سليمان بن صرد وثورة التوابين

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1098
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
سليمان بن صرد وثورة التوابين

بقلم الشيخ صادق القطان


من طبيعة الوقائع التاريخية الكبيرة أنها تجتر معها نوعين من الأحداث، أولهما ما يحصل قبل الواقعة كمقدمة لها، والنوع الثاني هو ما يحصل بعد الواقعة كارتدادٍ لها، فإذا قرأنا تاريخ فتح مكة مثلا والذي يعد من أبرز أحداث الإسلام نجد أن الأمر قد بدأ بغدر قبيلة بني بكر المتحالفة مع قريش منذ صلح الحديبية بقبيلة خزاعة المتحالفة مع المسلمين([١]) وانتهى بدخول الناس أفواجا في دين الله تعالى.


وقد حصلت معادلة المقدمات والارتدادات الآنفة بعينها في تاريخ النهضة الحسينية، فقد بدأ الأمر بموت معاوية وتولي يزيد بعد ما أخذ له أبوه البيعة في أواخر عمره من بعض الأعيان، وانتهى بحالة سخط عام تمخضت عنه عدة أحداث، منها ثورة أهل المدينة ٦٣هـ([٢])، ومنها ثورة المختار الثقفي (رض) ٦٦هـ([٣])، ومنها ثورة التوابين ٦٤هـ - ٦٥هـ([٤]).


وثورة التوابين هي حركة مسلحة انطلقت من الكوفة يدفعها -كما تبينُ خطبُ قوادِها([٥])- الندمُ على التقصير في نصرة الإمام الحسين (عليه السلام)، وكان هدف الحركة الذي أعلنه قوادها هو قتل قتلة الحسين (عليه السلام) أو الموت في هذا السبيل تكفيرا عن ذنب التقصير الذي حصل، وقد كان للتوابين عدد من القواد أبرزهم سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد، والأبرز من بين الثلاثة هو سليمان إذ بايعه التوابون قائدا للحركة([٦])، فمن هو سليمان بن صرد الخزاعي قائد ثورة التوابين؟


الجواب: جاء في كتب التاريخ والتراجم أن سليمان بن صرد كان من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنه عاش في زمن الجاهلية وكان اسمه يسارا فلما أسلم بدل رسول الله (صلى الله عليه وآله) اسمه إلى سليمان؛ وأنه كان من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) والذين قاتلوا معه في صفين([٧])، وقد وقع البحث لدى الأعلام في سبب تخلف سليمان عن موقعتين هامتين في تاريخ أهل البيت (عليهم السلام)، وهما:


١- حرب الجمل: فقد ذكر الشيخان الطوسي والكشي (رضوان الله عليهما) في رجالهما تخلف سليمان عن هذه الموقعة، ووصف ذلك السيد أبو القاسم الخوئي (رض) بأنه (ثابت)([٨])، غير أنه لم يستبعد أن يكون له عذر في غيابه أو أن أمير المؤمنين (عليه السلام) هو بنفسه أمره بعدم الحضور لسبب ما، فقد قال (رض): (ولعل ذلك كان لعذر أو بأمر من أمير المؤمنين عليه السلام)([٩])، ونحن نضيف أنه يوجد نقل تاريخي يقول بحضوره حرب الجمل مما يجعل مسألة تخلفه ليست مقطوعة، ففي كتاب (الطبقات الكبرى) لابن سعد ما نصه: (شهد مع علي بن أبي طالب الجمل وصفين).


٢- موقعة كربلاء: فقد جاء في التاريخ أنه كان فيمن كتب إلى الحسين (عليه السلام) بالقدوم فلما قدِم تخلف عن نصرته([١٠])، وقد احتمل بعض العلماء أن سبب تخلفه أنه كان قد سُجِنَ من قبل ابن زياد([١١])، غير أن هذا الاحتمال لم  يرد حسب الظاهر ما يدل عليه في المصادر، أضف إلى ذلك أن كلمات سليمان التي قالها في الاجتماع التأسيسي الأول لقادة حركة التوابين تظهر أنه كان يشعر بالندم على التخلف عن نصرة الحسين (عليه السلام)، وهذا الشعور لا يحصل في العادة إلا عند التقصير والتفريط عن قدرة وتمكن دون العجز بمثل السجن ونحوه، فقد كان يقول في ذلك الاجتماع التأسيسي: (إنا كنا نمد أعناقنا إلى قدوم آل نبينا، ونمنيهم بالنصر، ونحثهم على القدوم، فلما قدموا ونينا)([١٢])، ويبدو والله العالم أنه كان قد مرَّ بحالة ضعف نفسي بعد أن شاهد مقتل مسلم بن عقيل (عليه السلام) وكيف أن الدولة الأموية صارت تتهيأ بكل ثقلها لمواجهة الحسين (عليه السلام).


