تاريخ الطعن في القران وأول من تكلم فيه

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1218
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

تاريخ الطعن في القران وأول من تكلم فيه

 

وجود الإشكال في فهم القرآن ، والطعن فيه موجود منذ نزوله ؛ لأن القرآن ينقسم إلى أربعة أقسام : قسم لا يجهله أحد ، وقسم تعرفه العرب من لغتها ، وقسم يعرفه الراسخون في العلم ، وقسم لا يعلمه إلا الله ، كما ورد عن ابن عباس .

وأقدم نص وجد فيه حدوث الإشكال على الفهم ، والطعن في القرآن ، واتهامه بالتعارض مع الحقائق ، هو حديث الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ :لَمَّا قَدِمْتُ نَجْرَانَ سَأَلُونِي فَقَالُوا :إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ (يَا أُخْتَ هَارُونَ( وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا . فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه واله ) سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : « إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ » .

وهذا الطعن الذي ذكر في الحديث ، مع أن النبي أجاب عليه ، إلا أنه لا يزال يردد إلى يومنا هذا مع الأسف.

وقد تكلم القرآن عن كثير من الطاعنين ، وذكر طعوناتهم ، ثم رد عليها ردا واضحا بينا مفحما ؛ فبعضهم ادعى أنه يستطيع أن يأتي بمثل القرآن (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا ..(َ [الأنفال :31] ؛ فتحداهم الله تعالى أن يأتوا بمثله فعجزوا ، فتحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله فعجزوا ، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا .

وبعضهم زعم أن هذه القرآن إنما هو من قصص الأولين وأساطير السابقين (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ( [النحل :24]، فرد الله عليهم أنه لا يعرف أن يقرأ ولا يكتب ، فكيف ينقلها ؟‍!‍ ثم هذه الأساطير ليست خاصة بمحمد ، بل هي كتب للجميع ، فلماذا لا تحضرون لنا هذه الكتب التي نقل منها؟

وبعضهم قال : إنه تعلَّمه من غلام نصراني فقال الله تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ([النحل :103].

وهكذا كلما قالوا شُبْهَةً ، وطعنوا طعنا ، رد الله عليهم بحجة واضحة .

وحصل طعن في القرآن في عصر ما بعد مقتل النبي (صلى الله عليه واله) ؛ وبدأت هجمات الرهبان وغيرهم وكان اهل البيت (صلوات الله عليهم) يتصدون لذلك.

و(أَخْرَجَ عَبْد بْن حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن زَيْد ، عَنْ أَبِي الضُّحَى ، أَنَّ نَافعَ بْنَ الْأَزْرَق ، وَعَطِيَّةَ أَتَيَا اِبْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَا : يَا اِبْنَ عَبَّاس ، أَخْبِرْنَا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ) [ المرسلات : 35 ] وَقَوْله : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)

[ الزمر : 31 ] وَقَوْلهِ :(وَاَللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) [ الانعام : 23 ] وَقَوْلهِ : (وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا) [ النساء : 42 ]. قَالَ : وَيْحَكَ يَا ابْنَ الْأَزْرَقِ ، إِنَّهُ يَوْمٌ طَوِيلٌ وَفِيهِ مَوَاقِفُ ، تَأْتِي عَلَيْهِمْ سَاعَةُ لَا يَنْطِقُونَ ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَخْتَصِمُونَ ، ثُمَّ يَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ يَحْلِفُونَ وَيَجْحَدُونَ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى أَفْوَاهِهمْ ، وَتُؤْمَرُ جَوَارِحُهمْ ، فَتَشْهَدُ عَلَى أَعْمَالِهْم بِمَا صَنَعُوا ، ثُمَّ تَنْطِقُ أَلْسِنَتُهُمْ فَيَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمَا صَنَعُوا ، وَذَلِكَ قَوْله : (وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا)[ النساء : 42 ]. وَرَوَى اِبْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : قُلْت0 لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ (هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ) [ المرسلات : 35 ] ؟ فَقَالَ : إِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ حَالَاتٌ وَتَارَاتٌ ، فِي حَال لَا يَنْطِقُونَ وَفِي حَال يَنْطِقُونَ).

وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ :قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ :إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ ؛ قَالَ (فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ) [ المؤمنون : 101 ] وقال : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ) [ الصافات : 27 ]، وقوله (وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا) [ النساء : 42 ] (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) [ الانعام : 23 ] فَقَدْ كَتَمُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ ؟ ، وَقَالَ : (...أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا) [ النازعات : 27 ] إِلَى قَوْلِهِ : (...دَحَاهَا)[ النازعات : 30 ] فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ : (...أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ....) [ فصلت : 9 ] إِلَى قَوْلِهِ : (طَائِعِينَ) [ فصلت : 11 ] فَذَكَرَ فِي هَذِهِ خَلْقَ الْأَرْضِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ ؟.

وَقَالَ : (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [ الفتح : 14 ] (عَزِيزًا حَكِيمًا) [ الفتح : 19 ] (سَمِيعًا بَصِيرًا) [ النساء : 58 ] فَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى ؟

فَقَالَ ابن عباس : (فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ) [ المؤمنون : 101 ] فِي النَّفْخَةِ الْأُولَى ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ (..فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ...)

[ الزمر 68 ]فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ ، ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الْآخِرَةِ (أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ) .

وَأَمَّا قَوْلُهُ (...مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ( [ الانعام :23 ] (وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا) [ النساء : 42 ] فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِأَهْلِ الْإِخْلاَصِ ذُنُوبَهُمْ ، فقَالَ الْمُشْرِكُونَ : تَعَالَوْا نقُلْ لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ ، فَخُتِمَ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ ، فَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ عُرِفَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُكْتَمُ حَدِيثًا ، وَعِنْدَهُ (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لو كانوا مسلمين) [ الحجر : 2 ].

وَخَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ، ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ ؛ وَدَحْوُهَا أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ ، وَالْجِمَالَ ، وَالْآكَامَ ، وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : (دَحَاهَا( وَقَوْلُهُ : (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) [ فصلت : 9 ] فَجُعِلَتِ الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ، وَخُلِقَتِ السَّمَوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ .

(وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [ الفرقان : 70 ]سَمَّى نَفْسَهُ ذَلِكَ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلَّا أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ ، فَلَا يَخْتَلِفْ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ(57) .

وغير ذلك من الآثار ، وكلما بعد العهد بعصر النبوة ، كلما زادت الإشكالات والطعون في القرآن .

واشتهر ابن عباس رضي الله عنه بالرد على من طعن في القرآن.

ومن الكتب النافعة في هذا المجال: (الطعن في القرآن الكريم و الرد على الطاعنين في القرن الرابع عشر الهجري) للدكتور: عبدالمحسن بن زبن بن متعب المطيري

 

 

Powered by Vivvo CMS v4.7