سبب نهي عمر عن المتعة
سبب نهي عمر عن المتعة
في صحيح مسلم، و المصنف لعبد الرزاق، و مسند أحمد، و سنن البيهقي، و غيرها و اللفظ لمسلم عن جابر بن عبد اللّه قال: كنّا نستمتع بالقبضة من التمر و الدقيق، الأيّام، على عهد رسول اللّه (ص) و أبي بكر، حتى نهى عنه عمر، في شأن عمرو بن حريث
و في لفظ المصنف لعبد الرزاق عن عطاء عن جابر: استمتعنا على عهد رسول اللّه (ص) و أبي بكر و عمر حتّى اذا كان في آخر خلافة عمر استمتع عمرو بن حريث بامرأة-سمّاها جابر فنسيتها-فحملت المرأة فبلغ ذلك عمر فدعاها فسألها، فقالت:
نعم. قال: من أشهد؟قال عطاء: لا أدري قالت: أمّي، أم وليّها، قال: فهلاّ غيرهما، قال: خشي أن يكون دغلا...
و في رواية اخرى قال جابر: قدم عمرو بن حريث من الكوفة فاستمتع بمولاة فأتي بها عمرو هي حبلى فسألها، فقالت: استمتع بي عمرو بن حريث، فسأله فأخبره بذلك أمرا ظاهرا، قال: فهلاّ غيرها، فذلك حين نهى عنها
و في أخرى عن محمّد بن الأسود بن خلف: إنّ عمرو بن حوشب استمتع بجارية بكر من بني عامر بن لؤي: فحملت، فذكر ذلك لعمر فسألها، فقالت: استمتع منها عمرو بن حوشب، فسأله فاعترف، فقال عمر: من أشهدت؟قال-لا أدري أ قال: أمّها أو أختها أو أخاها و أمها، فقام عمر على المنبر، فقال: ما بال رجال يعملون بالمتعة و لا يشهدون عدولا و لم يبيّنها إلاّ حددته، قال: أخبرني هذا القول عن عمر من كان تحت منبره، سمعه حين يقوله، قال: فتلقاه الناس منه .
و في كنز العمّال: عن أمّ عبد اللّه ابنة أبي خيثمة أنّ رجلا قدم من الشام فنزل عليها فقال: انّ العزبة قد اشتدّت عليّ فابغيني امرأة أتمتّع معها قالت: فدللته على "امرأة فشارطها و أشهدوا على ذلك عدولا فمكث معها ما شاء اللّه أن يمكث ثمّ إنّه خرج، فأخبر بذلك عمر بن الخطّاب؛ فأرسل إليّ فسألني أحقّ ما حدّثت؟قلت: نعم، قال: فإذا قدم فآذنينى به، فلمّا قدم أخبرته فأرسل إليه، فقال: ما حملك على الّذي فعلته؟قال: فعلته مع رسول اللّه (ص) ثمّ لم ينهنا عنه حتّى قبضه اللّه، ثمّ مع أبي بكر فلم ينهنا حتّى قبضه اللّه، ثمّ معك فلم تحدث لنا فيه نهيا، فقال عمر: أما و الّذي نفسي بيده لو كنت تقدّمت في نهي لرجمتك، بيّنوا حتّى يعرف النكاح من السفاح .
و في مصنف عبد الرزّاق: عن عروة: إنّ ربيعة بن أميّة بن خلف تزوّج مولّدة من مولّدات المدينة بشهادة امرأتين إحداهما خولة بنت حكيم، و كانت امرأة صالحة، فلم يفجأهم إلا الوليدة قد حملت، فذكرت ذلك خولة لعمر بن الخطاب، فقام يجرّ صنفة ردائه من الغضب حتى صعد المنبر، فقال: إنّه بلغني أنّ ربيعة بن أميّة تزوّج مولّدة من مولّدات المدينة بشهادة امرأتين، و إنّي لو كنت تقدّمت في هذا لرجمت .
و في موطّأ مالك، و سنن البيهقي، و اللفظ للأوّل: إنّ خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطّاب. فقالت: إنّ ربيعة بن أميّة استمتع بامرأة فحملت منه، فخرج عمر يجرّ رداءه، فقال: هذه المتعة. و لو كنت تقدّمت فيها لرجمت .
