مظاهر الرحمة الإلهية في البعثة النبويّة
بقلم : فضيلة الشيخ ميثم الفريجي
بسمه تعالى
(لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) ال عمران: 164
المبعث النبوي، مصطلح ديني يشير إلى تنصيب النبي محمد (صلى الله عليه واله) لمقام النبوة والرسالة وتبليغ الإسلام لهداية الناس، وإقامته لهم علما هاديا مهديا مبشرا نذيرا، وقد كانت البعثة في غار حراء الواقع في جبل النور القريب من مكة، وذلك في 27 رجب، للسنة الثالثة عشرة قبل الهجرة؛ طبقاً لما هو المعروف والمشهور عند علماء الإمامية.
إنَّ يوم المبعث النبوي الشريف يوم عظيم في تاريخ البشرية، إذ بُعث فيه النبي (صلى الله عليه واله) برسالة الإسلام، وحياة جديدة، وثقافة جديدة، ومجتمع جديد، فغيّر ثقافة المجتمع وفق مبادئ وقيم وأخلاق الإسلام، بلْ أحدث نقلة نوعية في حركة التاريخ كلّه، بعد أنْ كان المجتمع قبل البعثة يعاني من أمراض الجهل والتخلف والخرافة والأساطير والأوهام، فبدأ يعمل على تزكية النفوس وتهذيب الأخلاق، وتعليم الناس وتربيتها، وحمل مشعل العلم والمعرفة لتنمية عقولهم، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) الجمعة: 2، فبتزكية النفوس، ونشر العلم والمعرفة تتقدَّم الأمم، وتتطوّر المجتمعات الإنسانية
فكانت تجلّيات مظاهر الرحمة الإلهية في المبعث النبوي الشريف كثيرة وعظيمة ولا يمكن استيعابها بكلمات قليلة، حيث استطاع النبي (صلى الله عليه واله) في فترةٍ تاريخيّة وجيزة تحقيق أعظم الإنجازات وتقديم الخير الكثير للأمّة جمعاء، ومن ذلك: التحوّل الكبير الذي حصل في الأمّة على جميع المستويات، فضلا عن سماحة الشريعة، والأمان للناس من نزول العذاب، ببركة وجوده الشريف حتى عرفت الأمة بالأمة المرحومة به (صلى الله عليه واله)، صاحب الشريعة السمحاء، وقد نقل الأمة من عبادة الأوثان إلى عبادة الله الواحد الأحد، بعد أنْ كانوا في ضياعٍ وتيه وضلال وانحراف، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) : (أرسله وأعلام الهدى دارسة ومناهج الدين طامسة)، وقال (عليه السلام): (بعثه حين لا علمٌ قائم ولا منارٌ ساطع ولا منهجٌ واضح)، وقال(عليه السلام) : (إنّ الله تعالى بعث محمّدًا (صلى الله عليه واله) نذيراً للعالَمين، وأميناً على التنزيل،وأنتم معشر العرب على شرّ دين وفي شرّ دار، منيخون بين حجارةٍ خُشن وحيّاتٍ صُم، تشربون الكدر وتأكلون الجشب، وتسفكون دماءكم، وتقطعون أرحامكم...)، فقضى النبيّ (صلى الله عليه واله) على كلّ هذه القيم الجاهليّة، ونقلهم إلى مصاف الأمم الراقية، فامتلكوا الحضارة والعلم، وسادوا الأمم
بعد أن كانت الأمة تعيش حالة الجهل والضياع، ويغمرها الظلام فجاء محمّد بن عبد الله (صلى الله عليه واله) ليكون كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) الإمام علي: (ابتعثه بالنّور المضيء والبرهان الجليّ والمنهاج البادي والكتاب الهادي حتّى دخل النّاس في الإسلام أفواجًا أفواجا)، و (أشهدُ أنّ محمّداً عبدُه ورسوله، أرسله بالدِّين المشهور، والعِلْم المأثور، والكتاب المسطور، والنور الساطع، والضياء اللاّمع، والأمر الصادع؛ إزاحةً للشُّبُهات، واحتجاجاً بالبيّنات، وتحذيراً بالآيات، وتخويفاً بالمَثُلات، والناس في فتنٍ انجذب فيها حبلُ الدِّين)
----
كلمات أمير المؤمنين عليه السلام هذه وغيرها مصدرها كتاب نهج البلاغة.