عاشورائيات الجزء الاول [ هل الشيعة هم مَن قتل الحسين ؟! ]

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1106
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
عاشورائيات الجزء الاول [ هل الشيعة هم مَن قتل الحسين ؟! ]
بقلم سماحة الشيخ حسن عطوان
 

يحاول بعض المرضى نشر شبهة مفادها :

 

أنَّ مَن قتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) هم نفس الشيعة الذين يبكون عليه .

 

فبعد أنْ أرسلوا له رسائل تدعوه للقدوم ، وأرسل لهم رسوله مسلم بن عقيل فبايعوه ، ثم خذلوه وتركوه يواجه مصيره بالقتل على يد عبيد الله بن زياد !!

ومن ثم خذلوا الإمام الحسين نفسه ،

بل وشاركوا بقتله !!

 

 الجواب :

 

 لابد من الإشارة بدءاً الى أنَّ هذه الدعوى إنّما هي دعوى متأخرة حاولت ( الوهابية ) إشاعتها وترسيخها بقوة في العصور الأخيرة ، ولم تصدر من أيٍّ من مؤرخي العامة من المتقدمين ، مع أنَّ فيهم مَن لا يقل حقداً ولؤماً عن معاصرينا .

 

والقارئ للتاريخ لا يحتاج إلّا الى قليل من الإنصاف ليدرك أنَّ قتلة الحسين ( عليه السلام ) لم يكونوا من الشيعة .

 

وتوضيح ذلك في نقاط :

 

 أولاً :

 

  الشيعة لغة : من المشايعة ، أي المتابعة والمناصرة والموالاة ، 

 

فالشيعة بالمعنى اللغوي : هم الأتباع والأنصار .

 

وقد غلب هذا الاسم على أتباع علي ( عليه السلام ) حتى أختص بهم ، وأصبح إذا أُطلق ينصرف إليهم .

 

وبهذا المعنى اللغوي استعمل القرآن الكريم لفظة ( الشيعة ) ،

 

كما في قوله تعالى : 

 

( وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ ) ( 1 ) . 

 

أي ممَن شايعه وتابعه في دعوته لله سبحانه .

 

وكما في قوله سبحانه : 

 

( فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ) ( 2 ) . 

 

أي ممن شايعه على دينه من بني إسرائيل .

 

 وأمّا اصطلاحاً :

 

فيطلق التشيع ويُراد به أحد معنيين :

 

1. التشيع بالمعنى الأعم وهو حب أهل البيت ( عليهم السلام ) .

 

والتشيع بهذا المعنى يمكن أنْ يوصف به جميع المسلمين عدا مرضى القلوب من النواصب والوهابية وأتباعهم .

 

2. التشيع بالمعنى الأخص وهو تقديم عليٍّ على غيره ، وهكذا تقديم بقية أئمة أهل البيت .

 

ولعل هذا المعنى هو المقصود بمصطلح الروافض عندهم ،

 

أي : الإعتقاد بوجوب التولي والتبري ، وجوب تولي أهل بيت العصمة والتبري ممن أبعدهم عن حقهم .

 

فالشيعي بهذا المعنى يُقَدّم الأئمة الأثني عشر على غيرهم ، ويرفض أية أحقية للغير في إبعادهم عن إمامتهم للأمة .

 

 والكوفة في عهد أمير المؤمنين وإنْ كان فيها رجحان للشيعة بالمعنى الأعم اي الذين لا يبغضون أهل البيت ، لكن الشيعة بالمعنى الأخص لم يكونوا أكثرية فيها . 

 

وبعبارة : لم يكن الشيعة في الكوفة هم الأكثرية ، نعم أكثرية الشيعة هم من أهل الكوفة . 

 

يشهد لذلك : أنَّ بعض المصادر التاريخية نقلت أنَّ أمير المؤمنين في أول خلافته منعهم من صلاة التراويح فضجّوا واعترضوا إعتراضاً شديداً ، ونادوا " واسُنة عمراه " ، فتركهم .

 

فعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنّه قال : 

 

( لقد أمرت الناس أنْ لا يجتمعوا في شهر رمضان إلّا في فريضة وأعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي : يا أهل الاسلام غُيّرت سُنة عمر ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعاً )( 3 ) .