و في الإصابة: إنّ سلمة بن أميّة استمتع من سلمى مولاة حكيم بن أميّة بن الأوقص الأسلمي فولدت له فجحد ولدها فبلغ ذلك عمر فنهى عن المتعة.
و في المصنف لعبد الرزاق، عن ابن عباس قال: لم يرع أمير المؤمنين إلاّ أمّ أراكة قد خرجت حبلى، فسألها عمر عن حملها، فقالت: استمتع بي سلمة بن أميّة بن خلف..
و في المصنّف لابن أبي شيبة عن العلاء بن المسيب عن أبيه قال: قال عمر: لو أتيت برجل تمتّع بامرأة لرجمته إن كان احصن فإن لم يكن احصن ضربته .
في الروايات السابقة وجدنا الصحابة يقولون: إنّ آية فَمَا اِسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ وردت في نكاح المتعة، و أنّ رسول اللّه أمر به، و أنّهم كانوا يستمتعون بالمرأة بالقبضة من التمر و الدقيق على عهد رسول اللّه و أبي بكر و نصف من خلافة عمر حتّى نهى عنها في شأن عمرو بن حريث، و وجدنا نكاح المتعة متفشيا على عهد عمر قبل أن ينهى عنه، و لعلّه تدرّج في تحريمه بدءا بالتشديد في أمر شهود نكاح المتعة و طلب أن يشهده عدول المؤمنين كما يظهر ذلك من بعض الروايات السابقة، ثمّ نهيه عنه بتاتا حتى قال لو تقدّمت في نهى لرجمت، و بعد هذا أصبح نكاح المتعة محرّما في المجتمع الإسلامى، و بقي الخليفة مصرّا على رأيه إلى آخر عهده لم يؤثر فيه نصح الناصحين. فقد روى الطبري في سيرة عمر عن عمران بن سوادة أنّه استأذن و دخل دار الخليفة ثمّ قال: نصيحة:
فقال: مرحبا بالناصح غدوّا و عشيّا.
قال: عابت أمتك منك أربعا.
قال: فوضع رأس درّته في ذقنه و وضع أسفلها على فخذه، ثم قال: هات:
قال: ذكروا أنّك حرّمت العمرة في أشهر الحجّ و لم يفعل ذلك رسول اللّه و لا أبو بكر (رض) و هي حلال
قال: هي حلال، لو أنّهم اعتمروا في أشهر الحجّ رأوها مجزية من حجّهم فكانت قائبة قوب عامها فقرع حجّهم و هو بهاء من بهاء اللّه و قد أصبت.
قال: ذكروا انّك حرّمت متعة النساء و قد كانت رخصة من اللّه نستمتع بقبضة و نفارق عن ثلاث.
قال: إن رسول اللّه (ص) أحلّها في زمان ضرورة ثمّ رجع الناس إلى سعة ثمّ لم أعلم أحدا من المسلمين عمل بها و لا عاد إليها، فالآن من شاء نكح بقبضة و فارق عن ثلاث بطلاق و قد أصبت...
"إنّ ما اعتذر به الخليفة في تحريمه متعة الحجّ (بأنّهم لو اعتمروا في أشهر الحج لرأوها مجزية عن حجّهم) لا يصدق على نهيه عن الجمع بين الحج و العمرة، و إنّما الصحيح ما اعتذر به في حديث آخر له من أنّ أهل مكّة لا ضرع لهم و لا زرع و إنما ربيعهم في من يفد إلى هذا البيت، إذن فليأتوا إلى هذا البيت مرّتين، مرّة للحجّ المفرد، و أخرى للعمرة المفردة ليربح منهم قريش ارومة المهاجرين.
