خطبة الزهراء (ع) .. مصادر وبراهين

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1506
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
خطبة الزهراء (ع) .. مصادر وبراهين

بقلم الشيخ صادق القطان

 

مقدمة

 

تعتبر الخطبة الفدكية الشريفة التي ألقتها السيدة الزهراء (ع) أمام جموع المسلمين في المسجد النبوي الأقدس من أهم الوثائق التاريخية التي وصلت إلينا عن شخصيتها (ع)، وتكمن أهمية هذه الوثيقة في أمور منها أنها قد صيغت بلسان الزهراء (ع) ذاتها مما يعطي لها قيمة لا توجد في أي نص تاريخي صاغته أقلام المؤرخين حول شخصيتها (ع)، والأمر الآخر هو المضامين الهامة التي تناولتها الخطبة على أصعدة العقيدة والتاريخ والفقه.

 

النقطة الأولى: مصادر شهيرة روت خطبة الزهراء (ع)

 

لقد وضع العلماء ضوابط القبول لكل قسم من أقسام التراث الروائي، فأَصَّلواْ لما به تقبل الرواية الفقهية أو لا تقبل، ولما به تقبل الرواية العقائدية أو لا تقبل، وهكذا الأمر في الروايات الأخلاقية والتفسيرية والتاريخية.

 

وبرغم اشتمال الخطبة الفدكية الشريفة على إشارات دقيقة في العقيدة والفقه إلا أنها تصنف على قسم الروايات التاريخية، وإذا ما عرضنا هذه الخطبة على موازين قبول الموروث التاريخي واعتباره فإنها تكون في أعلى درجات الاعتبار والصحة، فقد أورد الخطبة في مصنفاتهم جمع من علماء الفريقين من المتقدمين والمتأخرين ومتأخري المتأخرين ما أوجب اعتبارها عند المحققين نصا مقطوع الصدور.

 

وممن روى الخطبة من علماء المذاهب الإسلامية الحافظ أحمد بن أبي طاهر المعروف بابن طيفور في كتابه الشهير (بلاغات النساء)، وقد كانت ولادة المؤلف في العام الرابع بعد المائتين للهجرة ووفاته في العام الثمانين بعدها، ما يعني أنه عاصر أئمة أهل البيت (ع) من الجواد وحتى ختام السلسلة الشريفة.

 

وممن رواها منهم أيضا أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتابه (السقيفة)، وقد كان الجوهري معاصرا لعدد من علمائنا منهم السفيران الثالث والرابع -عن إمامنا الحجة (عج)- الحسين بن روح النوبختي وعلي بن محمد السمري ومنهم الشيخان الجليلان الكليني والصدوق (رضوان الله عليهم جميعا).

 

وممن رواها منهم كذلك ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة، وقد كان -المعتزلي- عالما معروفا ذا مصنفات متعددة، كما أنه عاصر من علمائنا محمد بن إدريس الحلي صاحب كتاب السرائر (رضوان الله عليه)، وتعاصر أيضا مع العلامة الحلي (رضوان الله عليه) في سني صبا العلامة وشيخوخة ابن أبي الحديد.

 

النقطة الثانية: براهين ساقتها الزهراء (ع) في خطبتها

 

ذكر بعض علمائنا -ولنعم ما ذكروا- أن خطبة الزهراء (ع) رغم تواترها أو استفاضتها إلا أنها في غنى أصلا عن الحاجة إلى الأسانيد في مقام إثبات اعتبارها، وذلك لأن مضامينها بصورة عامة عبارة عن احتجاجات برهانية عقلية توازي قول الله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) لجهة عدم الافتقار للسند طلبا لتثبيت صحة المضمون، إذ أن العقل ينتقل من إدراك حصول الفوضى والاختلال في النظام الكوني لو تعدد الخالق إلى الجزم بوحدته بعد ملاحظة النظم البديع والانسجام التام بين أجزاء الخليقة، وهذا نظير جزمنا أن ١+١=٢ دون حاجة إلى سند صحيح يتصل بالمعصوم من أجل الإقرار بذلك، فمن هنا كانت نفس نصوص الخطبة شاهدا على صحتها، ومن أجل البرهنة على ذلك نذكر اثنتين مما ساقته الزهراء (ع) من عبارات في خطبتها وفق هذا النمط:

 

١- قالت (ع) بعد أن استشهدت ببعض آيات الإرث في القرآن: (أفخصكم الله بآية أخرج منها أبي؟ أم هل تقولون أهل ملتين لا يتوارثان أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟).

 

فهي (ع) هنا تستدل على عدم صحة الرواية المنسوبة للنبي (ص) بأن أنبياء الله لا يورثون بأمرين، الأول هو إطلاق آيات الإرث في القرآن لتشمل سائر الناس بما فيهم الأنبياء (ع) مع عدم وجود آيات تقيد هذا الإطلاق بإخراج الأنبياء (ع) منه، والثاني وحدة الملة الدينية بينها وبين أبيها رسول الله (ص) ما يعني مشروعية التوارث بينهما، فقد ذهب عامة فقهاء الإسلام إلى أن الاختلاف في الملة مانع من التوارث بين المختلفين، وهو غير موجود في موردنا لكون النبي (ص) وابنته الزهراء (ع) على ملة واحدة وهي شريعة الإسلام. 

 

٢- قالت (ع) في مقام تفنيد الرواية الآنفة بشأن توريث الأنبياء (ع): (ما كان أبي رسول الله عن كتاب الله صادفاً ولا لأحكامه مخالفا)، إلى أن قالت (ع): (هذا كتاب الله حكماً عدلاً وناطقاً فصلاً يقول: يرثني ويرث من آل يعقوب، ويقول: وورث سليمان داود).

 

فقد استدلت (ع) على عدم صحة الرواية بامتناع أن يكون في كلام النبي (ص) ما يخالف أحكام القرآن، إذ كيف يمكن له (ص) القول بعدم توريث معاشر الأنبياء وهذا كتاب الله ينص على توريثهم؟

 

 

Powered by Vivvo CMS v4.7