• Post on Facebook
  • Twitter
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save
الأكثر شعبية

حول سحر الرسول - صلى الله عليه وسلم -

بواسطة |   |   عدد القراءات : 819
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

حول سحر الرسول - صلى الله عليه وسلم -
وَقَفَ الفادي أَمامَ سورةِ الفَلَق، وما قيلَ في سببِ نُزولِها، من أَنَّها نزلَتْ
في سِحْرِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -..
ونَقَلَ كلامَ البيضاويِّ في تفسيرِ السورة..
" رُويَ أَنَّ يهوديّاً سَحَرَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في إِحْدى عشرةَ عُقْدَة، في وترٍ دَسَّهُ في بئْر، فمرضَ النبيُّ، ونزلتِ المعوِّذَتَان..
وأَخبرَه جبريلُ بموضعِ السِّحْر، فأَرسلَ عليّاً، فجاءَ به، فقرَأهما عليه، فكانَ كُلَّما قَرَأ آيةً انحلَّتْ عُقْدَة، وَوَجَدَ بعضَ الخِفَّة..
ولا يوجبُ ذلك صِدْقَ الكَفَرَةِ في أَنه مَسْحور، لأَنهم أَرادوا به أَنه مجنون بواسطةِ السحر ".
ثم ذَكَرَ الفادي الآيةَ التي تتحدَّثُ عن قصةِ هاروتَ وماروت، وفيها قولُه
تعالى: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) .
وتَدُلّ الآيةُ على أَنَّ السِّحْرَ قد يَضرُّ المسحورَ بإِذْنِ الله، وأَنَّ السحرةَ قد يُؤْذونَ الإِنسان، ويُفَرِّقونَ بين المرْءِ وزوْجِه.

وذَكَرَ الفادي أقوالاً من الكتابِ المقَدَّس، تَنْهى عن تَعَلُّمِ السِّحر، منها
أَقوالٌ لبولُسَ وبطرس.
وخرجَ من ذلك بأَنَّ محمداً - صلى الله عليه وسلم - ليس رسولَ الله، لأَنَّه لو كانَ رسولَ الله لما أَثَّرَ فيه السحرُ، ولنهى عن السحر كما نهى عنه بولُسُ وبطرس! قال: " ونحنُ نسأَلُ: كيفَ يُصيبُ السحرُ المؤمنَ المحفوظَ بعنايةِ الله؟..
ولقد نهتْ شريعةُ اللهِ عن السحر.. " ...
وبعدما ذَكَرَ أَقوالَ بولسَ وبطرسَ في النهيِ عن السحرِ قال:
" هذه هي شريعةُ اللهِ حقّاً، وهؤلاء هم الرسلُ اللهِ فِعْلاً، يَنتهرون السَّحَرَةَ، ويُعطلونَ أَعمالَهم، وقوةُ الله فوقَ قوى السَّاحرين ".
حادثةُ سِحْرِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثابتةٌ في الحديثِ الصحيح.
روى البخاريُّ ومسلمٌ عن عائشةَ - رضي الله عنها -، قالت: سَحَرَ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يهوديّ من يَهودِ بني زريق، يُقالُ له: لَبيدُ بنُ الأَعْصَم، حتى كانَ يُخَيَّلُ إليه أَنه يفعلُ الشيءَ، وما يَفْعَلُه ...
حتّى إِذا كانَ ذاتَ يوم، دعا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثم دَعا، ثم دَعا، ثم قالَ: " يا عائشة! أَشَعَرْتِ أَنَّ اللهَ أَفْتاني فيما استفتيتُه فيه، أَتاني رَجُلان، فقعدَ أَحَدُهما عندَ رأسي، والآخَرُ عند رجْلَي.
فقالَ الذي عند رأسي للآخَر: ما بالُ الرجل؟
قال: مَطْبوب.
قال: ومَنْ طَبَّهُ؟
قالَ: لَبِيدُ بنُ الأَعْصَم.
قالَ: في أَي شيء؟
قال: في مِشْطٍ ومُشاطَة.
قال: أَيْنَ؟
قال: في جُفِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ، تحتَ راعوفةٍ في بئرِ ذَرْوان ".
قالَتْ عائشة: فأَتى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - البئرَ في أُناسٍ من أَصحابِه، حتى استخرجَه..
ثم قالَ: " يا عائشةُ! هذه البئرُ التي أُريتُها، وكأَنَّ ماءَها نُقاعَةُ
الحِنَّاء، وكأَنَّ نَخْلَها رؤوسُ الشياطين.. ".
فقلتُ: يا رسولَ الله، أَفلا أَحْرَقْتَه!
قال: " لا؟
أَمّا أَنا فقد عافاني اللهُ، وكرهتُ أَنْ أُثيرَ على الناسِ شَرّاً..
فأَمَرْتُ بها فدُفِنَتْ ... ".

خُلاصَةُ حادثةِ سِحْرِ رسولِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ اليهوديَّ لَبيدَ بنَ الأَعْصَمِ كان ساحِراً، وأَرادَ أَنْ يسحر رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فأَخَذَ مِشْطاً كان يَمتشِطُ فيه رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وأَخَذَ " مُشاطة " - وهي بقايا الشَّعْرِ الذي كان يَسقطُ من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ويَبْقى في المشْط - ونَفَثَ في ذلك المشطِ والمُشاطة، ولَفَّهُما على سِحْرِه، ووضَعَهما في " جُفِّ طَلْعَةِ ذَكَر "، وهو الغِشاءُ الذي يَكونُ على طَلْعِ النخل، ثم وَضَعَ الوعاءَ تحتَ راعوفةٍ في بئرِ ذَروان، والرّاعوفةُ هي الحجرُ الكبيرُ تكونُ في قَعْر البئر، يَنزلُ الإِنسانُ إِليها، ويَقِفُ عليها، إِذا احتاجَ إِلى النزولِ للبئر ...
وبئرُ " ذَرْوان " واقعةٌ في بستانٍ في المدينة.
وشاءَ اللهُ أَنْ يُؤَثِّرَ هذا السحرُ في الجانبِ البشري لرسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ولَفْظُ الحديثِ دَقيق: " حتى كانَ يُخَيَّلُ إليه أنه يَفعلُ الشيءَ، وما يَفعلُه "..
أَي: كانَ أَثَرُ السحرِ على بَصَرِه فَقَط - صلى الله عليه وسلم -، بحيثُ يدفعُه إِلى مجردِ التخيُّلِ بالبَصَر!.
ولم يستمرّ هذا طَويلاً، فلما أَحسَّ رسولُ اللهِ بالتخيُّل على بَصَرِه لَجَأَ
إِلى اللهِ بالدُّعاء، فدعاهُ - صلى الله عليه وسلم - ثم دَعاهُ، ثم دَعاهُ، وطَلَبَ منه أَنْ يُزيلَ عنه ما يَجدُه..
واستجابَ اللهُ دعاءَ رسولِه - صلى الله عليه وسلم - وأَزالَ عنه أَثَرَ السحر بفضْلِه سبحانه، ولم يَعُدْ يتخيَّلُ ببصرِه غيرَ الموجود..
وأَحَسَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بذلِك فحمدَ اللهَ،
ثم قالَ لعائشةَ - رضي الله عنها -: "لقد أَفْتاني اللهُ فيما استَفْتَيْتُه "، أَيْ: عافاني ممّا أَجِدُه، واستجابَ دعائي!.
وأَرسلَ اللهُ اثنَيْنَ من الملائكةِ في صورةِ رجلَيْن، فقعَدَ أَحَدُهُما عند
رأسِه، وقَعَدَ الآخرُ عند رجلَيْه، وتحاوَرا فيما بينَهما ليَسمعَ كلامَهما، فعرفَ منهما أَنه مَسْحور، وأَنَّ الذي سَحَرَهُ هو اليهوديُّ لبيدُ بنُ الأَعصم، وعَرَف مكانَ السحْر..
فذهبَ مكل مجموعةٍ من الصحابةِ فاستخرجَه.
وقد اقترحَتْ عائشةُ - رضي الله عنها - عليه أَنْ يحرقَه، ولكنَّه أَبى ذلك، حتى لا يُثيرَ على الناس شَرّاً.
وأَمَرَ به فدُفِنَ في الأَرض.

وإِنَّ حَادِثةَ سِحْرِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - دليلٌ على بشريَّتِه، وأَنه تُؤَثّرُ فيه الأَحْداثُ، ويَجري عليه قَدَرُ الله، كما أَنها تَدُل على أَنَّ السحْرَ يَضُرُّ بإِذْنِ الله.
ولا إِشكالَ في سحرِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم -، لأَنَّ جانبَ النبوةِ لم يَتَأَثَّرْ بالسِّحر، فهو محفوظٌ بحفظِ الله، إِنما كانَ تأثيرُه على حاسَّةِ بصرِه فقط، بحيثُ كان يتخيَّلُ أَنه فَعَلَ الشيءَ، مع أَنه لم يفعَلْه، أَما عقْلُه وقلْبُه وروحُه وأَعصابُه فقد بقيَتْ سليمة ...
وسرعانَ ما أَزالَ اللهُ عن بَصَرِه أَثرَ السحر، بعد أَنْ دَعاهُ
وتَضَرَعَ إِليه.
وقد كانَ الفادي جاهلاً عندما وَظَّفَ حادثةَ سِحْرِه - صلى الله عليه وسلم - دَليلاً على عدم نبوَّتِه، وذلك عندما تساءَلَ بخُبْث: " كيف يُصيبُ السحرُ المؤمنَ المحفوظَ بعناية الله؟! ".
إِنَّ اللهَ يَحفظُ عبادَه المؤمنين، ومع ذلك يَبْتَليهم بالضّرِّ، ويَأْذَنُ أَنْ يُصابوا
بالأَذى، وليس وقوعُ هذا بهم دليلاً على عدمِ محبَّتِه لهم، أَو تخلّيه عنهم..
وهم عندما يُصابونَ بالضُّرِّ والأَذى يلجؤون إِليه، ليكشفَ عنهم ما بهم..
وبذلك يَزدادونَ قُرْباً منه سبحانه.
وهذا ما حَصَلَ مع رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ولكنَّ الفادي مطموسٌ على قلبه، لذلك يجهلُ هذه الحقائق والمعاني والدروسَ والدلالات! (1) .
__________
(1) قال الله تعالى في حق موسى - عليه السلام - (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) .

Powered by Vivvo CMS v4.7