
إقامة الائمة (عليهم السلام) المأتم على الحسين (ع) وحث أولياؤهم على ذلك
وأما أئمّة العترة الطاهرة: الذين هم كسفينة نوح، وباب حطة، وأمان أهل الارض، وأحد الثقلين اللذين لا يضلّ من تمسك بهما ولا يهتدي إلى الله من صدّ عنهما.
فقد استمرت سيرتهم على الندب والعويل، وأمروا أولياءهم باقامة مآتم الحزن، جيلاً بعد جيل.
فعن الصادق (عليه السلام) ـ فيما رواه ابن قولويه في الكامل وابن شهر آشوب في المناقب وغيرهما ـ: أنّ علي بن الحسين (عليهما السلام) بكى على أبيه مدّة حياته، وما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى، ولا أتي بشراب إلاّ بكى، حتى قال له أحد مواليه: جعلت فداك يا ابن رسول الله إنّي أخاف أن تكون من الهالكين! قال (عليه السلام): "إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله، وأعلم من الله ما لا تعلمون".
وروى ابن قولويه وابن شهر آشوب أيضاً وغيرهما: أنه لما كثر بكاؤه، قال له مولاه: أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال:
"ويحك، إن يعقوب (عليه السلام) كان له اثنا عشر ولداً، فغيّب الله واحداً منهم، فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه واحدودب ظهره من الغم، وابنه حيّ في الدنيا، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمومتي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي، فكيف ينقضي حزني".
#رابعا : اهتمامه الكبير وتوصيته العظيمة بالصلاة لانها
عمود الدين واساس كل العبادات
في ذكرى استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام) نتوقف عند آخر وصية له (عليه السلام)، وعادة ما تكون آخر وصية للإنسان تمثل عصارة خبرته في الحياة التي يريد أن يقدّمها للآخرين.
(عن أبي بصير قال : دخلت على أُمّ حميدة أُعزّيها بأبي عبد الله (عليه السلام) ، فبكت وبكيت لبكائها ، ثمّ قالت : يا أبا محمّد ، لو رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) عند الموت لرأيت عجباً ، فتح عينيه ثمّ قال : اجمعوا كلّ مَنْ بيني وبينه قرابة ، قالت : فما تركنا أحداً إلاّ جمعناه ، فنظر إليهم ثم قال : إن شفاعتنا لا تنال مستخفّاً بالصلاة)
عن الإمام الصادق (عليه السلام) (أحبُّ الأعمال إلى الله عز وجل الصلاة، وهي آخر وصايا الأنبياء).
وعدم الاهتمام بها هو اسخاط للنبي ومفارقة العترة:
فقد روي عن رسول الله (ص) أنه قال لأصحابه غاضباً: "ليس منّي من ضيع الصلاة"
وعن الإمام الصادق (ع) في بيان المعيار لمعرفة من هُم على مذهبه، ويرتبطون به أنه قال:
"امتحنوا شيعتنا عند محافظتهم على الصلوات" وفي المشهور أنه (ع) عدّ التهاون بالصلاة والاستخفاف بها سبباً للحرمان من شفاعة أهل بيت العترة والطهارة يوم القيامة. وفي حديث آخر عن رسول الله (ص) قال: "من استخف بصلاته لا يرد عليَّ الحوض، والله"
فهذا التأكيد والتصريح المصحوب بالقسم يحكي عن مدى الفاصلة بين النبي الأكرم (ص) والمصلين الذين لا يبالون بصلاتهم.
أعظم ألله اجوركم
خطبة صلاة الجمعة في قضاء الإصلاح