دلالات حديث الشمس في أحاديث المعصومين عليه السلام ... الحلقة الثانية

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1965
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
دلالات حديث الشمس في أحاديث المعصومين عليه السلام ... الحلقة الثانية

الحلقة الثانية : بقلم : الشيخ محمد الجوراني

 

 

في هذه الحلقة نجيب على التساؤل الذي قدمناه في الحلقة الاولى من هذه المقالة

والجواب: على وجهين نقضاً و حلاً.

أمّا النقض:

إن كتاب الله العزيز يعرّفنا على وجود نوعين من الأئمة والأولياء والقادة للأمّة:

وليٌّ غائب مستور، لا يعرفه حتى نبي زمانه، كما يخبر سبحانه عن صاحب موسى عليه السلام بقوله:

((فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا*قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)(الكهف/65،66).

ووليٌّ ظاهر باسط اليد، تعرفه الأمة وتقتدي به.

فالقرآن يدل على أن الولي ربما يكون غائباً لكنه لا يعيش في غفلة عن أمته بل يرعى شؤونها دون أن يعرفه أبناء الأمة.

وإلى ذلك يشير الإمام علي بن أبي طالب في كلامه لكميل بن زياد النخعيّ، يقول كميل: "أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فأخرجني إلى الجبّان، فلما أصحر، تَنَفَّس الصعداء، وكان مما قاله: "اللّهم بلى، لا تخلو الأرض من قائمٍ لله بحُجَّةٍ، إمّا ظاهراً مشهوراً، أو خائفاً مغموراً لِئلاّ تَبْطُلَ حُجَجُ الله وبيناتُه"(نهج البلاغة بتعليقات عبده ج4 ص37، قصار الحكم الرقم147).

وليست غيبة الإمام المهدي بِدعاً في تاريخ الأولياء.

أمّا الحلّ فمن وجوه :

الأول: إن عدم علمنا بفائدة وجوده في زمان غيبته، لا يدلّ على عدم كونه مفيداً في زمن غيبته، فالسائل جعل عدم العلم طريقاً إلى العلم بالعدم!! وهذا من أعظم الجهل في تحليل المسائل العلمية ، ولا شك أن عقول البشر لا تصل إلى كثير من الأمور المهمّة في عالم التكوين والتشريع، وإن كان فعله سبحانه منزّها عن العبث واللغو. فيجب علينا التسليم أمام التشريع إذا وصل إلينا بصورة صحيحة كما عرفت من تواتر الروايات على غيبته.

الثاني: إن الغيبة لا تلازم عدم التصرف في الأمور وعدم الاستفادة من وجوده. فهذا صاحب موسى كان وليّاً، لجأ إليه أكبر أنبياء عصره، فقد خرق السفينة التي يمتلكها المستضعفون ليصونها عن غضب الملك، ولم يعلم أصحاب السفينة بتصرفه وإلاّ لصدوه عن الخرق جهلاً منهم بغاية عمله، كما بنى الجدار ليصون كنز اليتيمين. فأي مانع حينئذٍ من أن يكون للإمام الغائب في كل يوم وليلة تصرّفاً من هذا النمط من التصرفات، ويؤيد ذلك ما دلّت عليه الروايات من حضوره في أشهر الحج ومصاحبة الناس وحضور المجالس وإغاثة المضطرين وعودة المرضى وربما يتكفل بقضاء حوائجهم وإن كان الناس لا يعرفونه بل هناك تصرُّف خاص بالإمام أشار إليه قوله تعالى:

(وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا..)(الأنبياء/73).

الثالث: المُسَلَّم هو عدم إمكان وصول عموم الناس إليه في غيبته، وأما عدم وصول الخواص إليه فليس بأمر مُسَلَّم، بل دلّت الروايات على خلافه، فالصلحاء من الأمة، الذين يُستدرُّ بهم الغمام، لهم التشرف بلقائه وتستفيد الأمة بواسطتهم.

الرابع: لا يجب على الإمام أن يتولى التصرف في الأمور الظاهرية بنفسه، بل له تولية غيره على التصرف في الأمور كما فعل الإمام المهدي عليه السلام في الغيبة الصغرى، كان له وكلاء أربعة، يقومون بحوائج الناس فكانت الصلة بينه وبين الناس مستمرة بهم.

وفي الغيبة الكبرى نصب الفقهاء والعلماء العدول العالمين بالأحكام، للقضاء وإجراء السياسات وإقامة الحدود وجعلهم حجة على الناس، فهم يقومون في عصر الغيبة بصيانة الشرع عن التحريف وبيان الأحكام ودفع الشبهات وكل ما يتوقف عليه نظم أمور الناس.

