في رحاب بقية الله .. الحلقة الاولى: دلالات من الغيبة الصغرى

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1433
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
في رحاب بقية الله .. الحلقة الاولى: دلالات من الغيبة الصغرى

بقلم : الشيخ عمار الشتيلي


ونحن نقترب شيئا فشيئا من ال15 من شهر شعبان حيث الولادة الميمونة لحجة الله الأعظم المهدي بن الحسن عجل الله فرجه الشريف . نقف بعون من الله ومعونة منه في سلسلة حلقات نستنشق من خلالها عبق المحبة والولاء ، ونلتمس فيها الفكرة والموعظة . متاملين نظرة ملؤها الرحمة والعطف من السيد لمواليه

ان من الواضح ان للامام المهدي عجّل الله تعالى فرجه غيبتان : صغرى وكبرى ، روي عن أبي جعفر عليه السلام : ( إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين ) . 1

 

وتبدأ الغيبة الاولى وهي الصغرى من حين تولّي الإمام المهدي ع مسؤوليّة الإمامة بعد وفاة أبيه ع ـ سنة ٢٦٠ هـ ـ وعمره حينذاك خمس سنين ،

و بدأت حينها السفارة بينه وبين الشيعة والتي امتدّت طيلة تسع وستين عاماً وستّة أشهر وخمسة عشر يوماً كما ينقل المؤرّخون ، وسفراؤه هم على التوالي :

الأوّل : عثمان بن سعيد بن عمرو العمري.

الثاني : محمّد بن عثمان بن سعيد.

الثالث : حسين بن روح النوبختي.

الرابع : علي بن محمّد السمري.

وهنا تستوقفنا في هذه الفترة الزمنية المعبر عنها بالغيبة الصغرى  معطيات 

و دلالات يجدر بالباحث والمتأمل الا يغفلها .

____________________________

 

( بعض معطيات الغيبة الصغرى ) :

 

1 : إثبات وجود الامام المهدي ع لما حفّت ولادته من ظروف من خلال ما يصل إلى الشيعة عنه عبر السفراء والوكلاء من تواقيع وبيّنات وبيانات .

2ً : التدرج مع القاعدة الشيعية الموالية في مسالة اختفاء الامام ع ، والتي  كانت معتادة على الاتّصال والتفاعل واللقاء في كلّ عصر في الرجوع إلى المعصوم ع  في كل ماتحتاج اليه وما يشكل عليها .

 فان الغيبة والانقطاع الدفعي عن القيادة الروحيّة والفكريّة تسبب عصفا بالكيان الشيعي .

وهذا يتجلى بعد النظر وعمق الرؤية في مؤسسة الامامة المتصدية لادارة المرحلة الحساسة من عمر ومصير الطائفة.

3 .استقرار الوضع العام للطائفة تجاه موضوع الامامة ودوامها بوجود الحجة المستور عج بعد ان دخلت الامة منعطفا عقائديا تاريخيا خطرا وحساسا .

4. تكيف الوجود الشيعي مع حقيقة  الغيبة ، وتقبل مرجعية النيابة الخاصة المتمثلة بالفقيه العالم المعين بالاسم خلال سبعين سنة تقريبا في الغيبة الصغرى ؛ تمهيدا للحوالة الى النيابة العامة للفقيه العالم المعين بالصفات والمقامات لا الأسماء في الغيبة الكبرى .

__________

( بعض الدلالات من وحي الغيبة الصغرى ) :

 

        (دلالات تنموية )

        ****

1 . التنظيم الرائع الممنهج  في المؤسسة الدينية المتمثلة بالامامة ، وتسيير شؤونها وفق برامج وآليات محددة ومقننة ، وتفعيل دور الرقابة والمتابعة  ، هذا كله يكسب العمل مرونة وانسيابية باتجاه تحقيق الأهداف ، ويقلل من حجم الاخطاء المحتملة الوقوع ، ويعطي جاذبية نوعية لاستقطاب العاملين وزيادة ثقتهم بالمؤسسة ، والتفافهم حول قيادتها ، وثباتهم على منهجها .

روي عن الامام الرضا ع :

( ..الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا وعز المؤمنين، إن الإمامة أس الاسلام النامي، وفرعه السامي ..) . 2

جاء في وصية امير المؤمنين ع لولديه الحسن والحسين ع :

 ( الله الله في نظم امركم ) . 3

___________

2 . الاعتماد عل الكفاءات العلمية العاملة المجاهدة المخلصة ذات التاريخ المشرق في إدارة الأمور وتمثيل القيادة ،  والنأي عن اهل المصالح ؛ ممن يوظف الدين لأجل الدنيا .

جاء في حديث الامام العسكري عن وكيله الثقة العامل المجاهد  عثمان بن سعيد العمري :

(أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأن ابنه محمدا وكيل ابني مهديكم ) . 4

وقد اختير ليكون النائب الاول للامام الحجة ع وموضع ثقته ، وكان تأبين الامام عج لعثمان  ، وتعزية ولده محمد وهو النائب الثاني في غيبة الصغرى بعد ابيه  دليلا واضحا عن جلالة قدره من جهة ، وعلى اكبار الإمام عج لهذه الكفاءة العاملة من جهة اخرى .