ومهما يكن من أمر سليمان وتخلفه عن موقعة كربلاء فإن التوابين لما أجمعوا أمرهم خرجوا من الكوفة فعسكروا في النخيلة، وهناك نظر سليمان بن صرد الخزاعي في من كان معه من الرجال  فلم يعجبه عددهم، فبعث اثنين من أصحابه إلى الكوفة يناديان في مسجدها وأحيائها بيا لثارات الحسين (عليه السلام)، ثم إن التوابين تحركوا من النخيلة مرورا ببعض المنازل حتى بلغوا كربلاء، فأقاموا الصيحة والبكاء عند قبر الحسين (عليه السلام) وتمنوا لو أنهم كانوا أصيبوا معه، وقال سليمان: (اللهم ارحم حسينا الشهيد ابن الشهيد، المهدي ابن المهدي الصديق ابن الصديق، اللهم إنا نشهدك أنا على دينهم وسبيلهم، وأعداء قاتليهم وأولياء محبيهم)، فمكثوا هناك يوما وليلة يصلون عليه ويتضرعون ويبكون، ثم انطلقوا حتى وصلوا منطقة عين الوردة، وفيها بعث إليهم ابن زياد الحصين بن نمير في اثني عشر ألفا، فدارت بين الجيشين معركة طاحنة قتل فيها سليمان بن صرد الخزاعي وجملة من كان معه([١٣])، وبنهاية معركة عين الوردة انتهت ثورة التوابين، فما هي عوامل هزيمتهم عسكريا وما هي نتائج حركتهم؟


١- من العوامل الواضحة للنتيجة التي آلت لها معركة عين الوردة الاختلال في موازين القوى بين الجيشين، فبرغم الحماسة الكبيرة التي كانت تدفع التوابين للقتال إلا أن عتادهم وإمكانياتهم لم تكن لتجاري عتاد وإمكانيات الجيش الأموي، ما أدى لحسم النتيجة مبكرا.


٢- ومن عوامل هزيمة التوابين أيضا أنهم دخلوا المعركة بروحية الموت تكفيرا عن الذنب، ولم يدخلوها بروحية النصر على الجيش الأموي، حتى أن زعيمهم سليمان بن صرد الخزاعي كان يقول في الاجتماع الأول لقادتهم: (ألا لا تهابوا الموت فما هابه أحد قط إلا ذل، وكونوا كبني إسرائيل إذ قال لهم نبيهم ((إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ))([١٤]) ففعلوا وجثوا على الركب ومدوا الأعناق حين علموا أنهم لا ينجيهم من عظيم الذنب إلا القتل)([١٥])، ولاشك بأن نوع الروحية التي يدخل بها الجنديُّ معركةً ما له تأثير كبير على أدائه القتالي.


٣- برغم الهزيمة التي مُني بها جيش التوابين إلا أن ثورتهم تمثل رقماً في معادلةِ محصلةِ القوى (sum of powers)، ولا شك في إسهام هذا الرقم بالإضافةِ إلى الرقم الذي مثلته ثورتا أهل المدينة والمختار الثقفي في خلخلةِ الوجود الأموي؛ والذي كان طبيعيا زوال كيانه في نهاية المطاف بعد أن كثرت في حدوده الثورات والاضطربات.



صادق القطان

١٨ يوليو ٢٠٢٢م





--------------------

[١]- (الكامل في التاريخ) لابن الأثير في أحداث السنة الثامنة للهجرة.


[٢]- (تاريخ الطبري) في أحداث السنة الثالثة والستين.


[٣]- المصدر المتقدم في أحداث السنة السادسة والستين.


[٤]- المصدر المتقدم في أحداث السنتين الرابعة والستين والخامسة والستين.


[٥]- (موسوعة التاريخ الإسلامي) للشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي - أحداث السنة الخامسة والستين.


[٦]- (ثورة التوابين .. دراسة في الأسباب والأهداف والنتائج) للسيد حيدر السويج - الفصل الثاني من الكتاب.


[٧]- (الطبقات الكبرى) لابن سعد و(تاريخ بغداد) للخطيب البغدادي وغيرهما.


[٨]- (معجم رجال الحديث) للسيد الخوئي.


[٩]- المصدر السابق.


[١٠]- (تاريخ بغداد) للخطيب البغدادي.


[١١]- ممن ذهب لذلك الشيخ عبد الله المامقاني في (تنقيح الرجال) والشيخ محمد حسين المظفر في (تاريخ الشيعة).


[١٢]- تاريخ الطبري.


[١٣]- المصدر السابق.


[١٤]- الآية ٥٤ من سورة البقرة.


[١٥]- (الكامل في التاريخ) لابن الأثير.

Powered by Vivvo CMS v4.7