• Post on Facebook
  • Twitter
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

السلم الأهلي والاجتماعي من مباديء الدين الحنيف.. الحلقة : الثانية

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1052
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
السلم الأهلي والاجتماعي من مباديء الدين الحنيف.. الحلقة : الثانية

الحلقة الثانية

بقلم الشيخ حكيم الخُزاعي 


بعد ما بيناه في الحلقة الاولى من مبادئ السلم

الآن نأتي إلى قضية أخرى وهي قضية الثقافة الإسلامية والتربية لأجل سيادة مبدأ السلم والأمن ، فلم يكتف الإسلام بالردع فقط بل حاول ان يثقف لقضية السلم والأمن وقد أقر عدة مبادئ لأجل ذلك

 

أولاً:مبدأ التسامح والتعايش بين أهل الأديان المختلفة ، قال الله تعالى( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )وقال تعالى (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ )ودعى إلى كلمة سواء مع المختلف( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بعضا أربابا  )، فهم مواطنون تحت دولة الإسلام العادلة ، لايُظلمون ولا يظلمون ، وحرم النبي ص قتل المخالف وهكذا أئمة أهل البيت ، بل قال أمير المؤمنين عليه السلام  (الناس صنفان إما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق)بل نهى عن تسخيرهم ثم تركهم بلا مأوى أو عيش كريم ، كما في قضية ذلك المسيحي الذي كان يستعطي الناس ، حيث أمر عليه السلام أن يكون له راتب من بيت المال ، ما ذلك إلا لأن الإنسان بما هو إنسان محترم مكرم وهذا في القرآن الكريم (ولقد كرمنا بني آدم )

ثانيا ً:مبدأ المساواة الإنسانية ، حيث أن البشر متساوون مثل أسنان المشط ، كما قال النبي ص وماذلك إلا لأن أصل الفتن والبلاء والحروب هو بسبب النزعة الفوقية كهتلر وغيره ، لذا أرسى الإسلام هذا المفهوم ولقد جاء في وصية أمير المؤمنين لمالك قوله (الناس صنفان إما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق  )وهكذا نجد أن القرآن يجعل مبدأ التفاضل عائد إلى غير النوع الإنساني فالكرامة بسبب التقوى أو العلم أو العمل ، وليس بسبب نوعية الانتماء ، بل هذه الحمية محرمة في الإسلام ومو حمية الجاهلية.

ثالثاً:مبدأ الأخوة الإيمانية والإنسانية بين الناس ، ونجد هذا المبدأ قد أرساه النبي ص منذ بداية الدعوة فقد اخى بين المهاجرين والأنصار كخطوة أولية ، وإلا المشروع أوسع من ذلك (إنما المؤمنون أخوة )وليس هذا يعني فقط رابطة الإيمان تجمعهم بل هي رابطة عظيمة لكن مع ذلك هناك رابطة أوسع وهي الرابطة الإنسانية ، إما أخ في الدين او في الخلق ، ولا تمنع الأولى الثانية كما يتوهم المتشددون ، بل هي تعمقها فالإنسان المؤمن تكون نظرته ارحم وأوسع لأنه يتمثل الأخلاق الإلهية والصفات الربانية ، والله رحمان رحيم ، الخلق كلهم عياله ، نعم هناك من هو شر ومن هو معتدي فهنا يخرج باعتدائه عن الأخوة ، ليس بسبب إيمانه بل بسبب اعتداءه وخروجه عن الإنسانية.

رابعاً:نشر المحبة بين الناس وشيوع ثقافة الحب بينهم ، وهل الدين إلا الحب كما يقول الإمام الباقر ، ومبدأ الحب هو أعمق المبادئ لأننا لا نحتاج بعده لأي شيء فالحب يذيب الخلافات ، ويعمق القلوب والألفة ، ويشيع الثقة بين الناس ، والحب علاقة طويلة بين العبد وربه علاقة عرضية بين أفراد المجتمع الإنساني ، وبالحب يمكن بناء الدول واستقرار الناس ، وثقافة الكره والحقد يمكن أن تتدمر مدن بل العالم بأسره ، لذا نجد المخطط الكبير هو لنشر ثقافة الكره بين الطوائف بل بين نفس أفراد الطائفة ، حتى وصل الأمر إلى سفك الدماء والنهب والسلب ، وإذا كان الكره هو المتاصل عبر ثقافة عميقة يشارك فيها الخطاب الديني والإعلام المقروء والمسموع ، فإننا قد لانحتاج إلى الكثير لأجل الفتنة بل فقط  إلى خطبة واحدة أو كلمة واحدة؛ لذا حرم الله كلمة السوء كالغيبة والنميمة ، وأمر بكلمة المحبة والعدل والإحسان (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا)فالعداوة الشيطانية للإنسان متأصلة وأهم سلاح في ذلك هي الكلمة ، لذا بالكلمة تسفك الدماء وتنتهك الأعراض ، من هنا وردت روايات كثيرة عن اللسان ودوره في ذلك وهي كثيرة مبثوثة في الكتب الأخلاقية. .

خامساً:مبدأ الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن أوضح المصاديق لذلك الدعوة إلى الأمن والسلام وإصلاح ذات البين فقد ورد عن رسول الله ص (أنه أفضل من عامة الصلاة والصوم )وقد قال القرآن عن ذلك (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذٰلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيم)

وما اجمل ان تكون هناك مؤسسات اجتماعية ، تعنى بهذا الأمر ، ولما لا وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام (عليكم بنظم أمركم) واكيد اي عمل لو كان تحت إطار تنظيمي مؤسساتي حقيقي أفضل من العمل الفردي ، فلو وجد في البيوت دعوة إلى الخير ، ووجدت مؤسسات في المجتمع ، وكان خطاب الألفة هو السائد ، وتم تدريس الأطفال من الطفولة ضد العنف ومع السلم ، وتم تجريم العنف والقتل وسفك الدماء فإننا سنشهد مجتمعا مثاليا أراده الله ورسوله ص ، بل تنشده وتحن إليه البشرية منذ القدم

أننا في الأخير نوجه دعوة إلى الباحثين وغيرهم أن يهتموا بثقافة السلم والأمن ، وأن يعمقوها جيدا ، فإننا بتنا مهددون من الداخل قبل الخارج ، طائفيا وعرقيا و عشائريا ، وحزبية ، وفي كل يوم نرى مظاهر العنف وتردي الدولة وغياب القانون ، واستباحة الدماء والأموال ، وأصبح العنف هو القاعدة مع شديد الأسف ، والجميع يتطلع إليه إلا من ندر ، تدفع الإنسان إلى ذلك قوته الحيوانية المتأصلة فيه ، وغياب دور الدين والقانون وصوت الضمير ، وشيوع وارتفاع صوت القبيلة والحزب والزعيم فوق الجميع ، اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا وغيبة امامنا وشدة الفتن بنا. ..

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

Powered by Vivvo CMS v4.7