تحريف القرآن الكريم / معنى تحريف القران
تحريف القرآن الكريم
معنى التحريف*:
يطلق لفظ التحريف ويراد منه عدة معان على سبيل الاشتراك، فبعض منها واقع في القرآن باتفاق من المسلمين، وبعض منها لم يقع فيه باتفاق منهم أيضا، وبعض منها وقع الخلاف بينهم. وإليك تفصيل ذلك:
الأول: «نقل الشيء عن موضعه وتحويله إلى غيره» ومنه قوله تعالى:
(مِنَ اَلَّذِينَ هادو يُحَرِّفُونَ اَلْكَلِمَ عَنْ مواضعه) «٤:٤٦».
ولا خلاف بين المسلمين في وقوع مثل هذا التحريف في كتاب اللّه فإن كل من فسّر القرآن بغير حقيقته، وحمله على غير معناه فقد حرّفه.
وترى كثيرا من أهل البدع، والمذاهب الفاسدة قد حرّفوا القرآن بتأويلهم آياته على آرائهم وأهوائهم.
وقد ورد المنع عن التحريف بهذا المعنى، وذم فاعله في عدة من الروايات. منها: رواية الكافي بإسناده عن الباقر عليه السّلام أنه كتب في رسالته إلى سعد الخير: «وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده، فهم يروونه ولا يرعونه، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية...».
الثاني: «النقص أوالزيادة في الحروف أوفي الحركات، مع حفظ القرآن وعدم ضياعه، وإن لم يكن متميزا في الخارج عن غيره».
والتحريف بهذا المعنى واقع في القرآن قطعا، فقد ثبت عدم تواتر القراءات، ومعنى هذا أن القرآن المنزل إنما هو مطابق لإحدى القراءات، وأما غيرها فهو إما زيادة في القرآن وإما نقيصة فيه.
الثالث: «النقص أوالزيادة بكلمة أوكلمتين، مع التحفظ على نفس القرآن المنزل».
والتحريف بهذا المعنى قد وقع في صدر الإسلام، وفي زمان الصحابة قطعا، ويدلنا على ذلك إجماع المسلمين على أن عثمان أحرق جملة من المصاحف وأمر ولاته بحرق كل مصحف غير ما جمعه، وهذا يدل على أن هذه المصاحف كانت مخالفة لما جمعه، وإلا لم يكن هناك سبب موجب لإحراقها، وقد ضبط جماعة من العلماء موارد الاختلاف بين المصاحف، منهم عبد اللّه بن أبي داود السجستاني، وقد سمى كتابه هذا بكتاب المصاحف. وعلى ذلك فالتحريف واقع لا محالة إما من عثمان أومن كتّاب تلك المصاحف، و لكن ثبت أن ما جمعه عثمان كان هو القرآن المعروف بين المسلمين، الذي تداولوه عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يدا بيد. فالتحريف بالزيادة والنقيصة إنما وقع في تلك المصاحف التي انقطعت بعد عهد عثمان، وأما القرآن الموجود فليس فيه زيادة ولا نقيصة.
وجملة القول: إن من يقول بعدم تواتر تلك المصاحف-كما هو الصحيح- فالتحريف بهذا المعنى وإن كان قد وقع عنده في الصدر الأول إلاّ أنه قد انقطع في زمان عثمان، وانحصر المصحف بما ثبت تواتره عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأما القائل بتواتر المصاحف بأجمعها، فلا بد له من الالتزام بوقوع التحريف بالمعنى المتنازع فيه في القرآن المنزل، وبضياع شىء منه. وقد صرح الطبري، وجماعة اخرون بإلغاء عثمان للحروف الستة التي نزل بها القرآن، واقتصاره على حرف واحد.
الرابع: «التحريف بالزيادة والنقيصة في الآية والسورة مع التحفظ على القرآن المنزل، والتسالم على قراءة النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إياها».
والتحريف بهذا المعنى أيضا واقع في القرآن قطعا. فالبسملة-مثلا-مما تسالم المسلمون على أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قرأها قبل كل سورةغير سورة التوبة وقد وقع الخلاف في كونها من القرآن بين علماء السنة، فاختار جمع منهم أنها ليست من القرآن، بل ذهبت المالكية إلى كراهة الإتيان بها قبل قراءة الفاتحة في الصلاة المفروضة، إلا إذا نوى به المصلي الخروج من الخلاف، وذهب جماعة اخرى إلى أن البسملة من القرآن.
وأما الشيعة فهم متسالمون على جزئية البسملة من كل سورة غير سورة التوبة، واختار هذا القول جماعة من علماء السنة أيضا- وستعرف تفصيل ذلك عند تفسيرنا سورة الفاتحة- وإذن فالقرآن المنزل من السماء قد وقع فيه التحريف يقينا، بالزيادة أوبالنقيصة.
الخامس: «التحريف بالزيادة بمعنى أن بعض المصحف الذي بأيدينا ليس من الكلام المنزل».
والتحريف بهذا المعنى باطل بإجماع المسلمين، بل هو مما علم بطلانه بالضرورة.
السادس: «التحريف بالنقيصة، بمعنى أن المصحف الذي بأيدينا لا يشتمل على جميع القرآن الذي نزل من السماء، فقد ضاع بعضه على الناس».
والتحريف بهذا المعنى هو الذي وقع فيه الخلاف فأثبته قوم ونفاه آخرون.
——————————
*مستل بتصرف من كتاب البيان للمحقق السيد الخوئي قدس سره.