عدد مرات مجيء إخوة يوسف لمصر
عدد مرات مجيء إخوة يوسف لمصر
خَطّأَ الفادي المفترِي القرآن، في حديثِه عن عددِ مَرّاتِ مجيءِ إِخوةِ
يوسُفَ إِليه في مصر، وحاكَمَ القُرآنَ إِلى سِفْرِ التكوين.
قالَ في اعتراضِه على القرآنِ وتخطئتِه له: " قالَ البيضاوي: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا) :
يأتيني بيوسفَ وبنيامين وأَخيهما الذي توقَّفَ بمصر..
ولكنَّ الكتابَ المقَدَّسَ يُخْبرُنا أَنَّ إخوةَ يوسُفَ العشرةَ جاؤوا إِلى مصْرَ
ليَشْتَروا قَمْحاً، فَعَرَفَهم يوسُفُ، ولكنَّه تَنَكَّرَ لهم، وليعرفَ أَحوالَهم اتَّهمهم
أَنهم جواسيسُ، فقالوا: لا، بل إِنّنا إِخوة، وأَحَدُنا مفقود، وواحدٌ صَغيرٌ مع أَبيه، ونحنُ العَشَرَةُ، فأَخَذَ يوسفُ شمعونَ، وقَيَّدَه رهينَة، حتى يُحْضروا الأَخَ الأَصْغر، ليُبَرْهِنوا أَنهم ليسوا جواسيس..
وهذا لم يَذْكُرْه القرآنُ!.
ولما رَجَعوا إِلى أَبيهم، أَخذوا بنيامين، وجاؤُوا به إِلى مصر، وَوَضَعَ
رجالُ يوسُفَ كأسَ يوسُفَ في عِدْلِ بنيامين، واتَّهَموه بالسرقة، فدافَعَ عنه
إِخوتُه..
عندَها عَرَّفَهم يوسُفُ بنفسه، وأَرسلَهم ليُحْضروا أَباهم، فَحَضَروا مع
أبيهم إِلى مصر، حيثُ استَقَرُّوا..
ولكنَّ القرآنَ يَقولُ: إِن يوسُفَ حَبَسَ بنيامين، وإِنَّ شمعون بقيَ في
مِصْر، وإِنَ إِخوةَ يوسُفَ رَجَعوا لأَبيهم بدونهما..
فجعَل عَدَدَ مراتِ مجيءِ إِخوةِ يوسُفَ لمصر أَربعَ مَرّاتٍ بَدَلَ ثلاث.. " .
عندما يُحاكمُ الفادي القرآنَ إِلى كتابه المُقَدس، وُيخَطِّئُه في ما خالَفَ فيه
عدم سجن بنيامين
إن فى القرآن أن يعقوب قال لأبنائه بعد رحيل بنيامين إلى مصر: (بل سولت لكم أنفسكم أمرًا فصبر جميل عسى الله أن يأتينى بهم جميعاً) . وقال المؤلف: إن المفسر البيضاوى يقول: إنه يقصد بقوله (بهم جميعاً) يوسف وبنيامين وأخيهما الذى توقف بمصر.
وإن القرآن جعل عدد مرات مجئ إخوة يوسف لمصر أربع مرات بدل ثلاث كما جاء فى التوراة، وأن فى القرآن أن يوسف حبس بنيامين، وأن إخوة يوسف رجعوا إلى أبيهما بدون شمعون وبنيامين.
الرد على الشبهة:
الخلاف بين التوراة وبين القرآن فى سرد حوادث القصة لا يدل على عيب فى القرآن، ويدل على ذلك: ما فى التوراة من زيادة ونقص فى النسخة الواحدة، وفى النسخ الثلاث. ومع هذا ففى التوراة ما يدل على ما جاء فى القرآن ومن ذلك:
1 - أن يوسف كان قد أنجب ولدين فى مصر هما أفرايم ومنسّى [تك 46: 20] ويعقوب أبوه من الأنبياء الملهمين، ويدل على ذلك أنه يقول:
(إنى لأجد ريح يوسف) - (يا بنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله) فإذا قال (بهم) بضمير الجمع. وقد صرح من بعد بفقد اثنين هما: يوسف وأخيه فقط؛ لا يدل ضمير الجمع على ولد ثالث محبوس فى مصر، وإنما يدل على ولدى يوسف.
2 - أن فى التوراة ما يدل على سجن بنيامين وهو أنه لما دبر حيلته فى استبقائه وتمت الحيلة، طلبوا منه أن يطلقه فرد عليهم بقوله: " حاشا لى أن أفعل هذا. الرجل الذى وُجد الكأس فى يده؛ هو يكون لى عبداً، وأما أنتم فاصعدوا بسلام إلى أبيكم " [تك 44: 17] .
