• Post on Facebook
  • Twitter
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save
الأكثر شعبية

غدير المباهلة .. دروس ودلالات

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1070
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
غدير المباهلة .. دروس ودلالات

بقلم: سيد حازم الحسيني

 

تتوالى اشارات السماء للتاكيد على منزلة الإمام علي (عليه السلام)، ومكانته عند الله تعالى، وأنه أقرب مخلوق الى شخصية الحبيب الخاتم محمد (صلى الله عليه واله)، وأنه الانسان الكامل القادر على مواصلة المسير وحمل مشعل الهداية وربط الارض بالسماء.

ومن المناسب هنا، ونحن نعيش ذكرى المباهلة العزيزة، ان نستثمر هذه الفرصة للوقوف على مضامين ودلالات هذا الحدث الجلل، الذي يعد عيدا كبيرا للمسلمين، ونصرا عظيما يضاف لقائمة انتصارات علي واشارات السماء لشخصيته ومكانته الفريدة المتميزة.

وهذه بعض الدروس التي يمكن ان نستوحيها من غدير المباهلة، الذي حصل في السنة التاسعة للهجرة، ونزل فيه قوله تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ. الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ. فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) ال عمران/59-61:

 

1- في (حادثة الدار) الشهيرة، التي وقعت في السنة الثالثة من البعثة، والمسجلة في كتب المسلمين جميعا، عندما نزل جبرئيل على قلب النبي الخاتم (ص)، يحمل قوله تعالى: (وانذر عشيرتك الأقربين) الشعراء/214، وامتثل الحبيب المصطفى أمر ربه وجمع بني عبد المطلب، وكانوا اربعين رجلا، ووقف فيهم خطيبا وقال: (أيكم يؤازرني، على ان يكون أخي، ووصيي، ووزيري، ووارثي، وخليفتي من بعدي)، فكانوا ساكتين، الا علي (عليه السلام) قال: أنا يارسول الله. فقال (ص) مشيرا إليه، بعد ان كرر كلامه ثلاثا والقوم صامتون: (إن هذا أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي، فاسمعوا له واطيعوا).

اقول.. في تلك الحادثة، التي سبقت غدير خم بعشرين عاما، تم تنصيب الإمام علي (عليه السلام) خليفة على المسلمين، أمام أنظار بني عبد المطلب فقط.. فكان ذلك اليوم غديرا اولا، بحسب رأيي ونظرتي.

في حين اننا هنا، في حادثة المباهلة، نجد ان السماء أعلنت عليا نفس محمد (صلى الله عليه واله)، ليس أمام بني عبد المطلب فقط، ولا أمام المسلمين فقط، وانما أمام أبناء ديانة اخرى أيضا، هي الديانة المسيحية، بكبارها ورموزها وقادتها واتباعها، المنتشرين في شبه الجزيرة العربية وبلاد الروم وغيرها.

2- في يوم المباهلة العظيم، لم تعتبر السماء عليا (عليه السلام) ذراع رسول الله محمد (صلى الله عليه واله)، ولا وزيره، ولا وارثه، فحسب، بل عدته نفسه!! كأعلى درجات الوصف والقرب والتنزيل والمكانة.

3- على الرغم من ان الرسول الخاتم (صلى الله عليه واله) كان معصوما ومسددا من قبل السماء، وانه (ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) النجم/3، إلا أن الذي جعل عليا نفس محمد (عليهما صلوات الله) في غدير المباهلة، هو الله تعالى في قرانه المجيد، الذي سيظل يتلى الى يوم يبعثون.

وفي ذلك من الرفعة والمجد وعلو الشان لعلي ما لا يصفه لسان ولا يبلغه بنان.

4- لابد ان يطلع الباحثون وطلاب الحقيقة على سر ومغزى وصف (أنفسنا)، الذي نعت به علي (عليه السلام) في الاية المباركة، للوقوف على حقيقة هذا التنزيل والتبجيل ومدلوله ومغزاه. 

ولقد افاض باحثو ومحققو ومفسرو مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في بيان معنى كلمة (انفسنا)، الواردة في آية المباهلة، بما لا مزيد عليه، وليراجع لمعرفة دلالاتها ومضمونها الميزان في تفسير القران وغيره.

5- واخيرا.. نقول وبحسرة وألم.. تبا للاقلام المأجورة والافهام المنخورة والقلوب العليلة، التي ملأ حب الدنيا شغافها، فتركت كل تلك الدلائل والمواقف والآيات والروايات، في تمجيد علي (عليه السلام) وتفضيله وبيان مكانته؛ وانه وصي ووزير ووارث ونفس وإمام وخليفة، وقدمت غيره عليه، بل سعت في تمجيد من ذمه الله ورسوله!! 

فهذا معاوية، الذي ذمه القران الكريم ووصف اسرته بانهم الشجرة الملعونة في القران: (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا) الاسراء/59-60

معاوية هذا، يتحول على يد وعاظ السلاطين وكتاب البلاط؛ إلى بطل إسلامي، ورمز قومي، وكاتبا للوحي، وخالا للمؤمنين، بلا منازع!! بل تتحول المذام التي وردت فيه الى مدائح!! 

فلقد جاء في السيرة ان رسول الله (ص) طلب معاوية يوما فلم يجده، فسأل عنه ابن عباس، فقال الأخير إنه يأكل يارسول الله.. فدعا عليه الرسول بقوله: (لا اشبع الله بطنه)!!

 

وهنا.. حول ابن كثير، مفسر بني أمية، هذا الذم النبوي لمعاوية، إلى دعاء نفيس له!! ومديح وتهنئة!! بزعم ان معاوية سيكون قائدا بسببه فيما بعد، وان القائد لابد ان يحتاج إلى بطن كبيرة وعضلات مفتولة!!

والادهى من ذلك.. ان يقصى علي (عليه السلام) عن كل الادوار والمناصب ومواقع القرار والإدارة، طيلة ربع قرن، بعد رحيل رسول السماء وتشكيل السقيفة الظالمة، رغم كل ما نزل في علي بن أبي طالب من آيات وروايات.. بينما يصبح مروان بن الحكم، الذي لعنه رسول الله وقال عنه وعن أبيه: (الوزغ بن الوزغ)، قائدا للمسلمين، وخليفة للرسول، بل أتيح له أن ينصب اولاده وذريته خلفاء للرسول واحدا بعد الآخر!! قال تعالى: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) التوبة/32

وفي الختام.. نهنيء العالم الاسلامي بهذه المناسبة الجليلة، غدير المباهلة الأغر،  وندعوا جميع الأحرار في العالم لكشف النقاب بأنفسهم عن الحقائق والوثائق، التي حاول السلاطين والوعاظ وكتاب السوء دفنها وتغييبها، وان يتعاملوا مع ذلك بعقول متفتحة وقلوب صافية، محبة للخير وللحقيقة.

اللهم أرنا الحق حقا فنتبعه، والباطل باطلا فنجتنبه.

 

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين 

2/8/2021 

Powered by Vivvo CMS v4.7