لماذا لا يستجيب الله لدعائنا
بقلم: الشيخ عبد الحكيم الخُزاعي
يكثر هذه السؤال دائما ويرد إلينا من الأخوة والأخوات الكرام لذا نجيب باختصار عن هذا الأمر بعدة نقاط
- لاشك أن الدعاء كما ورد (مخ العبادة ) وهو عبادة مستقلة بل من أرقى أنواعها لأنه يمثل حالة الانقطاع الأخير إلى الله ، وهو مخاطبة مباشرة ورغبة حقيقية ولحظة رجوع والتفات من العبد إلى الله ، بل هي التفات من الله إلى العبد حيث هو الموفق الحقيقي للطاعة ، لذا عد تركه استكبارا في القرآن الكريم ، بل إن الدعاء أصبح مدرسة الشفاء كما كتب ألكسيس كاريل في كتابه الدعاء حيث يتم شفاء الناس من خلاله لأنه يعالج الروحية والعمق الإنساني الذي هو أساس المشاكل ويمتد إلى جسد الإنسان؛ لذا علينا أولا الوعي بهذه الحقيقة وبتعبير آخر هل الدعاء مطلوب لنفسه أم لغيره ، هل هو الأساس والاستجابة حالة ثانوية أم الاستجابة هي الأساس والدعاء حالة ثانوية ؟ الصحيح أن الدعاء هو مطلوب لذاته فهو ذاتي والاستجابة عرضية وكما قيل في الحكمة ( البقاء على الدعاء استجابة )
- علينا أن نبني علاقتنا مع الله على أساس متين ، فنوعية العلاقة مهمة جدا قبل أن نمضي في رحلتنا الإيمانية ، وهنا أقول كما نفكر نحن دائما في تصحيح عباداتنا ومعاملاتنا العلاقة الفقهية مع الله ، علينا أن نصحح العلاقة الاعتقادية ونرتقى بها إلى أعلى المستويات ، فهناك أنواع من العلاقة بينتها الروايات فهناك عبادة التجار ، وهناك عبادة العبيد ، وهناك عبادة الأحرار ، والدعاء له تأثير على هذه الثلاثة من العلاقات ، فمن بنى علاقته مع الله على أساس التجارة لاشك أن التاجر يتراجع عن العلاقة اذا لم يظهر الربح سريعا ، وهكذا العبد ، اما الحر الذي عبد الله حبا فإنه لاشك يزداد حبا لله بالمنع والعطاء بالجذب والدفع ، لذا لايصح أن نبني العلاقة مع الله على أساس عطاء صغير ، وهو المعطي والمفيض والخالق والذي أعطانا أعظم نعمة وهي نعمة الوجود ونعمة الإيمان ونعمه مستمرة غير نهائية ( وان تعدوا نعمة الله لاتحصوها )
- اذا تقرر ذلك نقول لابد أن ندرس حالتنا قبل الدعاء وفي أثناء الدعاء وبعد الدعاء ، وندرس نيتنا وأيضا نوعية الدعاء ، لذا عقد العلماء بحثا تحت اسم شرائط الدعاء فهو لاياتي بالمجان إذ ذكرت الروايات شروطا مهمة للدعاء
● شرائط الدعاء يقول الإمام الصادق عليه السلام ( احفظ آداب الدعاء فإن لم تأت بشرط الدعاء فلا تنتظر الإجابة ) .بحار الأنوار. فهنا الإمام عليه السلام يبين أن الدعاء يرتبط بـ آداب وشرائط يأتي بعدها الجواب فمااهم هذه الشرائط
●
أولا : المعرفة : عن رسول الله ص يقول الله عز وجل : من سألني وهو يعلم أني أضر وأنفع استجيب له. عدة الداعي ص131 وعن الإمام الصادق ع وقد سأله قوم : ندعو فلا يستجاب لنا ؟ !فقال لأنكم تدعون من لا تعرفونه. بحار الأنوار.
وهذا ارتباط مابين العقيدة والدعاء ، لأن العقيدة هي من تعرف الإنسان بالله ، فهي كما قيل لها دور كبير في تصحيح أصل نية العبادة والا الإنسان قد يدعو من لايعرف وقد قال الإمام علي ع ( أول الدين معرفته )
ثانيا :العمل فقد ورد عن رسول الله ص ( الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر ) . بحار الأنوار
ثالثا : الوفاء بعهد الله يقول الإمام الصادق ع لأنكم لا تفون بعهد الله وأن الله يقول ( اوفوا بعهدي أوف بعهدكم ) والله لو وفيتم لله لوفى الله لكم .بحار الأنوار.
فلا يمكن أن نكون مع غير الله في كل وقت ولما يصيبنا ضرر نعود إليه ؟ هذه علاقة مصلحية ليست واقعية وقد ذمها القرآن الكريم
وهنا نشير بنحو الاختصار إلى تلك الأمور التي تمنع الاستجابة وقد ذكرتها روايات أهل البيت عليهم السلام ( طيب القلب ، طيب المكسب ، عدم حضور القلب عند الدعاء ، الظلم ، مناقضة المسألة للحكمة ) وغيرها من الأمور ولابأس بالرجوع إلى الكتاب القيم عدة الداعي لابن فهد الحلي قدس فهو من أرقى الكتب التي كتبت في هذا المجال.
في الأخير نقول علينا أن نتهم أنفسنا دائما ، فاتهام النفس لوحده معرفة وقيمة كبرى كقصة العبد في بني إسرائيل الذي اتهم نفسه فرجع الله عليه ، حيث خاطب نفسه والله ما أوتيت إلا منك ، ويقصد نفسه الإمارة بالسوء ، وعلينا أن نعرف أن هناك أصواتا يحب الله سماعها تدعو دائما وهناك من لا يحبها ، لذ قد يؤجل تلك ويعجل هذه ، أن الدعاء علاقة إيمانية علينا أن نخرج منه ناجحين ، أراد الله لنا أن نعمق علاقتنا به من خلاله ، لا أن نتراجع بسبب نفس الدعاء وبسبب مطلب صغير لم يعجل الله به لأسباب كثيرة وقد ورد ( ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور ) أن العبد دون معرفة تكون جميع علاقاته مع الله خطيرة وقد تنقلب عليه ويتراجع بسببها لذا عدت المعرفة من أعظم الطاعات والقربات وأن العبد يثاب بحسبها، ثم هناك بقيت أمور كثيرة ترتبط بهذا البحث لانستطيع الآن سردها منها مايرتبط بالداعي ومنها مايرتبط بالدعاء ، فهناك أناس لا يستجيب الله لهم لأن الدعاء ليس طريقا في قبال الأسباب الطبيعية المتوفرة مثل طلب الرزق ، فلايجلس الإنسان في بيته ويقول ارزقني ، ومثل المريض أيضا عليه أولا السعي للطبيب ويستمر بالدعاء ، وهكذا باقي الأمور فالدعاء كنز مدخر لنا حينما لا توفي لنا الأسباب الطبيعية في ما نريد وتنتهي صلاحيتها مثل قصة أيوب وإبراهيم وزكريا في قضية المرض وطلب الولد.
نسأل الله تعالى أن يمن علينا بمعرفته ومحبته والاستمرار على دعائه دون أن ننتظر إجابة انه سميع الدعاء .