فقوله: " هو يكون لى عبداً " معناه: أنه استبقاه فى " مصر ".
3 - وفى التوراة ما يدل على بقاء كبيرهم فى مصر، مع يوسف وبنيامين. وكبيرهم هو " راوبين " لا شمعون كما قال المؤلف إنه أخذه رهينة، ولا يهوذا كما قال كاتب التوراة.
ومما يدل على بقاء كبيرهم: أنه استعطف يوسف بقوله: " فالآن ليمكث عبدك عوضاً عن الغلام عبداً لسيدى، ويصعد الغلام مع إخوته؛ لأنى كيف أصعد إلى أبى والغلام ليس معى؟ لئلا أنظر الشر الذى يصيب أبى " [تك 44: 33 - 34] . اهـ (شبهات المشككين) .
كتابَه المقَدَّسَ يَقَعُ في خطأٍ منهجى كَبيرٍ، سبق أَنْ ذكَرْناهُ أَكْثَرَ من مَرَّة، إِنه
يجعلُ كتابَه المقَدَّسَ أَصلاً، ويجعلُ القرآنَ تابعاً له، فإِنْ لم يوافِقْه ويُتابِعْه فهو
المخطئ! وهذا باطلٌ ومردود، فمن المعلومِ من الدينِ بالضرورة عندَنا أَنَّ
القرآنَ هو الأصل، وأَنَّ الكتابَ المقَدَّسَ هو الذي يُحْمَلُ عليه ويُحاكمُ إِليه،
وما خالَفَ فيه القرآنَ، فهو الذي أَخْطَأَ وليس القرآن!.
وخلاصَةُ ما قالَه القرآنُ عن ما جَرى بينَ يوسفَ وأَخيه هي:
بعدَ أَنْ سَلَّمَ الملكُ يوسفَ مقاليدَ البلاد، وجَعَلَه على خزائنِ الأَرض،
جاءَ الناس من البلادِ المجاورةِ إِلى مصر، ليأخُذوا منها القمح، ومنهم إِخوةُ
يوسف، الذينَ جاؤوا من البَدْوِ إِلى مصر.
1 - جاءَ إِخوةُ يوسفَ العَشرةُ طالبينَ القمح، ولما دَخَلوا عليه عَرَفَهم،
لكنَّهم لم يَعْرِفوه..
ولما جَهَّزهم بجَهازهم، وأَعطاهم القمح الذي يُريدون، أَعادَ
لهم بضاعَتَهم التي أَتَوْا بها إِكراماً لهم، وتَرْغيباً لهم بالعودة..
وقبلَ أَنْ يُغادروه طلبَ منهم أَنْ يُحْضِروا معهم أَخاهم من أَبيهم، فإِنْ لم يَأتوا به فلنْ يُعطيهم كَيلاً ولا قمحاً ولا شيئاً كما ورد في الآيات (58 - 62) من سورة يوسف - صلى الله عليه وسلم -.
ولما رَجَعوا إلى أَبيهم أَخْبَروه بما حَصَلَ معهم، وطَلَبوا منه أَنْ يُرْسِلَ
معهم أَخاهم، وذَكَّرَهم الأَبُ بما فَعَلوا مع أَخيهم يوسف، وانْتَهى الأمْرُ إِلى
أَن اشترط عليهم أَنْ يَحْلِفوا له الأَيْمانَ المغَلَّظَةَ أَنْ يُحافظوا على أَخيهم
الصغير، وأَنْ يُعيدوهُ إليه سالماً، إِلَّا أَنْ يَحْدُثَ شيءٌ لم يكنْ في الحسبان كما
ورد في الآيات (63 - 68) من سورة يوسف - عليه السلام -.
2 - دخل الإِخوةُ العشرةُ على يوسف، ومعهم أَخوهم الصَّغير، الذي
يُسَمّيه سِفْرُ التكوين " بنيامين "، ونتركُ نحنُ اسْمَه ضمنَ مبهماتِ القرآن، لعدمِ وجودِ دليلٍ على بيانِه.
وهذا هو اللقاءُ الثاني بين يوسفَ وإِخوتِه.
ولما عَرَّفَ يوسُفُ أَخاه الصَّغيرَ على نفسِه، وطلبَ منه أَنْ لا يُخبرهم
بذلك، قامَ يوسُفُ بتصرفٍ ليحتفظَ بأَخيه، حيثُ جَعَلَ السقايةَ في رَحْلِ أَخيه الصغِير، وانتهى الأَمْرُ بأَخْذِه بتهمةِ السرقة، ولم تنفع محاولاتُ الإِخوةِ إِطلاقَ
سراحِ أَخيهم الصغير، أَو جَعْلَ أَحَدِهم مكانَه كما ورد في الآيات (69 - 79) من سورة يوسف - صلى الله عليه وسلم -.