بعد ذكر هذه الفائدة سنذكر بعض الدلالات في حديث الشمس وهي كالتالي:

1- ان المراد من اصل التشبيه الحقيقة لا المجاز لانه لايحتمل وجه دون اخر بل تمامية الوجوه المحتملة في اصل المشبه به لان المعصوم ينظر الى الموجودات بعين الحياة والحقيقة كما قال تعالى ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء )) الحج - الآية - 18 

2- جاء التشبيه مقرونا بالشمس لما لها من صفات كلية على نظام الوجود الامكاني من جهة التأثير والتأثر وهذا ثابت لمن له ادنى اطلاع على بعض العلوم الكاشفة عن ذلك

3- ارادة المعصوم ببيان امر الامامة على انها واضحة كوضوح الشمس والمنكر لها فكأنما انكر الشمس الطالعة وان كانت خلف السحاب فعينها مفقودة واثارها موجودة والاثر يدل على العين وهي قاعدة عقلية ومشتركة بين جميع البشر

4- من المحتمل ان يكون نظام التشبيه هنا اريد منه النظام الاصلح للوجود حيث ان الشمس احيانا تكون خلف السحاب لمصلحة قدرها الباري عز وجل وكي يقع نظام الفائدة والاتزان وان غيبة الامام قد تكون بنفس الفعل اصلح نظام الوجود ولتربية الامة باتجاه الكمال المطلوب فلو كان العكس لما تتحقق اصل الغرض

5- ان الشمس مصدر الحياة للمنظومة التابعة لها بما فيها سيد الكواكب الارض فلو ابتعدت الشمس عن كل ذلك لانعدمت الحياة بالتجمد ولو اقتربت اكثر لانعدمت الحياة بشدة الحرارة والاحتراق اذن مايخرج منها بقدر مقدور كذلك هو الامام  عليه السلام وحال فيضه الى العوالم بما فيها عالمنا

6- ان الشمس من غير الممكن ان يقترب شيء الى ذاتها اوعينها بسبب القوة الهائلة التي تتمتع بها ونقص الاستعداد الكامل باي مخلوق بالاقتراب منها وكشف كنهها كذلك الامام عليه السلام فهو يتمتع بطاقات هائلة فمن غير الممكن الوصول الى معنى ذاته عليه السلام تعبدا باصل الحديث المعصومي

7- ان الشمس وان غابت ليلا الا ان اثارها لا تنعدم تماما فضوء النجوم والقمر منها والقسم الاخر من الارض ينعم بها ايضا فان الامام هكذا فان اثاره لا تنعدم ابدا وهي موجودة على الدوام

8- اذن لولا وجود الشمس لا نعدمت الحياة تماما ولولا الحجة لساخت الارض باهلها والمطابقة بين المعنيين واضحة

9- كما ان الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس باثارها فهم ينتظرون في كل ان رفع السحاب وانكشاف الحجاب فكذلك المخلصون والمؤمنون والموقنون ينتظرون الفرج دائما في ايام غيبته ولا يياسون ويحصلون بذلك على اجر الانتظار العظيم

10- الارتباط الفعلي بين الانسان والشمس لا ينفك ابدا من يوم وجوده الى وفاته وهذا رابط الحياة اذن الارتباط يجب ان يكون بهذا المستوى واكثر مع امام العصر والحجة الغائب عليه السلام لانه رابط حياة في عالم الامكان وبقية العوالم وهذه الحقيقة يجب الالتفات اليها

11- ورد في دعاء الصباح لسيد المتقين عليع السلام ( وشعشع ضياء الشمس بنور تاججه) والضياء اثر لنور اصيل وباقي فضياء الامامة من نور الله تعالى والنور لا متناهي فالضياء كذلك ((هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء)) يونس - الآية - 5 

12- قد وصف الباري سبحانه الشمس بالدليل قال تعالى ((أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا)) الفرقان - الآية - 45 , فالامام كذلك فقد قال عليه السلام :- إن استرشدْتَ أُرشدت ، وإن طلبت وجدت, وهذا لا يكون الا للدليل والدال على طاعة الله ومعرفته وكما نقرا في زيارة الجامعة السلام على الادلاء على الله

13- زرع الامل في نفوس المنتظرين ان الشمس وان كانت محجوبة فان اثارها لا تنقطع اكيدا فالذي يتمتع بالاثار يكاد ان يصل الى المؤثر والعين ويتمتع ببركاته كليا لا ان يحرم نفسه او يتغافل عنها فيكون هو محجوبا عن امامه تماما

14- ممكن ان نذكر معنى استحساني لايخلو من فائدة دل عليه القران بقوله ((فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ)) ق - الآية - 39  , فقد ارشد القران الى فعل مهم قبل طلوع الإمام وظهوره وهو التسبيح الذي باطنه التوحيد وظاهره التنزيه والذي يحتاجه المنتظر قبل الظهور وفرض حالة التواصل بالتلبس بهذا المستوى من الذكر والتوحيد والعبادة بقوله قبل الغروب ايضا بعد ظهوره سيكون الحال كذلك او قبل غروبها عن المقصرين والجاحدين والمهملين والشاكين المتقاعسين عن هذا الامر العظيم , كما قال تعالى  ((يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ ))الأنعام - الآية - 158

نسال الله تعالى ان يمن علينا بالطلعة الرشيدة لصاحب الزمان عليه السلام وان يجعنا من العاملين له في حال غيبته وظهوره , والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطاهرين

Powered by Vivvo CMS v4.7