 

كتب أبن ابي الحديد : 

 

" أنَّ عمر خرج في شهر رمضان ليلاً فرأى المصابيح في المسجد ، فقال : ما هذا ؟ فقيل له : إنَّ الناس قد اجتمعوا لصلاة التطوع ، فقال : بدعة فنعمت البدعة ، 

فاعترف كما ترى بأنها بدعة ، وقد شهد الرسول صلى الله عليه وآله أنَّ كل بدعة ضلالة .

 

وقد روي أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام لما اجتمعوا إليه بالكوفة فسألوه أنْ ينصب لهم إماماً يصلي بهم نافلة شهر رمضان ، زجرهم وعرّفهم أنَّ ذلك خلاف السنة فتركوه واجتمعوا لأنفسهم وقدموا بعضهم ، فبعث إليهم ابنه الحسن عليه السلام فدخل عليهم المسجد ومعه الدرة فلما رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا واعمراه " ( 4 ) .

 

فليس كلّ من صلّى خلف علي ( عليه السلام ) أو قاتل في جيشه لابد أنْ يكون شيعياً بالمعنى الأخص ، اذ الامام علي كان بنظرهم الخليفة الرابع للمسلمين فيقبلونه بهذا العنوان لا بعنوان أنّه الأمام المفترض الطاعة .

 

وهذا لايتنافى مع مقولة الفرزدق المشهورة : 

 

" قلوبهم معك وسيوفهم مع بني أمية " ، فكون قلوبهم معه لا يدل على أنّهم كانوا شيعة بالمعنى الأخص .

 

بل لعل هذه المقولة بنفسها تشهد على أنّ أكثرية أهل الكوفة كانوا لا يدينون بعقيدة التولي والتبري ، فغاية ما هناك أنّهم كانوا محبين فقط دون عقيدة تدفعهم للتضحية .

 

على أنَّ بعضهم كانوا من الخوارج والنواصب .

بل وفي عهد الإمام الحسين كان بعضهم معلناً لولائه لبني أمية .

 

ويشهد لذلك : أنَّ الإمام الحسين حينما قال لهم : 

 

( يا ويلكم أتقتلوني على سُّنة بدلتها ؟

 أم على شريعة غيرتها ؟ ... )

 

فقالوا له : " إنا نقتلك بغضا لأبيك " ( 5 ) .

 

ويشهد لذلك ايضاً كلمة لعبيد الله بن الحر الجعفي ، عندما التقى بركب الحسين في الطريق ، ودعاه الإمام لنصرته ، قال : 

 

" أنّه إنّما دعاني من الخروج إلى الكوفة حين بلغني أنك تريدها فرار من دمك ودماء أهل بيتك ...

 

الى أنْ قال : والحسين ليس له ناصر بالكوفة ولا شيعة يقاتل بهم " ( 6 ) .

 

وهذا شاهد واضح على عدم تشيع كثير منهم .

 

عظّم الله أجوركم .

 

******

 

( 1 ) الصافات : 83 .

 

( 2 ) القصص : 15 .

 

( 3 ) الكليني ، محمد بن بعقوب ، ( ت : 329 هج ) ، الكافي ، ج 8 ، ص 62 - 63 ، الناشر : دار الكتب الإسلامية ، طهران . 

 

( 4 ) المعتزلي ، أبن أبي الحديد ، ( ت : 656 هج ) ، شرح نهج البلاغة ، ج 12 ، ص 283 ، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ، قم .

 

( 5 ) القندوزي الحنفي ، الشيخ سليمان بن ابراهيم ، ( ت : 1294 هج ) ، ينابيع المودة ، ج 3 ، ص 80 ، الناشر : دار الأسوة للطباعة والنشر .

 

( 6 ) السماوي ، الشيخ محمد بن طاهر ، ( ت : 1370 هج ) ، إبصار العين في أنصار الحسين ، ص 151 ، الناشر : مركز الدراسات الإسلامية ، ط 1 .

 

**

 

( له تتمة ) 

سماحة الشيخ حسن عطوان

Powered by Vivvo CMS v4.7