مفهوم الحوزة في فكر الشهيد الصدر الثاني رضوان الله عليه

بواسطة |   |   عدد القراءات : 2473
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
مفهوم الحوزة في فكر الشهيد الصدر الثاني رضوان الله عليه

بقلم: الشيخ محمـد الـجـوراني


الحوزة (بفتح الحاء وتسكين الواو وفتح الزاي ثم التاء). جاء في قوله تعالى: ﴿أو متحيزًا إلى فئة﴾ معناها "أو مائلًا إلى جماعة من المسلمين وصائرًا إلى حيِّز"

فالحوزة من حيث اللغة هي،إذًا، بمعنى الناحية. أما من حيث المعنى الاصطلاحي فالحوزة مجردة أو بإضافة صفة العلمية إليها لتكون "الحوزة العلمية"، فهي تعني حاليًا معنى مرادفًا لتجمع علمي يضم مدارس عدة تتوافر فيها أعداد مهمة من الأساتذة وطلبة العلوم الدينية الإسلامية الشيعية الاثني عشرية، وعادة ما يكون هذا التجمع العلمي برعاية دينية ومالية وقانونية من المرجعية الدينية.

يقول الشهيد الصدر" إنّ أهمّ ما يميّز المرجعيّة الصالحة تبنّيها للأهداف الحقيقيّة الّتي يجب أن تسير المرجعيّة في سبيل تحقيقها لخدمة الإسلام، وامتلاكها صورة واضحة محدّدة لهذه الأهداف. فهي مرجعيّة هادفة بوضوح ووعي، تتصرّف دائماً على أساس تلك الأهداف بدلاً من أن تمارس تصرّفات عشوائيّة وبروح تجزيئيّة وبدافع من ضغط الحاجات الجزئيّة المتجدّدة"

فحين نطالع حديث "أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها" ذلك هو الحديث النبوي الشريف الذي تجده منقوشاً فوق ضريح الإمام علي بن أبي طالب في النجف الأشرف كما على أبواب مدارس الحوزة العلمية المحيطة بجهاته الأربع، والحوزة العلمية هي ما سنضعه اليوم (تحت المجهر) بتاريخها الذي يمتد إلى أكثر من ألف عام ومن مناهجها وأساليب تدريسها، فضلاً عن دورها في تخريج فقهاء، بل زعماء الشيعة وما يصدر عنهم في بعض الأحيان التاريخية من فتاوى دينية ترتبط بالظرف السياسي الذي تمر فيه المنطقة.

مايهمنا هنا كيف عرف الشهيد الصدر الحوزة واخرجها للناس بعدما كانت حكرا على بيوتات علمائية محددة يصعب معرفتها والوصول اليها ,فقد عمد الصدر الى عدة اساليب حاكى بها المجتمع العراقي خصوصا ثم توسع الى غيره كي يقنعهم ويوصلهم ثم ليبلغوا مدارج العمل والكمال المنشود في اهداف مرجعيته للحوزة

إن الروح العالية التي يتمتع بها شهيدنا فاقت كل التصورات علما وعملا وإخلاصا وتقوى فقد قاد مشروعه الإصلاحي عبر ثلاث قنوات

أولا : منبر الجمعة وممارسة عملية التغيير المقدس من خلاله فقد شمل كل شرائح المجتمع وأثبت منه أيضا ان الحوزة هي من تقود الحياة في ظل غيبة الإمام المعصوم

ثانيا : بناءه لجيل من طلبة العلوم الدينية من أساتذة وخطباء ومفكرين وحتى مجتهدين لضمان ديمومة مشروعه ولكي يضمن مستقبل رسالته وقد ترك فكرا وهاجا في اعم أبواب العلوم والمعارف

ثالثا: بث الوعي الديني في نفوس الناس وخاصة أتباعه من خلال طرحه لمفاهيم عدة وتصحيحها او ضربها بالكامل مثل التقديس الزائد لرجل الدين والهالة المصطنعة حول بعضهم واستنكاره لظاهرة تقبيل اليد وتناوله لقضايا اجتماعية وسياسية قل في زمنه من يذكرها إما خوفا او جهلا

الحوزة عنده ليست شعارا لاهدف له ..؟

يقول السيد الصدر الشهيد قدس ( لاتقولوا قولا ولا تفعلوا فعلا الا بعد الرجوع الى الحوزة العلمية )