( انّا لله وإنّا إليه راجعون؛ تسليماً لأمره، ورضاءً بقضائه. عاش أبوك سعيداً، ومات حميداً، فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليهم عليهم السّلام؛ فلم يزل مجتهداً في أمرهم، ساعياً فيما يقرّبه إلى الله عزّوجلّ وإليهم، نضّر الله وجهه، وأقال عثرته.

وفي فصلٍ آخر: أجزل الله لك الثواب، وأحسن لك العزاء، رُزِيتَ ورُزينا، وأوحَشَك فراقُه وأوحَشَنا، فسرّه الله في منقلبه، كان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالى ولداً مِثْلَك يخلفه مِن بعده، ويقوم مَقامه بأمره، ويترحّم عليه ) . 5

 

___________

3  . التعاون بين  افراد المؤسسة المخلصين  وخصوصا المتصدين من أجل إنجاح المشروع  ، والتصرف بلياقة عالية ومهنية عملية وورع عال وتقوى متميزة في الالتفاف حول الكفاءة العاملة وتاييدها ودعم خطواتها واسناد مواقفها وتبني افكارها .

 

وهنا نذكر  الرواية التي يرويها الشيخ الطوسي في الغيبة عن ( جعفر بن أحمد بن متيل ) وهو من أعلام الشيعة ، يقول :

( كنت عند رأس محمّد بن عثمان

 

بن سعيد ـ  النائب الثاني للإمام المهدي ع في الغيبة الصغرى ـ وكان أبو القاسم ( الحسين بن روح النوبختي عند رجليه ، وكان (جعفر بن أحمد ) أقرب الناس لمحمّد بن عثمان ، وكان مستودع سرّه ، وكان الناس إذا جلسوا يرشّحون هذا الرجل ـ جعفر بن أحمد ـ أن يكون هو النائب الثالث .

وإذا به في آخر ساعة من ساعات حياته يلتفت ويقول : يا جعفر أمرت أن أوصي من بعدي للحسين بن روح لأبي القاسم .

 

يقول شيخ الطائفة : فقام جعفر بكلّ أدب وامتثال وأخذ بيدي الحسين بن روح وأجلسه عند رأس محمّد بن عثمان وجلس هو عند رجليه ) .6

 

____________________

4.  عدم الجمود على خط بياني واحد في التقنين والعمل ، بل تنوع البرامج  وفق متطلبات المرحلة التي تعيشها المؤسسة ، ويقتضيها الظرف ، ويمليها البرنامج الموضوع وفق رؤية القيادة التي تسير بالمؤسسة والاتباع نحو الصلاح والاصلاح والعمل المثمر دائما.

من هنا نجد تنوعا في خطوط العمل الإسلامي من جهة الطاقات المتحركة في جسد الامة ، وعلى اختلاف مستوياتها العلمية والحركية ، كوجود الوكلاء الثقات والمعتمدين لدى السفراء الأربعة ، والذين يقومون بمهمّة مساعدة السفراء في أعمالهم ،  وهم الحلقة الوسطية بين السفراء والمجتمع ، والتي تنطلق من بغداد الى الاقطار والامصار ، وكانوا يعينون بتوجيه من الإمام ع ويحظون برعايته ع .

 

 روي عن إبراهيم بن محمّد الهمداني، قال: كتب إليَّ _ يعني الإمام ع _: (قد وصل الحساب، تقبَّل الله منك ورضي عنهم، وجعلهم معنا في الدنيا والآخرة، وقد بعثت إليك من الدنانير بكذا ومن الكسوة بكذا، فبارك الله لك فيه، وفي جميع نعم الله عليك، وقد كتبت إلى النضر أمرته أن ينتهي عنك، وعن التعرّض لك ولخلافك، وأعلمته موضعك عندي، وكتبت إلى أيّوب أمرته بذلك أيضاً. وكتبت إلى موالي بهمذان كتاباً أمرتهم بطاعتك والمصير إلى أمرك وأن لا وكيل لي سواك) . 7

____________________

 

            (دلالات اخلاقية )

 

1  . الجانب الاخلاقي المتميز بسمو الشخصية ،  ونكران الذات  في سلوك المتصدين ، وعدم المنافسة على المقام والسلطان والمنصب ، والترفع عن لغة الاقصاء ، و صدق الذوبان في المصلحة العامة للمشروع الاسلامي .

 

هنا تستوقفنا رواية جديرة بالتامل :

( سئل أبو سهل النوبختي _ وهو من العلماء المعاصرين للسفير الثالث _  لماذا لم تكن السفارة فيك بعد محمّد بن عثمان ؟ قال : أنا رجل ألقى الخصوم فربّما ضغطتني الحجّة فدللتُ على المكان .

يعني يقول : ربما أنا أتضايق ولا أتحمل أو أعرّض للتعذيب ، فربّما دللت على المكان ، والمكان يعني مكان الإمام عج .

 

وأمّا أبو القاسم _ السغير الثالث الحسين بن روح _  فإنّه رجل لو كانت الحجّة تحت ذيله وقرّض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه ) . 8

___________________

2 . التحرز من تسلق المنصب بطرق غير صحيحة  ،  وتجنب ادعاء العنوانات بدون مؤهل ، والا فمنزلق الشبهات،  وهاوية العاقبة السيئة،  واضلال الناس هي الخاتمة غير المحمودة والعياذ بالله تعالى .

ويمكن هنا مراجعة فصل مدعي السفارة في الكتب التي تحدثت عن الغيبة الصغرى لتجد اسماءا وارقاما ممن ادعى السفارة زورا ،  واراد ان يتسلق المنصب طعما بالمقام والشهرة.      ومن أبرزهم محمد بن علي بن ابي عزاقر الشلمغاني الذي كان عالما كبيرا معاصرا للسفير الثالث الحسين بن روح.

وبعد ادعائه النيابة زورا  والتفاف  البسطاء والسذج حوله ، صدر الخطاب بضلاله وكذبه وبهتانه ولعنه ) . 9

_________________

           ( دلالات حركية )

 

1 . انبعاث الأمل وتجدده دائما عند اتباع اهل البيت ع ،  واستقرار السكينة في قلوبهم  ، وتثبيت اقدامهم للاستمرار والتفوق ومواجهة المنعطفات  ؛ رغم اشتداد الظلم وتكالب الاعداء . وهذا الأمل ينعشه ويجعله محركا للارادة هو حقيقة أن  هذا المذهب محفوظ بامتداده للنبوة والامامة ،  ومصان برعاية قيادته الفعلية وهي جهة الناحية المقدسة المتمثلة بولي الله الاعظم ع .

جاء في رسالة الامام المهدي عج للشيخ المفيد قدس  ،  والتي تعكس الرعاية المستدامة من قبل الامام ع للطائفة على طول خط وجوده المبارك من الغيبة الصغرى وصولا لأجيال الغيبة الكبرى :

 

( إنا غير مهملين لمراعاتكم ، ولا ناسين لذكركم ، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم ( أي أستأصلكم ) الأعداء ، فاتقوا الله جلّ جلاله ، وظاهرونا على انتياشكم ( أي تناولكم ) من فتنةٍ قد أنافت عليكم ، يهلك فيها من حُمّ ( أي قُدّر ) أجله ، ويحمى عليه من أدرك أمله ، وهي أمارةٌ لأُزوف حركتنا ومباثّتكم بأمرنا ونهينا ، والله متمّ نوره ولو كره المشركون ) . 10

____________________

2 .

الفخر والافتخار وعن دليل معتبر نظري وعلمي بعزة الطائفة  وعلو شأنها   ،  وقدسية الانتماء الى هذا المذهب الشريف ، لانها قامت على اسس صحيحة ، واختيارات دقيقة   ، وقواعد متينة  جعلتها تصمد الى اليوم رغم التصدعات التي تعرض لها علماؤها واجيالها منذ الغيبة الصغرى الى اليوم  .

وهذا يعطينا درسا في

 

 تعزيز الثقة بالهوية الانتمائية  ، والثبات عليها والدفاع عنها في كل المحافل والمواطن والأزمنة والامكنة ،  والابتعاد عن التزلزل النفسي الذي يعصف بالقلوب والعقول  ، ويقهقر المواقف ، ويشل الارادات عند الإصدام بالعقبات الكؤود في الفكر والعقيدة والسياسة و غيرها .

 

(  جاء في وصية الامام الكاظم (ع) لهشام وصفته للعقل :

 يا هشام !.. لو كان في يدك جوزة وقال الناس : في يدك لؤلؤة ، ما كان ينفعك وأنت تعلم أنّها جوزة ، ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس : إنّها جوزة ، ما ضرّك وأنت تعلم أنّها لؤلؤة ) 12

 

___________

1 . ميزان الحكمة  ، الريشهري ، ج 1 ، ص 180 .

2 .  الكافي ، الكليني ، ج 1 ، ص 250

3 . شرح نهج البلاغة ، المعتزلي ،ج3  ، ص 29 .

4 . الغيبة ، الطوسي ، ص 377 .

5 . ن ، م ، ص 219 .

6 . ن ، م ، ص 389 .

7 . مستدركات علم رجال الحديث ، النمازي ، ج 1 ، ص 201 .

8 . الغيبة ، الطوسي  ، ص 391 .

9 . ينظر كتاب الموسوعة المهدوية ، الصدر ،ج1 .

10 . الاحتجاج ،  الطبرسي ، ص176

11 . تحف العقول ، الحراني ، ص 338

 

Powered by Vivvo CMS v4.7