عند ذلك أَصَرَّ الأَخُ الأَكبرُ أَنْ يَبْقى في مصرَ ليُتابعَ الأَمْر، وأَمَرَ إِخوانَه
التسعةَ أَنْ يعودوا إِلى أَبيهم، ويُخْبِروه بما حَدَث، من أَخْذِ الأَخِ الصغيرِ بتهمةِ السرقة، وعَجزِهم عن إِطلاقِ سَرَاحِهِ أَو استبدالِه.
كما ورد في الآيات (80 - 82) من سورة يوسف - عليه السلام -.
عند ذلك حَزنَ على فَقْدِ أَبنائِه الثلاثة: يوسف والابنِ الأَكبر والابنِ
الأَصغر، وقال: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا) ، ويقصدُ بذلك الأَبناءَ الثلاثة.
وطلبَ يعقوبُ من أَبنائه التسعةِ أَنْ يَعودوا إِلى مِصْر، ويَتَحَسّسوا من
يوسفَ وأَخيه الصغير، ولا يَيْئَسوا من رَوْحِ اللهِ، فَفَعَلوا.
كما ورد في الآيات (83 - 87) من سورة يوسف - صلى الله عليه وسلم -.
3 - دَخَلَ الإِخوةُ على يوسف، وهذا هو اللقاءُ الثالثُ به، وأَخْبَروه بما
أَصابَهم من ضُرٍّ وتَعَبٍ، ورَجوهُ أَنْ يُعيدَ معهم أَخاهم الصغير..
عند ذلك عَرفَهم يوسفُ على نفسِه، فأَصابَتْهم الدهشةُ والمفاجأة، وطلبَ منهم الإِتيانَ بأَبويهم وأَهْلِهم أَجمعين! وَأَن يأخذوا قميصه، ويلقوه على وجه أبيه ليرتد بصيراً.
كما ورد في الآيات (88 - 98) من سورة يوسف - عليه السلام -.
4 - رجعَ الإِخوةُ إِلى مصر، ومعهم أَهْلُهم أَجمعون، والْتَقَوْا بيوسفَ - عليه السلام -
اللقاءَ الرابع، ورَفَعَ أَبوَيْه على العرش، وخَرَّ الجميعُ له سُجَّداً.
وبذلك استقرت العائلةُ كُلّها في مصر، آمِنين مطمئنين.
كما ورد في الآيات (99 - 102) من سورة يوسف - عليه السلام -.
والمعتمدُ عندنا هو ما قالَه القرآن، عن ما جرى بينَ يوسف - عليه السلام -
وإِخوتِه، ونَقبلُ ما وَرَدَ في الكتابِ المقَدَّس، مما جاءَ موافِقاً للقرآن، نَقْبَلُه
لأَنه وَرَدَ في القرآن، وليس لأَنه وَرَدَ في الكتابِ المقَدَّس.
ونَرُدُّ ما وَرَدَ في الكتابِ المقَدَّس مما جاءَ مخالفاً لما في القرآن، ونعتبره مما عَبَثَتْ به أَيدي الأَحبارِ المحَرِّفين للتوراة.
قالَ الأَحبارُ: إِنَّ يوسفَ عَرَّفَ إِخوتَه على نفسه في لقائِه الثاني بهم، وقالَ
القرآنُ: إِنه عَرَّفَهم على نفسِه في لقائِه الثالثِ بهم، والصوابُ ما وَرَدَ في القرآن.
وقالَ الأَحبارُ: إِنَّ يوسفَ أَخَذَ أَخاهُ الكبيرَ شمعونَ رهينة، وحَبَسَه عنده
إِلى أَنْ يَعودَ الإِخوةُ ومعهم أَخوهم الصغير بنيامين.
وهذا لم يَذْكُرْه القرآن، ولذلك لا نَقولُ به.
وقالَ القرآنُ: إِنَّ يوسفَ هو الذي وَضَعَ السقايةَ في رَحْلِ أَخيه، ثم أَخَذَه
بتهمةِ السرقة، وتأَخَّرَ الأَخُ الكبيرُ في مصر لمتابعةِ الموضوعِ، ورجعَ الإِخوةُ
التسعةُ إِلى أَبيهم ليُخبروه بالموضوع، فزادَ حُزْنُ يعقوبَ على فَقْدِ أَبنائِه
الثلاثة..
وهذا ما لم يذكُرْهُ الأَحبارُ في سِفْرِ التكوين.
ونحنُ نؤمنُ به ونعتمدُه لورودِه في القرآن، ولا يهمُّنا عدمُ ورودهِ في الكتاب المقدس، ولا وَزْنَ لاعتراضِ الفادي على ما قالَه القرآن وتخطئتِه له!.