عبارة فيها تحصين للامة من الضياع والتيه وفيها حفظ لمصالحها العامة والخاصة وفيها إبراء للذمة من جهته قدس سره الشريف لمجتمع آمن بمشروعه وسار سريعا بعجلة التكامل والإصلاح الحقيقي

فمن هم الذين يمثلون الحوزة ، حيث أكد الصدر العظيم بالرجوع اليهم بالقول والفعل وتحصيل الإذن منهم ؟

والجواب هو ان المراد بالحوزة العلمية هم مراجع الدين لاغيرهم فمهما بلغ الاخرون من درجات العلم والمعرفة والورع مالم يصلوا الى مرتبة الاجتهاد والقدرة على قيادة الامة فلا يستحقون هذا المقام لانه خال من الحجية طبعا

ونكتفي بدليل واحد وهو ...

إن إلزام السيد الصدر الأمة بالرجوع الى الحوزة العلمية في القول والفعل إنما يمثل الطاعة للحوزة العلمية في أكمل حالاتها، والطاعة الكاملة لا تكون الا لمن يمتلك الحجية على الامة، فمن لم يكن حجة عليها فلا طاعة له،

فالمرجعية الدينية هي الجهة الوحيدة من افراد الحوزة العلمية التي تمتلك الحجية على الامة لكونها تمثل الامتداد لخط الامامة وهي في موقع النيابة عن الامام المهدي عجل الله فرجه في زمن غيبته وقد اشار عجل الله فرجه الى تلك الحجية لمراجع الدين على الامة عندما ارجعها اليهم فيما يحتاجونه من امور دينهم ودنياهم فقال عجل الله فرجه (واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله) ورواة الحديث كما هو معلوم هم المراجع، وهذه الحجية تلزمها الطاعة الكاملة من قبل الامة لمراجعها، ومن هنا يتضح ان باقي افراد الحوزة العلمية من الاساتذة وطلبة البحث والخطباء والوكلاء والمفكرين والمؤلفين وغيرهم لا تكون طاعتهم واجبة لعدم امتلاكهم الحجية على الامة ولكنهم يمكن ان يقوموا بدور الوسيط بين المرجعية والامة وبالتالي يمكن للامة مراجعتهم على اساس امتدادهم لخط المرجعية واداءهم للوظائف المتعددة بحسب اختصاص كل منهم ضمن ذلك الخط وفي طوله.

على الرغم من تنبه المرجع الشهيد الى حالة الخطر التي تحوم حول شخصه واغتياله فقد عمد جاهدا الى تنمية قيادة مناسبة للحوزة بنفس القيود التي يذكرها دائما طيب القلب ومنصف وعدالته العالية وفوق ذلك مجتهد كي لا يَضِلُّ ولا يضل بالضم

وهو مانعتقده حتما في مرجعية الشيخ اليعقوبي دام ظله حيث أشار الصدر الشهيد الى هذه النقطة الحساسة والمهمة بقوله بحق الشيخ اليعقوبي دام ظله

"فأنا لا أعدو عنه إلى غيره، هو الذي ينبغي أن يمسك الحوزة من بعدي "

لاحظوا عبارة السيد يمسك الحوزة من بعده

وعبارته الأولى الا بالرجوع للحوزة

طابقوا النصين وستخلص لكم النتيجة لابد ان يكون مجتهدا ،ولابد ان يكون الشيخ اليعقوبي وهي شهادة اجتهاد وقيادة الأمة بنفس الوقت

وتبقى ظاهرة بروز الشهيد الثاني (محمد محمد صادق الصدر قدسة روحه) سواء كانت بعلم او تجاهل او او بدون علم من قبل النظام (واقصد هنا بالعلم ليس كما يذهب الاخرون بل اقصد انه كان مطلع عن تنامي حركة الشهيد وتاثيرها ولكن الله اعمى فكره وعيونه) فهي دليل على ان ارادة الله ارادت شىء والطغاة يريدون شىء اخر وما تكون الا ارادة الله.

(كرعاية فرعون لموسى طفلا ).

والحمد لله أولا واخرا

رزقنا الله وإياهم وإياكم شفاعته يوم الدين

Powered by Vivvo CMS v4.7