• Post on Facebook
  • Twitter
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save
الأكثر شعبية

البرهان الأول برهان الإمكان والوجوب

بواسطة |   |   عدد القراءات : 2002
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

البرهان الأول برهان الإمكان والوجوب

توضيح هذا البرهان يتوقف على بيان أمور:

1: تقسيم الموجود إلى الواجب والممكن، وذلك لأن الموجود إما أن يستدعي من صميم ذاته ضرورة وجوده ولزوم تحققه في الخارج بأعتبار أنه قائم بذاته لا نقص ولا حاجة فيه، فهذا هو الواجب لذاته ، وإما أن يكون متساوي النسبة إلى الوجود والعدم لأنه فقير ومحتاج في أصل وجوده وفي بقاءه بعد وجوده ولا يستدعي في حد ذاته أحدهما أبدا، وهو الممكن لذاته، كأفراد الإنسان وغيره.

2: كل ممكن يحتاج إلى علة في وجوده ، وهذا من البديهيات التي لا يرتاب فيها ذو عقل ، فإن العقل يحكم بالبداهة على أن ما لا يستدعي في حد ذاته الوجود ، يتوقف وجوده على أمر آخر وهو العلة ، وإلا لو كان وجوده تحقق من ذاته يستلزم بطلان ما فرض انه ممكن فقير للعلة .

3: الدور ممتنع، وهو عبارة عن كون الشيء موجدا لثان وفي الوقت نفسه يكون الشيء الثاني موجدا لذاك الشيء الأول.

وجه امتناعه أن مقتضى كون الأول علة للثاني، تقدمه عليه وتأخر الثاني عنه، ومقتضى كون الثاني علة للأول تقدم الثاني عليه، فينتج كون الشيء الواحد، في حالة واحدة وبالنسبة إلى شيء واحد، متقدما وغير متقدم ومتأخرا وغير متأخر وهذا هو الجمع بين النقيضين.

إن امتناع الدور وجداني ، ولتوضيح الحال نأتي بمثال : إذا اتفق صديقان على إمضاء وثيقة واشترط كل واحد منهما لإمضائها، إمضاء الآخر فتكون النتيجة توقف إمضاء كل على إمضاء الآخر، وعند ذلك لن تكون تلك الورقة ممضاة إلى يوم القيامة، وهذا مما يدركه الإنسان بالوجدان وراء دركه بالبرهان.

4: التسلسل محال، وهو عبارة عن اجتماع سلسلة من العلل والمعاليل الممكنة، مترتبة غير متناهية، ويكون الكل متسما بوصف الإمكان، بأن يتوقف (أ) على (ب) و (ب) على (ج) و (ج) على (د) وهكذا من دون أن تنتهي إلى علة ليست بممكنة ولا معلولة.

والدليل على استحالته أن المعلولية وصف عام لكل جزء من أجزاء السلسلة، فعندئذ يطرح هذا السؤال نفسه : إذا كانت السلسلة الهائلة معلولة، فما هي العلة التي أخرجتها من كتم العدم إلى عالم الوجود ؟ والمفروض أنه ليس هناك شيء يكون علة ولا يكون معلولا، وإلا يلزم انقطاع السلسلة وتوقفها عند نقطة خاصة، وهي الموجود الذي قائم بنفسه وغير محتاج إلى غيره وهو الواجب الوجود بالذات فيثبت المطلوب .

وقد يشكل: إن كل معلول من السلسلة متقوم بالعلة التي تتقدمه ومتعلق بها، فالجزء الأول من آخر السلسلة وجد بالجزء الثاني، والثاني بالثالث، وهكذا إلى أجزاء وحلقات غير متناهية، وهذا المقدار من التعلق يكفي لرفع الفقر والحاجة.

والجواب : المفروض أن كل جزء من أجزاء السلسلة الغير متناهية موصوف بوصف الإمكان والمعلولية الحاجة ، وعلى هذا فوصف العلية له ليس بالأصالة والاستقلال، فليس لكل حلقة دور الإفاضة والإيجاد بالاستقلال، فلا بد أن يكون هناك علة وراء هذه السلسلة ترفع فقرها وتكون سنادا لها.

ولتوضيح الحال نمثل بمثال وهو أن كل واحدة من هذه المعاليل بحكم فقرها الذاتي، بمنزلة الصفر، فاجتماع هذه المعاليل بمنزلة اجتماع الأصفار، ومن المعلوم أن الصفر بإضافة أصفار متناهية أو غير متناهية إليه لا ينتج عدد الواحد فضلا عن الاكثر ، بل يجب أن يكون إلى جانب هذه الأصفار عدد صحيح قائم بالذات حتى يكون مصححا لقراءة تلك الأصفار.

فقد خرجنا بهذه النتيجة وهي أن فرض علل ومعاليل غير متناهية مستلزم لأحد أمرين :

١ـ إما تحقق المعلول بلا علة،

٢ـ إما عدم وجود شيء في الخارج أبداً ، وكلاهما بديهي الاستحالة.

تقرير برهان الإمكان

إلى هنا تمت المقدمات التي يبتني عليها برهان الإمكان، وإليك نفس البرهان :

لا شك أن صفحة الوجود مليئة بالموجودات الإمكانية، بدليل أنها توجد وتنعدم وتحدث وتفنى ويطرأ عليها التبدل والتغير، إلى غير ذلك من الحالات التي هي علامات الإمكان وصفات الافتقار.

وأمر وجودها لا يخلو عن الفروض التالية :

أ ـ لا علة لوجودها بل وجدت صدفة ، وهذا باطل بحكم المقدمة الثانية (كل ممكن يحتاج إلى علة).

ب ـ البعض منها علة لبعض آخر وبالعكس، وهو محال بمقتضى المقدمة الثالثة (بطلان الدور).

ج ـ بعضها معلول لبعض آخر وذلك البعض معلول لآخر من غير أن ينتهي إلى علة ليست بمعلول، وهو ممتنع بمقتضى المقدمة الرابعة (استحالة التسلسل).

د ـ وراء تلك الموجودات الإمكانية علة ليست بمعلولة بل يكون واجب الوجود الوجود لذاته وهو المطلوب .

فاتضح أنه لا يصح تفسير النظام الكوني إلا بالقول بانتهاء الممكنات إلى الواجب لذاته القائم بنفسه، فهذه الصورة هي التي يصححها العقل ويعدها خالية عن الإشكال، وأما الصور الباقية، فكلها تستلزم المحال، والمستلزم للمحال محال

Powered by Vivvo CMS v4.7