البكاء عاطفة انسانية ومبادئ رسالية الحلقة السادسة: البكّاؤون الرساليّون
الحلقة السادسة: البكّاؤون الرساليّون:
بقلم: السيد ضياء الدين الحبش
اً – البكاؤون الخمسة :
روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال :
(( البكاؤون خمسة :
آدم و يعقوب و يوسف و فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وعلي بن الحسين
فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية
أما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره و حتى قيل له :
تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا ً أو تكون من الهالكين
و أما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن فقالوا :
إما أن تبكي الليل فتسكت بالنهار، و إما أن تبكي النهار و تسكت بالليل، فصالحهم على واحد منهما
و أما فاطمة عليها السلام فبكت على رسول الله صلى الله عليه و آله حتى تأذى بها أهل المدينة ، فقالو لها :
قد آذيتنا بكثرة بكائك
و كانت تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف.
و أما علي بن الحسين عليه السلام فبكى على الحسين عليه السلام عشرين سنة أو أربعين سنة،
ما وضع بين يديه موضع بين يديه طعام إلا بكى، حتى قال له مولى له :
جعلت فداك ، إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين ، قال:
إنما أشكو بثي وحزني إلى الله و أعلم من الله مالا تعلمون
إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة )).
- في الحقيقة يمكن القول أن الزهراء كانت امرأة رسالية ، بكل ما تعنيه الكلمة، و اللافت للنظر هو توظيف المشاعر الحزينة، و البكاء في الخط الرسالي بشكل مدهش .
و كما أن خطبة الزهراء كانت من قمم البلاغة، واختيار المفردات و العبارات و تأدية المعنى بأفضل الصور
و كما أن غضبها الذي أعلنته على المنحرفين، و الذي تمسكت به حتى آخر لحظة من حياتها و طلبت إخفاء قبرها ، ليبقى السؤال مفتوحا كالجرح المفتوح النازف :
أين قبر بنت نبينا ؟
لماذا غضبت الزهراء هذا الغضب؟
لم كل هذا الحزن ؟
لم كل هذا البكاء ؟
كذلك كان بكاؤها بهذا المستوى من الجهاد و قد نسب لها كلاماً مؤثرا ً منظوما ً منه :
ماذا على من شم تربة أحمد ألا يشم على الزمان غواليا
صبت علي مصائب لو أنها صبت على الأيام صرن لياليا
ً2 - دروس وعبر :
في الحقيقة نستطيع القول أن الزهراء عليها السلام ، أسست لمنهج مهم في إثارة العقول و المشاعر، عن طريق الحزن و البكاء ، البكاء الذي هو استجابة طبيعية إنسانية للمصائب التي أحاطت بها و هو في الوقت عينه استجابة للدور الرسالي المنوط بكل إنسان ، و بالزهراء خاصة .
- نتعلم منها أن باب الجهاد مفتوح في كل ظرف وحين و بكل أسلوب يمكن أن يؤثر على الإنسان و يوجهه في الاتجاه الصحيح.
- نتعلم منها أن فلسفة بكاء الزهراء، فلسفة من نوادر الوعي البشري و الكفاح المستنير و الصادق، الذي لا يستسلم، و يتكيف مع الظروف كلها، لإيصال المبادئ و القيم الأصيلة.
- نتعلم منها كيف نحول البكاء العفوي التلقائي، الذي يراه الناس مظهراً من مظاهر الضعف إلى مظهر ممن مظاهر القوة و التصميم و المقاومة.
- نتعلم منها ان البكاء من الوسائل الإعلامية الناجحة، في إثارة الفكر و المشاعر و إحداث موجات التعاطف ، لتشكيل أرضية لبناء وتشييد الموقف العام.
وأخيرا اقول : ان استجابة امير المؤمنين عليه السلام للزهراء حيث في الاخبار انه بنى لها دارا للبكاء سنيت (بيت الاحزان) في البقيع...دليل على ان الامر اعمق من عاطفة عابرة.