معالم الحكومة الإسلامية عند الإمام المهدي عليه السلام
معالم الحكومة الإسلامية عند الإمام المهدي عليه السلام
السيد نذير الحسني
تعاقبت على هذا العالم حكومات متعددة تباينت فيما بينها بالوسائل والأهداف, والكل يسعى حسب مدعاه للوصول الى الحرية والأمان والاستقرار في كل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ودفعت البشرية بمختلف طبقاتها ضرائب التطبيق الفاشلة التي فرضتها أنواع الحكومات المختلفة, والتي لم تتوان عن استخدام مختلف وسائل القمع والتنكيل بالمستضعفين والمحرومين الذين يمثلون أدوات المختبر لتلك السياسات.
ولم تتوقف هذه العجلة بل هي مستمرة الى ذلك اليوم الذي وعد فيه الله تعالى بالتطبيق الكامل للاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي عندما قال: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).
يقول أمير المؤمنين عليه السلام ناظراً الى الآية: (والذي نفسي بيده لا تبقى قرية إلّا نودي فيها بشهادة أن لا إله الا الله وأنّ محمداً رسول الله).
ويقول الإمام زين العابدين عليه السلام: (إنّ الإسلام قد يظهره الله على جميع الأديان عند قيام القائم).
ويقول الإمام الصادق عليه السلام بحق هذه الآية: (والله ما يجيء تأويلها حتى يخرج القائم فإذا خرج القائم لم يبقَ مشرك إلا كره خروجه ولا يبقى كافر الا قتل).
فاليوم الذي تأوي فيه الناس الى قائدها الحقيقي كما تأوي النحلة الى يعسوبها، وكما وصفه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقول: (تأوي اليه أمته كما تأوي النحلة الى يعسوبها, يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً), وهو قادم لا محالة.
وفي هذا المفصل من مفاصل نظرية الإصلاح العالمية بقيادة المهدي المنتظر عليه السلام نحاول أنْ نلمح الخطوط العامة في مجتمعه على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بالإضافة الى ملاحظة الروايات التي أشارت الى التقدم العلمي الحاصل أنذاك.
قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا).
وقال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ).
وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).
تشير هذه الآيات إلى عالمية الاعتقاد بالإسلام, وتحقيق مناهج وتطبيقاتها وإظهارها بمختلف أنواع الإظهار على كل المناهج والمشاريع السابقة واللاحقة, وأشارت بعض الروايات الى أن هذا لا يتم إلا في زمن الإمام المهدي عليه السلام الذي يتولى مهمة قتال المشركين كافة.
يقول الإمام الباقر عليه السلام في قوله تعالى: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً), قال: (لم يجيء تأويل هذه الأية وإذا قام قائمنا بعد يرى من يدركه مايكون من تأويل هذه الآية وليبلغن دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما بلغ الليل والنهار حتى لا يكون شرك على ظهر الأرض).
وورد عن الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ), قال: (إذا قام القائم المهدي لا تبقى أرض الا نودي فيها بشهادة: لا إله الا الله محمد رسول الله).
فالقيادة المعصومة تصبح حاكمة على بقاع الأرض شرقها وغربها شمالها وجنوبها, تفتح السماء فيها الأبواب وتخرج الأرض ما أُودع فيها من كنوز, ويتحقق حلم الأنبياء, وتشرق شمس الإسلام بتشريعاته و وسائل تطبيقاته.
ومن المعلوم أنّ هذا لا يتحقق إلاّ بعد أنْ يقوم الإمام عليه السلام ومن تبعه من الأنصار بحملة تطهير الأرض من فلول الشرك وأنصار الرذيلة عن طريق الحروب التي تبدأ من أول لحظة الظهور وحتى الاستقرار العام والسيطرة على مقاليد الأمور في شرق الأرض وغربها, عندها تنعم المجتمعات بالأمن والأمان ويبدأ الإمام عليه السلام بتطبيق وسائله المختلفة التي يتمتع بها نتيجة الإمكانات الذاتية التي يحملها من العصمة والتسديد الرباني المستمر الى أنْ يأذن الله تعالى بوعده الموعود.
نعم ينعم العالم بقيادة المعصوم, أمّا كيفية صياغة هذه القيادة بأشكال وأساليب تشريعية أو تنفيذية أو قضائية وتشكيلات هذه السلطة بالإضافة إلى أنظمته العسكرية، كل ذلك نعتقد أن من السابق لأوانه التنبؤ به وإعطاءه صورة محددة قد لا تتفق مع واقع تلك التشكيلات في عصر الظهور خصوصاً وإنّ الروايات لم تشر الى ذلك إلا بخطوط عامة لا تتجاوز الإشارة والرمز