و أمّا اعتذاره في تحريم نكاح المتعة من أنّ عهد رسول اللّه كان زمان ضرورة خلافا لما كان عليه عهده، فإن جلّ الروايات الّتي صرّحت بوقوعها في عصر رسول اللّه و بإذن منه ذكرت أنّها كانت في الغزوات و حال السفر، و لا فرق في ذلك بين عهد رسول اللّه و عهد عمر إلى زماننا الحاضر و إلى أبد الدهر
فإنّ الإنسان لم يزل منذ أن وجد على ظهر هذا الكوك ب- الأرض-و لا يزال بحاجة إلى السفر و الاغتراب عن أهله أسابيع و شهورا، بل و سنين طويلة أحيانا، فإذا سافر الرجل ما ذا يصنع بغريزة الجنس في نفسه؟هل يستطيع أن يتركها عند أهله حتى إذا عاد إليهم عادت غريزته إليه فتصرف فيها مع زوجه؟أم أنّها معه لا تفارقه في السفر و الحضر؟و إذا كانت غريزته غير مفارقة إياه فهل يستطيع أن يتنكر لها في السفر و يستعصم؟و إذا كان الشاذّ النادر في البشر يستطيع أن يستعصم فهل الجميع يستطيعون ذلك أم أنّ الغالب منهم تقهره غريزته؟و هذا الصنف الكثير من البشر إذا طغت عليه غريزته في المجتمع الذي يمنعه من التّصرف في غريزته و يطلب منه أن يخالف فطرته و ما تقتضيه طبيعته ما ذا يفعل عند ذاك؟و هل له سبيل غير أن يخون ذلك المجتمع؟! و الإسلام الذي وضع حلاّ مناسبا لكلّ مشكلة من مشاكل الإنسان هل ترك هذه المشكلة بلا حلّ؟!لا. بل شرّع لحلّ هذه المشكلة: الزواج الموقّت، و لو لا نهي عمر عنها لما زنى الاّ شقيّ (أو: شفى) كما قاله الإمام علي، أمّا المجتمعات البشرية فقد وضعت لها حلاّ بتحليل الزنا في كلّ مكان.
و لا يقتصر الأمر في ما ذكرنا على من يسافر من وطنه، فإن للبشر كثير من الحالات في وطنه تمنعه من الزواج الدائم أحيانا سواء في ذلك الرجل و المرأة، فما ذا يصنع "إنسان لم يتمكن من الزواج الدائم سنين كثيرة من عمره في وطنه إن لم يلتجئ إلى الزواج الموقّت؟ما ذا يصنع هذا الإنسان و القرآن يقول له «و لا تواعدوهنّ سرّا» و يقول لها: «غير متخذات أخدان» ؟! أمّا ما ذكره الخليفة في مقام العلاج من تبديل نكاح المتعة بالنكاح الدائم على أن يفارق عن ثلاث بالطلاق، فالأمر ينحصر فيه بين أمرين لا ثالث لهما، إمّا أن يقع ذلك بعلم من الزوجين و تراض بينهما فهو الزواج الموقّت أو نكاح المتعة بعينه، و إمّا أن يقع بتبييت نيّة من الزوج مع إخفائه عن الزوجة فهو غدر بالمرأة و استهانة بها بعد ان اتّفقا على النكاح الدائم و أخفى المرء في نفسه نيّة الفراق بعد ثلاث، و كيف يبقى اعتماد للمرأة و ذويها على عقد الزواج الدائم مع هذا؟! و أخيرا فإنّه يرى بكلّ وضوح من هذه المحاورة و من كل ما روي عن الخليفة من محاورات في هذا الباب أنّ كلّ تلك الروايات التي رويت عن رسول اللّه في تحريمه المتعتين و نهيه عنهما و التي حفلت بتدوينها أمّهات كتب الحديث و التفسير وضعت بعد عصر عمر فانّ واحدا من الصحابة على عهد عمر لو كانت عنده رواية عن رسول اللّه تؤيّد سياسة الخليفة في المتعتين و التي كان يجهر "بها و يتهدّد على مخالفتها بقوله (و أعاقب عليهما) لو كان واحد من الصحابة على عهده عنده من رسول اللّه شيء يؤيد هذه السياسة لما احتاج إلى كتمانها عن الخليفة و لنشرها، و لو كان الخليفة في كلّ تلك المدّة قد اطّلع على شيء يؤيّد سياسته لا ستشهد به و لما احتاج إلى كلّ هذا العنف بالمسلمين.
هكذا انتهى عهد الخليفة عمر. بعد أن كبت المعارضين لسياسة حكمه و كتم أنفاسهم و منعهم حتى من نقل حديث الرسول-كما أشرنا إلى ذلك في فصل (في حديث الرسول) -و استمرّ الأمر على ذلك إلى ستّ سنوات من خلافة عثمان، و انتشر الأمر متدرّجا بعد ذلك فنشأ جيل جديد لا يعرف من الإسلام إلاّ ما سمحت سياسة الخلافة، بنشره و بيانه كما سنعرفه في ما يأتي: