• Post on Facebook
  • Twitter
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save
الأكثر شعبية

في رحاب بقية الله الاعظم .. الحلقة الثانية : تعدد الادوار عند الإمام المهدي عج

بواسطة |   |   عدد القراءات : 975
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
في رحاب بقية الله الاعظم .. الحلقة الثانية : تعدد الادوار عند الإمام المهدي عج

بقلم: الشيخ عمار الشتيلي


بعد انتهاء الغيبة الصغرى  بتحقق اهدافها سنة ( 329 هج ) تختتم السفارة الخاصة بتوقيع صاحب الامر ع الى الفقيه العامل علي بن محمد السمري قدس :

(  بسم الله الرحمن الرحيم يا عليّ بن محمَّد السمريّ أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنَّك ميِّت ما بينك وبين ستة أيّام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامَّة، فلا ظهور إلا بإذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً .. ) . 1

وتدخل حينئذ الطائفة الشيعية في مرحلة جديدة من مراحل عمرها وثقافتها وجهادها  ومسيرتها وهي مرحلة ( الغيبة الكبرى ) .

وهي مرحلة عملية التمحيص الإعدادي ، و هذا التمحيص يحتاج الى جملة عوامل وقناعات عقائدية متينة تمثل قاعدة الاستناد للإنسان المسلم للنجاح في عملية التمحيص وتراكم الخبرات واللياقات النفسية والمعرفية عبر أجيال المجتمع الإسلامي استعداداً للظهور.

روي عن الإمام  الصادق ع :

( للقائم غيبتان ـ وفي لفظ: أنّ لصاحب هذا الامر غيبتين ـ إحداهما قصيرة والاخرى طويلة: فالاولى يرجع فيها إلى أهله يعلم بمكانه فيها خاصّة من شيعته، والاخرى يظهر فيها ولا يُدرى أين هو يشهد الموسم يرى الناس ولا يرونه .. ) . 2

 

وان المتتبع للروايات الشريفة يلحظ ان  الإمام المهدي ع سار في مهمته القيادية عند تسلم زمام الامامة ضمن ادوار متعددة  تبعا لمتطلبات كل مرحلة ،  ووفقا لمقتضيات المصلحة العامة للاسلام ،  وتماشيا مع ضرورات العمل الاسلامي ، كل ذلك اتساقا مع يمليه التكليف الالاهي للامام المعصوم  ع.

ومن هنا نسجل تنوعا في الادوار التي اضطلع بها ( عجل الله فرجه )في قيادته للامة الاسلامية عبر ثلاث مراحل :

 

اولا : ( مرحلة الغيبة الصغرى )

 هذه المرحلة التي استمرت سبعين سنة تقريبا ،  وللامام  ع  فيها برامج وخطط واليات وضعها ع للفقيه النائب الخاص المعين بالإسم  ،  والمؤيد بالدلائل ، و  الذي كان يمثل القيادة الوسطية العاملة  بين الإمام المنتظر ع و بين قواعده الجماهيرية .

فالغيبة الصغرى مثلت مرحلة انتقالية يتكيف فيها المكلف مع مفهوم القيادة غير المعصومة بعد قرنين ونصف من التعيين الموثوق، إماماً بعد إمام، وسبعين عاماً من النيابة الموثوقة .

وقد اشرنا الى لمحات وفوائد في الحلقة الاولى من هذا المقال :

( دلالات من الغيبة الصغرى )

................................

ثانيا : ( مرحلة الغيبة الكبرى )

 وهذه المرحلة الممتدة من وفاة السفير الرابع قدس الى ان ياذن الله تعالى بالفرج ، وقد قننت لها ستراتيجية جديدة ،  ووضعت فيها موازين جديدة ، واليات مختلفة عما هو المعتاد في الغيبة الصغرى ، وذلك  لصيانة مسيرة الطائفة من الانحراف  ، وسلامة دين وعقائد اجيالها جيلا بعد جيل ، فيكون الطريق امام المكلف معبدا مضاءا واضحا كي يتمكن  من انتخاب  من يراه خليقاً وفق مواصفات وصفات بأن يكون النائب العام عن الإمام المهدي ع ، والمؤهل لدور المرجعية الدينية التي تكون صمام الامان للأمة وقيادتها نحو صلاح الدنيا وفوز الاخرة  .

 

ومن هذه الموازين :

( وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله ) . 3

 

( فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه) . 4

 

 وهنا تبدأ حركة اتباع اهل البيت ع الى التوجه نحو اختيار القيادة العامة للطائفة،  فيبرز الشيخ المفيد قدس (338-413هـ) كزعيم للشيعة في عصره  ،  فشخصية الشيخ المفيد اعلى الله مقامه الشريف كانت تنطوي على خصائص متعددة غير خصيصة الفقيه ، وهذا الأمر  جعل منه موضع إجماع في مرحلة حساسة من مراحل تاريخ الطائفة

 

( وبوفاة علي بن محمد السمري وجد الشيعة أن قيادتهم انحصرت في فقهائهم، وفقهاؤهم لا يتميزون عنهم إلا بقسط من المعلومات، فأصيبوا بفراغ قيادي ضاغط. فإجماعهم على الشيخ المفيد دليل على أنهم وجدوا فيه أكثر من مجرد فقيه ) . 5 .

و هذه الموازين وغيرها  تكون حائلا دون الانسياق وراء منزلقين مهلكين :

1 . اتباع اشباه العلماء وهم الزعماء المزيفون الذين يستسهلون الكذب لتحقيق مآربهم الدنيوية  (كالشلمغاني) ونظائره في كل جيل من عمر المؤسسة .

2 . توجه العقل الجمعي   تجاه رموز غير مؤهلة ، والذي يكشف عن رأي جماهيري  تحركه الأهواء والشهوات والعواطف .

____________________

ثالثا :  ( مرحلة الظهور المقدس والتغيير العالمي )

في هذه المرحلة معالم بارزة ، منها :

 

1 . تبدأ الصفحة المشرقة من تاريخ الانسانية ، ويفتتح العهد الجديد الذي اسس منطلقه الانبياء والاوصياء ، وضحى من اجل تحقيقه الصديقون والاولياء و الصالحون والشهداء على طول تاريخ خط التوحيد من النبي ادم ع الى الامام العسكري ع .

2 .

 

يتحرك الامام المهدي ع ليبسط سلطان الاسلام على العالم ، قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) . 6

 

3 .بعد استقرار الامور بيده ع ، تتزين الارض بولاية امر المسلمين المطلقة ، والتي من خلالها تتفعل  جميع  وظائفه سواء السياسية والتشريعية والاجتماعية  وغيرها  ،  ويؤسس عندئذ عمليا للدولة الكريمة التي وعد الله عباده الصالحين بوراثتها .

قال تعالى : ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) . 7

قال تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ  ) . 8

 

 و هذه الدولة الكريمة _ تتميز بخمس مقومات :

 

أ . ان الإسلام فيها عزيز ، اي له الكلمة العليا في القيادة و التقنين والتشريع والإدارة وتنظيم شؤون الحياة  .

 ب. يكون اهل الإسلام فيها اعزاء ، اي يحصل المواطن منهم في ظل حكومة العدل الإلهي  على :

أ _ حاجاته

ب _ حقوقه

ج _ حريته

 

ج . يكون النفاق فيها ذليلا ، حيث لا يجد الكفر والظلم والانحراف طريقا  في ادارة الدولة ، وتسيير شؤونها ،  والتقنين لتشريعاتها  ،والهيمنة على مقدراتها شعوبها .

 

 د . يكون اهل النفاق فيها اذلاء بسقوط اطروحاتهم ، وفساد شبهاتهم ، وانتهاء هيمنتهم الفكرية والسياسية والاقتصادية والاعلامية وغيرها .

 

ه  . ان يكون الدعاة الى الاسلام  ،  والقادة الى تطبيق معالمه فيها  هم العلماء الاتقياء ، والمؤمنون الانقياء ، الذين يجتمع عندهم العلم والتقوى  والاخلاص والكفاءة ،  وكلاهما _ العلماء  والمؤمنون _ لم يوظفا الدين لأجل مصالح الدنيا ، بل وظفا الدنيا لأجل اعلاء كلمة الله تعالى ، والاخذ بيد العباد لسعادة الدارين تنظيرا وتطبيقا .

نقرا في دعاء الافتتاح : (   اَللّـهُمَّ اِنّا نَرْغَبُ اِلَيْكَ في دَوْلَة كَريمَة تُعِزُّ بِهَا الاْسْلامَ وَاَهْلَهُ، وَتُذِلُّ بِهَا النِّفاقَ وَاَهْلَهُ، وَتَجْعَلُنا فيها مِنَ الدُّعاةِ اِلى طاعَتِكَ، وَالْقادَةِ اِلى سَبيلِكَ، وَتَرْزُقُنا بِها كَرامَةَ الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ ) .

 

ولابد هنا في مسك الختام بعد هذه الكلمات المتواضعة التي سجلها القلم في ليلة ميلاد المؤمل ارواحنا لتراب مقدمه الفداء  ان نشير الى ان لتحقق هذه المرحلة على ارض الواقع وهي حلم الانبياء والاوصياء و أمل المستضعفين ، لابد من تحقق مقدمات  مهمة منها :

1 _ تحقق  علامات الظهور : و هي بمثابة إضاءات رسمتها الروايات الواردة عن النبي واهل بيته عليهم السلام لتجديد  الأمل  في قلوب المنتظرين  ،  ولها كلام مستقل .

2 _  اكتمال شروط الظهور باستيفاء حلقات التمحيص لاغراضها في اعداد القواعد الشعبية المستعدة لخوض التغيير الشامل ، وتاسيس الدولة الاسلامية العالمية ، وتحمل اثقال نقل الشريعة من الاطار النظري في اسطر الثقلين ( القران والعترة )  الى الاطار العملي وهو التطبيق الشامل للشريعة في جميع مرافق الحياة .

وهذا هو مدار تكليفنا واهتمامنا وعملنا وجهدنا وجهودنا  ، فعلينا ان نبقى سائرين في طريق ذات  الشوكة ؛  وملؤنا الايمان والعلم والصبر والمرابطة والوعي لتوفير الشروط وتحقيقها ؛

 والله المستعان وعليه المعول في التوفيق والتسديد . 

قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) . 9

 

____________________________

1 . بحار الانوار ، المجلسي ، ج 51 ، ص 361

2 . الغيبة ، النعماني ، 170

3 . كمال الدين واتمام النعمة 2 / 483  ،الباب 45 ، الحديث 4 .

4 . وسائل الشيعة  ،  العاملي ، ج27 ، ص 131 .

5 . كلمة الامام المهدي ، الشيرازي

6 . التوبة : 33

7 . الانبياء : 105

8 . النور : 55

9 . ال عمران : 200

 

Powered by Vivvo CMS v4.7